منذ وقت مبكر، بعد نكبة 1948، ظهرت أعمال أدبية عربية أتى مؤلفوها فيها على الموضوع الفلسطيني، وربما كانت رواية "لاجئة" لمحامٍ لبناني أوّل عمل قصصي صور حياة اللاجئين نثراً، خلافاً للشعر الذي برز فيه الموضوع الفلسطيني منذ وعد بلفور تقريباً، وكان وديع البستاني، اللبناني الذي عمل موظفاً في إدارة الانتداب البريطاني، أصدر ديوانه "فلسطينيات"، وعبّر فيه عن انتمائه العربي: أجل، عيسوي، اسألوا الأمس والغدا ولكن عروبي يحب محمدا. ولم تخل أشعار الجواهري من قصائد في يافا، ولا أشعار السياب من كتابة عن اللاجئين، كما في قافلة الضياع. ما سبق لا يعني أن كتّاباً عرباً مرموقين لامسوا الموضوع الفلسطيني ملامسة عميقة، مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، فهذان لم يكتبا في القضية الفلسطينية كتابة مباشرة لافتة. ومنذ 70 ق20 التفت الدارسون إلى الموضوع الفلسطيني، ومن هؤلاء صالح أبو اصبع الذي أصدر كتاباً هو "فلسطين في الرواية العربية"، وسيتبع هذا الكتاب كتب أخرى منها دراسة د. محمد عبد الله "فلسطين في القصة القصيرة الأردنية" (2002)، وإن كانت أكثر القصص المعالجة قصصاً كتبها فلسطينيون يقيمون في الأردن، مثل يوسف ضمرة وخليل السواحري ومحمود الريماوي وأحمد عودة. وسيحضر الموضوع الفلسطيني في 90 ق20 في أعمال أدبية لكتّاب مرموقين، مثل أحلام مستغانمي في ثلاثيتها، وإلياس خوري في "مملكة الغرباء" و"باب الشمس". والرواية الأخيرة عدها بعض الدارسين رواية النكبة الفلسطينية، منذ 1948 حتى 1995. وسيعود إلياس ليكتب في العام الأخير روايته "أولاد الغيتو: اسمي آدم" (2015)، وسيلتفت إلى موقف بطله من روايته "باب الشمس"، الرواية التي لم ترق لآدم الفلسطيني: "يومها، خرج آدم من قاعة السينما، ولحقت به سارانغ لي، فيما كنت أرتجف غيظاً. قلت لصديقي حاييم، إن هذا الرجل كاذب، يدّعي أنه إسرائيلي مع عشيقاته، مع أنه فلسطيني، وهُويّته الفلسطينية هذه كانت حجته الكبرى ضد روايتي، كأنه لا يحق لي أن أكتب عن فلسطين لمجرد أنني لست من أبوين فلسطينيين". في العام الماضي (2015) وصلت رواية جنى فواز الحسن "طابق 99.." إلى القائمة القصيرة لجائزة بوكر العربية. وقد أعيدت طباعتها في الأرض المحتلة، ولم أقرأ لها مراجعات نقدية لافتة في الصحافة الفلسطينية الصادرة هنا، مع أنها تستحق أن يلتفت إليها. إنها رواية في الصميم لدراسة موضوع فلسطين في الرواية العربية، وهي، في هذا الجانب، لا تقل أهمية عن رواية خوري "باب الشمس". إن مجد الفلسطيني يروي أكثر فصول الرواية الأربعة، فيمَ تروي اللبنانية هيلدا صفحات أقل من تلك التي يرويها مجد. تبدأ علاقة مجد بهيلدا في نيويورك، في ربيع 2000. يقيم مجد هناك، بعد أن غادر لبنان مع أبيه، إثر أحداث صبرا وشاتيلا، وفيها ذبحت أمه وأصيب هو بندب وعرج ظلا يلازمانه. وفي نيويورك يلتقي بهيلدا اللبنانية التي شارك أبوها وعائلتها في ذبح الفلسطينيين. تأسره عيناها العسليتان، ما يذكر بعيني ريتا محمود درويش، ولكن العلاقة تتخذ مساراً آخر، فإذا كانت علاقة درويش بريتا، انتهت بسبب البندقية التي حملتها ريتا يوم انضوت تحت علم الجيش الإسرائيلي، فإن هيلدا تنفصل عن عائلتها، وتقرر العودة إلى نيويورك لتقيم مع مجد. لقد أدركت عبث الحرب، ولم يرق لها ماضي أبيها ودوره في الحرب وذبح الفلسطينيين. سيقيم مجد الفلسطيني في نيويورك، وسيحقق ذاته، وسيستقر هناك، وسيموت أبوه في أميركا، بعد أن ماتت أمه في لبنان. وسينظر من طابق 99 إلى هذا العالم. من بعيد سينظر إلى وطنه الذي ضاع، فقد أدرك أنه مع اتساع كل مخيم كان أمل العودة يتضاءل، لأن الناس حين يعتادون العيش في مكان ما، وإن كان ضيقاً وغير مريح، يصبح من الصعب عليهم أن يغادروه. "كان أبي يخبرني أنه عندما بنى أوّل غرفة في لبنان ليتزوج فيها، شعر كأنه هدم حجراً في بلاده المنكوبة". وستعود هيلدا إلى نيويورك لتقيم مع مجد. هنا يتذكر المرء سميح القاسم وما كتبه لمحمود درويش: يفرقنا العالم اليعربي ويجمعنا العالم الغربي، ونبقى غريبين في العالمين. حقاً لماذا لم نلتفت إلى طابق99.

عن صحيفة الأيام

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم