غمرت الرواية معرض القاهرة الدولي للكتاب، وتسابق الناشرون في إصدار الروايات، وتزاحم الشباب والكبار على حفلات التوقيع، وهجر الشعراء قصائدهم وأبياتهم وهرعوا إلى شاطئ الرواية.. وهذا كله أمر طيب لا ريب، لكن هل كل ما ينشر من روايات يمتع الوجدان ويثير العقل، على أساس أن العمل الروائي الناجح هو الذي تتوافر فيه هاتان الصفتان على الأقل؟

في تقديري أن ثمة سبع خطوات أساسية لكتابة رواية جميلة وشائقة وقادرة على إشباع القارئ النبيه، إذ إن هناك روايات تكتب من أجل تسلية القارئ البسيط أو الكسول، وهذه لا نعول عليها هنا كثيرًا، حتى لو صدرت من هذه الروايات الطبعة العشرون كما نلاحظ في أعمال قليلة القيمة. أول خطوة لكتابة رواية بديعة تتمثل في أن تسأل نفسك: لماذا تريد أن تكتب رواية؟

هل تبحث عن الشهرة والمجد؟ هل تحلم بجائزة مالية معتبرة خاصة وأن مؤسسات عربية متعددة رصدت جوائز سخية للرواية؟ أم أنك تريد طرح بعض الأفكار التي تؤمن بها أو تشغل خاطرك على الآخرين؟ علمًا بأن المجد والشهرة والجوائز كلها أمور مشروعة ومن حقك أن تسعى إلى الظفر بها. الخطوة الثانية تتمثل في انشغالك الدائم بفكرة الرواية، فتشرع في تصميم تصور عام

-داخل ذهنك- للشخصيات والصراعات والأحداث والوقائع، ولتحتشد بأكبر قدر من المعارف العامة لتعينك على السرد الرشيق، وعندما تجد أن ضغط (الحكاية) على أعصابك أكثر مما تحتمل، أقْدِم على الكتابة فورًا. أما الخطوة الثالثة فتتكئ على قدراتك اللغوية، واعلم أنك لن تستطيع كتابة رواية لافتة ومهمة دون أن تتقن اللغة التي تستخدمها، فتعرف كيف تعبر بها بيسر وسهولة عما يجري من وقائع وأحداث، ولا تنس أن اللغة الفاتنة هي السر المستتر وراء سحر أي عمل أدبي. نأتي إلى الخطوة الرابعة، وهي معضلة الزمن في الرواية، وهي معضلة أرّقت ماركيز كثيرًا كما قال غير مرة ومعه حق، فاعمل على ضبط الزمن، وانتبه للتواريخ واصنع سبيكة مقنعة من تداخل الماضي والحاضر، وربما المستقبل. لا تنشغل كثيرًا باسم الرواية في البداية، هذه هي الخطوة الخامسة، وليكن اختيارك للاسم مجرد اقتراح أولي تسترشد به، وتيقن أن الحرص على الكتابة اليومية في الرواية أمر بالغ الأهمية، وأنه سيفجر داخلك الاسم القوي المناسب مع مرور الوقت. في الخطوة السادسة تأكد أن مقدمة روايتك -ولتكن السطور الأولى- قادرة على إثارة القارئ ودفعه لمواصلة الاطلاع، لذا يفضل كثيرًا أن تعرضها على أصدقائك الموثوق بهم فور الانتهاء من كتابتها. وأخيرًا نصل إلى الخطوة السابعة، والتي تتمثل في إقدامك على هجر الرواية بعد الانتهاء منها لمدة شهر كامل، لا تحاول خلاله أن تعيد القراءة أو تنقح شيئًا مما كتبت، وبعد انقضاء هذا الشهر عُدْ إلى روايتك، وطالعها بهدوء، وستجد نفسك تحذف وتضيف، وتعدّل، وهي مسألة لا تقلق بالمرة، وبعد أن تشعر أنك استوفيت ادفع بالرواية إلى الناشر وأنت مطمئن البال. صحيح... نسيت أن أخبرك: عندما تطالع روايتك بعد صدورها افرح بها، وإذا اكتشفت أنك تعض بنان الندم، لأنك لم تكتب "كيت" ولم تحذف "كيت"، فلا تحزن، واعلم أنك بذلك قد التحقت بكتيبة الروائيين المتميزين.

عن صحيفة التحرير

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم