– كن فضولياً:

لا أتصور روائياً يجلس طوال الوقت في غرفة زجاجية محكَمٍ إغلاقها ليكتب عما حوله.. اخرجْ للحياة، تلفتْ حولك، وأنصتْ جيداً لما يقوله الآخرون، فنحن في النهاية نكتب عنهم، عن كل تلك الحيوات التي تتشابك مكونة نسيجاً ضخماً نعلق به.

كثيراً ما نصادف شخصيات روائية فاقعة في حياتنا، بعضها مزعج أو شرير أو حتى سطحي جداً، اقتربْ منهم، لا تدع فرصة شرب فنجان قهوة معهم تَفُتْك، كن فضولياً لمعرفتهم واستعادتهم في عملك الأدبي.

أنا من النوع الذي يلفت انتباهه ما تحويه عربات تسوق الواقفين في طابور أمامه، ومَنْ تجذبه أحاديث الغرباء في مصعد أو عيادة، بإمكاني مقاطعة محدّثي عدة مرات للسؤال عن تفاصيل هامشية، وهو يروي حادثة ما، لكنها بالنسبة لي بالغة الأهمية، لأني أعرف أنها ستكون حكاية أخرى رديفة لحكايته.

استمعْ بفضول لما يقوله الناس بطريقتهم وقناعاتهم وإيماءاتهم الخاصة، فلربما صنعتَ منهم شخصياتك القادمة. بالنسبة لي يبدو الأمر باعثاً على التحدي الممزوج بالمتعة.

– دع المديح جانباً:

سيحدث -إن كنت موهوباً وفي بداية طريق الكتابة- أن تتلقى كلمات التشجيع من أناس طيبين.. عليك أن تشكرهم بلطف، وتسألهم عمّا لم يعجبهم فيما كتبت؟ وعما يلزمك لتطور عملك من وجهة نظرهم؟ لا تبتهج بكلمات المجاملة الرقيقة من أصدقائك وأقاربك وزملائك، ولا تتعثر بعبارات الثناء المكررة لك ولغيرك. القارئ الحقيقي مَن لا تربطه بك معرفة، مَن لا يخشى إحباطك، ولا يهدف لدغدغة مشاعرك بكلمات الإطراء، وهو القادر على تقييم عملك بصورة محايدة ومفيدة.

أنا أطرح هذا السؤال دائماً.. والآن أخبرني: ما الذي لم يرق لك فيما كتبتُ؟!

– اقرأْ بشغف:

لم يكن النشر سهلاً كما هو اليوم.. لا تكتب قبل أن تمر بالمرحلة الطبيعية، أن تكون قارئاً شغوفاً، لا شيء سيطور إمكاناتك، ويدعم موهبتك، مثل القراءة الجادة. اقرأ بشكل منتظم، وليس حسب الرغبة. ناقش الآخرين فيما قرأتَ، فتداولُ الكتب والحديث عنها يعمّق من دورها في مجتمعاتنا التي تئنّ من شح القراءة وتراجع دورها. من المستحيل أن يكتب شخص بلا مخزون معرفي كتاباً رائعاً! الكتب الرديئة إما أن كتابها لم يقرؤوا ما هو كافٍ، وإما أنهم بلا موهبة.

– لاحقِ المعلومة:

لا تبخل على القارئ بالمعرفة.. لا أتصور كاتباً يكتب عن الخيل وهو لم يدخل إسطبل خيول، ويدوّن المعلومات عنها من أفواه أصحابها، وربما يشهد عملية تنظيفها وإطعامها. لا أتصور كاتباً يكتب عن مدينة ميلانو وهو لم يزرها أبداً! ولا كاتباً يتناول مهنة الخياطة وهو لا يعرف تاريخ ماكينة سنجر.. المعلومات في كل مكان حولنا، يلزمك فقط البحث عنها وتوظيفها في عملك بشكل ذكي بعيداً عن الاستعراض الفجّ. القراءة تحوي جانبها النفعي، أنت مطالب بنقل المعرفة بطريقتك الخاصة للمتلقي. ككاتبةٍ قبل العمل وأثناءه أبحث عن المعلومات بشغف، فمرحلة استكشاف ما أنا بصدده، والتحضير له بجمع المعلومات وغربلتها هي الأجمل؛ أصبح كمن يعثر على جواهر مخبأة في الغرفة المجاورة.

– مَرّرْ مخطوطاتك:

مرر ما تكتبه لمن تثق برأيهم، حتى ولو أجزاء متفرقة من عملك.. بالنسبة لي هناك أناس أثق بهم، أحياناً يطّلعون على نصف العمل أو عدة صفحات منه، ونتحاور حوله، كل ملاحظة ولو كانت صغيرة تفتح لي آفاقاً جديدة. الشخص الذي يخبرك كل مرة بأن مسوداتك رائعة وعملك عظيم وبلا هفوات لا تثقْ برأيه كثيراً.

– لا تكررْ مواضيعك:

لو كتبتَ مرة قصة طالب مغترب مثلاً لا أتوقع منك أن تكتب ثانية عن نفس الموضوع.. إعادة اجترار ذات المواضيع، والتركيز عليها مرات ومرات يجعلني أفترض أحد أمرين؛ إما أنك أفلست، وإما أنك صاحب الفكرة الواحدة! فاجئ القارئ كل مرة بما هو جديد، غيّرْ من أسلوبك المعتاد، لا تجعله متأكداً من خطِّ سير رحلتك.

– علِّقْ لوحة بيضاء:

اشترِ لوحة بيضاء كبيرة في بداية مشروعك الروائي.. اكتبْ فيها مبدئيا خطّ سير الأحداث، ملامح أولية لشخصياتك، هواياتهم وأعمارهم، ستمتلئ اللوحة بالملاحظات وقصاصات الصحف، والمربعات الصغيرة والدوائر الكبيرة. اللوحة تبقى معي لنهاية العمل، لا أستخدمها كثيراً بعد أن أكتب الفصول الأولى، لكنها موجودة في غرفتي، إلى أن تنتهي المسودة الأولى، حينها ترحل لسلة تدوير الورق مع ابتسامة وداع!

المصدر : تكوين

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم