الروائي الجزائري غير قادر على التصالح مع القارئ المحلي، فلماذا يفكر في مكان له تحت شمس التشريفات؟ قبل أسابيع، خرج نقاد، من كهوفهم، للصّراخ عالياً، وللتعبير عن استيائهم، في مواقع التّواصل الاجتماعي، بسبب تغييب الرّواية الجزائرية، مرّة أخرى، عن قوائم التّرشيحات في جائزة «البوكر» العربية، وذهب البعض إلى الادعاء أن الأمر «مقصود»، وانضم إليهم روائيون لتبرير «تغييبهم»، بالبحث عن علل ترتبط -بحسب رأيّهم- بمنطق «إقليمي» يحكم توجّهات القائمين على الجائزة نفسها، لكن السّؤال الأهمّ، الذي لم يُطرح، بشكل واضح، هل الرّواية الجزائرية، المكتوبة بالعربية، تستحق أولاً أن تُقرأ، قبل أن تفكر في مزاحمة روايات عربية أخرى؟ كُرة «النّقاش» ظلّت تدور بين طرفين، لا ثالث لهما، بين نقّاد وروائيين، نقّاد جلّهم من خريجي جامعة جزائرية مستبعدة من التصنيفات العالمية، وتحتل المراتب الدّنيا في تصنيف الجامعات العربية، وروائيون في غالبيتهم بلا رصيد، ونسينا العودة إلى عنصر ثالث مهمّ، ومُساءلة رأيه، وهو القارئ!

من المتّفق عليه أن الجزائر سوق جيّدة للرواية، ونقصد هنا أنها سوق للرواية المكتوبة بالفرنسية، ﻟ«البست سيلر» الأجنبية، لأسماء مثل باولو كويلو أو دان براون، لروايات قادمة من المشرق، والاسم المحلي الوحيد، الذي يكتب بالعربية، واستطاع منافستهم هو أحلام مستغانمي، عدا ذلك، فمبيعات أهمّ الروايات، لا تتجاوز بضع مئات من النّسخ، في بلد يُحصي قرابة 40 مليون نسمة، ونسبة الأميّة فيه لا تتجاوز 15 بالمئة.

الرّوائي الجزائري غير قادر على التّصالح مع القارئ المحلي، فلماذا يفكر في مكان له تحت شمس التّشريفات؟ ومن جهته، النّاقد، القابع في أروقة جامعة عاجزة عن تقديم بديل للمجتمع، غير قادر على متابعة ما يصدر من روايات، ولا مناقشتها بهدوء، ثم يغضب، فجأة، في مواقع التّواصل الاجتماعي، كلّما لاحظ الوضع الذي آلت إليه الرّواية في البلد.

تاريخياً، لم تمثّل الرّواية الجزائرية، المكتوبة بالعربية، استثناءً في ثقافة البلد، ولم تلعب دوراً خارج الإطار «الكتابي»، على عكس التّاريخ النضالي والملتزم الذي قامت به نظيرتها، المكتوبة بالفرنسية، كما لم تعرف هذه الرّواية، لحظة تأسيسها (لمَ تأخّر ظهور أوّل رواية إلى عام 1971)، كُتّاباً «كباراً»، بالمفهومين النّقدي أو التّجاري للكلمة، فالمؤسسان عبدالحميد بن هدوقة والطّاهر وطار، كان لهما السّبق التّاريخي لا أكثر، كما أن الأسماء التي تكرّست، في السّنوات الأخيرة، بقيت تدور في حلقات ثانوية، تنافس على جوائز أدبية، من الدّرجة الثّانية، إن صحّ التّعبير، بينما الأسماء الأهمّ، والأكثر نضجاً ظلّت، في الدّاخل، تعاني تهميشاً مزدوجاً.

منذ سنتين، ارتفع عدد الرّوايات بالعربية، الصّادرة في الجزائر، بشكل ملحوظ، فالعام الماضي، بلغ الرقم ستين رواية، وهو رقم مهمّ، ومن الممكن أن يرتفع أكثر، بفضل التّحفيزات المعروضة، كتنظيم جائزتين موجهّتين للرواية، «جائزة علي معاشي» و«جائزة آسيا جبّار»، رغم أنّ الجائزة الأولى ما تزال تُدار من كتّاب الجيل القديم، وتعتمد قراءات أيديولوجية للنّصوص، والثّانية وُلدت ولادة قيصرية، بشكل لا يرقى لاسم الكاتبة التي تحمل اسمها، فإن دور النّشر المحلية تصرّ على التّرشح لهما، بإصدار روايات، سنوياً، مستفيدة من الدّعم الحكومي السّخيّ لها.

ضمن هذا المشهد المتذبذب للرواية الجزائرية، في الدّاخل، صادف القارئ، في السنتين الماضيتين، عددًا من الروايات، التي روّج لها في الإعلام، كتبت بلغة محلية لا يكاد يفهمها قارئ من مصر أو سوريا أو لبنان، وأحياناً لا يفهمها قارئ من منطقة جزائرية تختلف عن منطقة الكاتب نفسه، هكذا وقعت الرواية الجزائرية، المكتوبة بالعربية، في نرجسية الكاتب، وفي عدم اتضاح الرؤية لديه، من دون الحديث عن المطبوعات التي تصدر ولا تمتّ بصلة لجنس الرواية، لكنها تحمل هذا التّوصيف على غلافها.

إن إعادة مُساءلة النّتاج الرّوائي المحلي، في الجزائر، أمر ضروري، ووضعه أمام نقد واع شرط أساسي، قبل التّفكير في «شيطنة» أيّ طرف، أو التّحامل على جهة بعينها، أمام هذا التغييب المستمر للرواية الجزائرية من أي ّمحفل إقليمي أو دولي.

كاتب من الجزائر

عن صحيفة العرب

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم