صباح 22 مارس 2016، تصدرت الأخبار العالمية عناوين صادمة عن هجمات إرهابية هزت مطار بروكسل ومحطة مترو بحي المؤسسات الأوروبية. طوال اليوم حملت قنوات التلفزة ومواقع الصحف الإخبارية عن سير الاحداث هناك وإحصائيات الضحايا. الخبر الفاجع لحقته استنكارات وأصوات رافضة للحدث وآسفة عليه. أحد المؤسسات الدينية العربية أدلت فور ورود نبأ إعلان التفجيرات، وقبل أن توجه الحكومة البلجيكية أو أي جهة من المتسبب في الحادث كلمات معبرة وموجزة: يعتبر اعتداءات بروكسل "جرائم نكراء تخالف تعاليم الإسلام السمحة". هناك إحتمالات عدة لهكذا رد يحمله تصريح. لا يعني ابداً أن الجهة المصرحة بذلك كانت تعلم يقيناً من الفاعل. لربما حدس عالي بهكذا تفجيرات عادة من يقوم بها، ولربما فقط رأي عام يفيد بإستنكار العنف الذي حملته التفجيرات. كقراء نتناول سيل الأخبار كما هي. قد نفكر ونحلل سراً وعلناً وقد نجد ما بين السطور قابل للتأويلات ونذهب معها قريباً وبعيداً، وقد نتلقى ولا نفكر ونصمت . مادور الكاتب هنا، الروائي تحديداً؟ كتب ومقالات عدة تناولت ظاهرة رصد الأحداث في الواقع العربي ووضعها عبر نصوص تعج بالعنف وبأنواعه عبر مشاهد وحوارات وكأنها ثيمة أصبحت تصبغ الرواية العربية ونحن مقبلون على نهاية العقد الثاني للألفية الثالثة. هو الواقع وعلى الكاتب أن يظهر الولاء عاكساً لتفاصيل آلام مجتمعه اللحظية؟ هل جميع الكتاب مجندين لهذا العمل النبيل؟ لم؟ جيد، أين الإبداع والابتكار؟ أين تجلي ملكة التلقي والتحليل و ربط الخيوط بين الواقع وعمق فكر الكاتب وخياله ورسالته تجاه الإنسانية وتقديم كل ذلك برؤى تسهم بنشل هذا المجتمع من مستنقعات العنف؟ ليس هذا دور الكاتب؟ إذن أنت من أسباب ما آل إليه واقعنا المرير! ليس الكاتب وحده عليه هذا الدور؟ نعم صحيح، كل مؤسسات المجتمع المخولة بذلك وخاصة التعليم والإعلام لهم أدوار عظيمة. ليس هذا فحسب بل علينا أن ننظر معاً، هناك في ركن ما مراقب بعين النقد الأدبي والثقافي منوط به مهمة أكبر وكذلك خبراء ثقافيين وإجتماعيين . في ذاك الركن هل أُعدت أدوات مواكبة لترصد وتحلل المعروض كما ينبغي؟ هل توجد معيارية تؤهل من في ذاك الصرح ليصرحوا بما يجلب الفائدة للأدب والمجتمع في آن؟! القيم الإنسانية النبيلة طوق النجاة الذي تنادي به المؤسسات المعنية في الغرب واوربا وتحث على نشرها في الأدب والثقافة. لم ؟ لأن الإنسان هناك بعد أن أصبح تلك الآلة التي تدور في ساقية العمل وإتباع الأنظمة الصارمة، أصبح مبرمج بشكل من السهل أن يقع في براثن الضغوط نفسية وما تجلبه من آثار على ذاته وعلى من حوله. نسبة تفشي كل من تعاطي العقاقير المخدرة و تفاقم العنف هناك متزايدة بشكل مخيف. التفكك الأسري أصبح سمة والتمدن لديهم. حتى أن الصورة الطبيعية المعهودة للكيان الأسري ما عادت تلك التي ألفوها. هل ذلك فقط على نطاق الفئات الضعيفة أو الفقيرة؟ من الأجدر العودة للإحصائيات هناك لترى عزيزي القارئ ما يعكسه الواقع لديهم. في اقليمنا العربي مازالت الأسرة هي الكيان الذي يحتوي أفراده ومازلنا قريبين من أخلاقيات توارثتها الأجيال. نعم هناك فساد وإرهاب ولكن مازلنا على مقربة من منابع للنهل من أفضل القيم الإنسانية النبيلة. لم لا نطعم بها نصوصنا. نبث شيء من الأمل؟ كاذب؟ من الأفضل وصفه بخيال إيجابي وإلى حد ما ممكن وموضوعي. حين يكون الكاتب من الوعي بالثقافة التي يتعاطاها، بجوانبها السلبية والإيجابية ومواكبته على الأقل لأساسيات للعلوم الانسانية، وإيمانه بما يحمله من ملكة إبداعية يعرضها قلمه، تتجسد في إيمانه بدوره تجاه مجتمعه. حينها، سيكون مساره ليس فقط وصف (الواقع) والذي بدوره هو نتيجة وحصيلة لتراكمات ثقافية نتج عنها هذا (الواقع) الذي نعيشه بكل ايجابياته وسلبياته. موقف الشكوى والتباكي لن يحل إشكاليات مصيرية لإقليم بأكمله. هناك خطوة أكبر، تتنظر من كتابنا، وهي الغوص في عمق الذات الإنسانية بالألفية الثاثلة وما حملته من جديد معطيات، بدراستها وتحليلها ووضع مبضع الجراح الماهر حول خلايا أهلكت جسد أمة عبر قرون من الزمان، فصلها وايقاف استشرائها بكل العقاقير الناجعة هدف نبيل لن يتأتى وثماره مالم نبدأ كل من مكان تخصصه وبطاقاته الممكنة. نطمح بتزايد أقلام مبدعة بخيالها وملكتها وعلمها من القوة بحيث يفسح لها مديات تملأ بها مشاهد تشفينا من ويلات نستنكرها ونشجب عنفها على أرضنا وأرض غيرنا. عزيزي الكاتب، أنت الطريق لوأد ما تكرهه القلوب النقية في مجتمعك، وكل المؤسسات حولك إن لم تعطيك حقك في إسهامك بنماء مجتمعك، فهي مسؤولة وبجدارة عن إغراق إقليمنا في ظلاميات الجهل والإرهاب؛ لن يبرئها من إثمها صوتها المتعالي بالإستنكار والشجب. بتقاسعها عن دورها؛ سواء عمداً أو (سهواً)؛ ستقع هذه المؤسسات تحت محاكمة المستقبل، فالحاضر سيصبح تاريخاً ترصد أحداثه وتبعاته أجيال لاحقة .

آن الصافي

روائية وشاعرة من السودان، مقيمة في مدينة أبو ظبي-دولة الإمارات العربية المتحدة.

حاصلة على بكالوريوس هندسة كمبيوتر،  إعلامية ، محاضرة ومُدربة في مجال الإدارة والتنمية البشرية.

من خريجي أكاديمية الشعر بأبو ظبي، الدفعة الخامسة.

منسقة ثقافية في إتحاد كتاب وأدباء الإمارات/ فرع أبو ظبي.

عضو في مؤسسة بحر الثقافة بمدينة  أبوظبي.

كاتبة سلسلة مقالات (الكتابة للمستقبل)  ومواضيع فكرية ثقافية في شتى المواقع الالكترونية و الصحف العربية.

صدر لها:

رواية (فُلك الغواية) 2014،

ورواية  (جميل نادوند) ،

رواية (توالي) ،

رواية (قافية الراوي) .

كتاب  فكري ثقافي (الكتابة للمستقبل )

تحت الطبع: رواية (كما روح) و ديوان شعري

لها عدة مقالات فكرية_ثقافية تنشر عبر العديد من الصحف العربية والمواقع الثقافية.

)Ann El Safi آن الصافي (

Facebook: Ann El Safi Novelist

Twitter: @AnnElSafiWriter

Instagram: Ann El Safi Novelist2

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم