عندما أجدُ حيزاً من الوقت، فإنني أبحث عن رواياتٍ "غير عربية" لأقرأها وأملأ وقتي الفكريّ بشيء يُضيف لمحصلتي الذاتية شيئاً.

تُعتبر الروايةُ وفق منظوري الخاص عُمقاً آخر يلِج إليه الإنسانُ ليكُشّفَ عن مكناناته ويُفتحَ السجّلات المطوية بداخله. هذا الروائي أو القاص أو الكاتب أياً كان، يحاول سبر أغوار النفس البشريّة واستخراجها من بواطنه بمنظورٍ خاص ليعطي البشريّةَ رسالةً أوضح وأعمقَ وأشمل عن نفسِه البشريّة، وعلاقتها بالمفردات المحيطه به وتلكَ التي تتخلله بوعي وبلاوعي.

كلُ كاتب لديه رسالة عظيمة لايمانه بنفسه، وهذا الكاتب هو بالنهاية إنسان كبقية البشر بهم ما بهم من رسائل عظيمة يجب أن تخرج للعلن وتحقق تطوراً وإزدهاراً على نطاق الفرد والجماعة، فكراً وشعوراً وروحاً. هذا الشعور بالنبوءة التي تحمل الرسائل موجودٌ ضمناً ولكن أبعاده سحيقة، لا يُمكننا تحديد أُصوله ولا نهاياته.

إن الإنسانَ كمفردةٍ ضمن سلسلة من أفراد بشرية، هو الشخص الوحيد الذي يستطيع الموازنة بما في داخله مع ما بخارجه! فالداخل بالنسبةِ للكاتب هو أفكارٌ يراها من منظوره ومشاعر يخبرها باللحظة الآنية وبالذكرى، أما الخارج فهو طريقةُ التعبير عنها بصورتها النهائية. وما يتشكّل عند العرب بهذه الفترة الأدبية الرائجة شكلياً، ما يُمكنني تسميته بنوعٍ عنيف من التعبير عن الذات ومحاولة الاتزان بصفتنا بشراً في العالم مع ما نشعر به ونفكر به، ولكن هذه الشجرة المُعمرة التي تُسمى الضاد، والتي أجزم أنها أول لغةٍ وُجدت قبل خلق الإنسان. هذه الشجرة المعمرة لم تُثمر بعد في أدبنا؟ ما الأسباب ؟ يُمكننا القول إن البيئة العربية القاسية من موروثها وحاضرها المضغوط بالعادات والإعتقادات، وعقليّة العربي التي تحتاج للكثير كي تذوب بالحياة ويُستفاد من مياها، هي سبب أساسي وراء الكم الهائل من أدب باهت نجده في الأسواق وعلى متصفحات العالم الإلكتروني بين فينة وأخرى"!.

هذا النتاج الأدبي الباهت يقتصر الحديثَ عن الهموم اليوميّة، والمعاناة الشخصيّة، وصلتها المجتمعية الضيقة، ويتجنب الحديث عن الأفكار الأكثر شموليّة، والقيم الأكثر عُمقاً بالإنسانيّة، والصيغة الواضحة لحياة الإنسان مع نفسه ووجوده ."

إذن، فالكاتب العربي في حياته وبيئته يحمل ثقلاً يصعب عليه الموازنه بينه وبين طريقة إخراجه بالشكل السليم بكتابته، فلهذا يتمخض عن نتاجه مولودٌ يحمل في تفاصيله الهموم والمعاناة وتقاسيم موروثاته وعيشِهِ، لا يستمتع ولا يُسر الرائي إليه بمولودٍ يُمكن أن يكون إنساناً جميلاً يشبه بقية البشر ! إن حياةَ العربي وسعيه وراءَ التعبير عن ذاته ستحتاج إلى سنوات، وأخشى أن تطول قبل أن يتقن طريقةُ يوازن بها داخله مع خارجه ليخرج نتاجه بشكل جميل لا سيما أن اللغة؛ لغته هي الأُم في الكون . إن هذه الشجرة الأُم بحاجةٍ لتغذية بالقراءة ثم الإستفادة، وبحاجةٍ ماسة لضوء يُسلط على أوراقها الأدبية من إرشادٍ وتصحيح ونقدٍ بناءٍ لتثبت حيزها في الكون أنها أُم اللغات .

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم