بوعلام صنصال، الكاتب المولود في الجزائر عام 1949، مصرّ على العيش في بلاده، في منطقة بومرداس القبايلية. الصور التي تنشرها اليوم الصحف والمجلاّت الفرنسيّة بمناسبة صدور روايته الأخيرة – 2084 / نهاية العالم – تجعل الناظر إليها يحتار في ما قد يُبقي الرجل هناك، في بيته المُحاط بالشريط الشائك حتّى أعالي النوافذ والشرفات. وهو، بحسب قوله، يتلقّى يوميا عشرات الرسائل من إلكترونيّة وغيرها تهدّده بالقتل جزاء على "خيانته وتلويثه بلد الشهداء"، ولأنّه "لا يستحقّ الحياة"، وهذه الرسائل تطالبه بالرحيل عائدا إلى بلاد الفرنسيين" لأنّه "ليس سوى يهودي قذر"... لا أعتقد أنّ صنصال عاش خارج الجزائر لـ"يعود" كما يرد في الرسائل التي يقول إنه يتلقّاها. بل هو لم يلجأ يوما إلى بلد أوروبي هربا في "الفترة السوداء" التي كان فيها المثقّف الجزائري يُعدم من قبل الإسلاميين لأقلّ بكثير ممّا يكتب صلصال. ففي الفترة إيّاها كان أحد كبار الموظّفين في وزارة التجارة والصناعة قبل أن تتمّ إقالته عام 2003، ليس بسبب ضغوط من الإسلاميين بل لأنّ انتقاداته للنظام اتسعت خارج البلاد مع اتساع شهرته ككاتب، ومنذ صدور روايته الأولى "ميثاق البرابرة" عام 1999. لكن السلطة الجزائريّة ما زالت تؤمّن الحماية لبوعلام صنصال، لسببين على الأرجح: الأوّل دفاعا عمّا تسمّيه نهجا ديمقراطيا يحترم حريّة التعبير، يستفيد بالطبع من نقد الكاتب اللاذع للإسلاميين؛ والثاني لأنّ صنصال يكتب بالفرنسيّة وإذن تبقى كتاباته – النادر وجودها في المكتبات – ذات تأثير محدود جدا... لكنّ صنصال ليس ظاهرة. جيوب المقاومة الجزائريّة، ضدّ المدّ الإسلامي وضدّ نظام السلطة، موجودة، وهي كانت دائما تحتفي به وتعتبره أحد أعلامها الأحرار. إلى أن قام الكاتب بخطوة اعتبرت قفزة بهلوانيّة لم يفهمها صحبُه. كان ذلك حين زار بوعلام صنصال إسرائيل، وقام هناك بأكثر ربّما ممّا كان مطلوبا منه، وصار يلبّي دعوات تأتيه من مؤسّسات يهودية أوروبيّة متطرّفة. وفي هذا تقول الكاتبة الصحافيّة الجزائريّة التي تعيش في فرنسا إنّ رواية صنصال الأخيرة، ربما تكون رائعة أدبيّة، لكنّها لن تكتب عنها. فكل ما تبع زيارته لإسرائيل من تصريحات، كما تلك التي ترافق صدور 2084، هو طلقة في ظهر من كان معه، وفي معسكره، يدافعون عنه بكل قواهم وبكثير من التضحيات. فهو، وبحسب الكاتبة المذكورة، أضرّ بهم فقط من أجل أن يكون مشهورا في الخارج، وهذا معيب ولا أخلاقي. "كنّا نُهدّد بالموت ونُتّهم بالخيانة لأنّنا يهود ونُدار من الغرب ومن إسرائيل، وها هو يعطيهم مبرّرات على صحن من فضّة... من نوع وشهد شاهد من أهلهم...". أحد الصحافيين الجزائريين – عبدو سمّار – يقول لمجلّة "لوبس" – إنّ نظرة صنصال إلى بلاده صارت اليوم نظرة اليمين الفرنسي إليها. بشكل متطابق. أكان في كلامه عن الإسلاموفوبيا والخوف من المتكلّمين بالعربيّة، أو في إغفاله المتعمّد لكلّ ما حقّقه الديمقراطيّون الجزائريّون من نضالات حقيقيّة وغالية الأثمان ضدّ الإرهاب الإسلامي. لماذا يفعل صنصال ذلك؟! هذا رهيب!" في ما يقوله حول روايته الأخيرة لصحافيين فرنسيين متنوّرين، وردّا على العتب والملامة، استعراضٌ لحياته وكيف دمّرها الإسلاميون. ويضيف " لقد حاولنا في السابق أن نفهم. لقد خرّبوا حياتي بالكامل. لا شيء ينفع مع هؤلاء". هذه إجابات تتحايل على الأسئلة، وهي أقرب إلى التقنيّات والوسائط المتاحة للإنتقام الشخصي، والإستعداد للذهاب إلى أبعد لإيذاء الإسلاميين بغضّ النظر عمّا يلحق ب"معسكره" ورفاقه. عليّ وعلى أعدائي؟ ليس تماما. فشمشوم لن يقضي تحت الأنقاض هذه المرّة... الإسلاميّون؟ الإسلام؟ في آخر لقاءاته مع الصحافة الفرنسيّة – صحيفة ليبراسيون – قال صنصال وقد " نرفز" من الأسئلة التي أشارت إلى تماسّه مع جماعة لوبن العنصرية : "الإسلام والديمقراطيّة لا يلتقيان". يللا! حسنا. كلّ هذا أقلّ أهميّة من النصّ نفسه. النصّ، أو الرواية المستوحى عنوانها من رواية أورويل الشهيرة، يحفر بدأب وجهد كبيرين في آليات الإرهاب الإسلامي، الإجتماعيّة واللغويّة، وفي مجمل الرموز التي تقوم عليها تراكيب هيكليّة التوتاليتاريا الإسلاميّة. وفي ذلك يمرّ صنصال على التاريخ الجزائري بقفزات، هي محطّات يفكّكها بنفاذ رؤية كبير، من التعريب... إلى الفساد... لكنّه يذهب بسرعة إلى استخلاص نظري لا علاقة له بنسيجه السردي، عن اللغة العربيّة مثلا. هكذا بفجاجة تجافي سرده الذي يمتاز في بعض الصفحات بسلاسة جميلة متأتيّة من وقفات تحتفي بالتفاصيل. وهو يعمد أحيانا إلى ما يشبه المقاطع الترويجية التي تعمى عن التفاصيل لصالح فكرة الدّفع الأولى وربّما الوحيدة التي هي ال"هدف". "أبيستان" هي الجزائر عام 2084. وسماء "يولاه" هي الحكم بأمر "الله". أمّا البطل "آتي" فيكتشف وجود عالم سرّي لا يؤمن ب"يولاه"... تلك هي الحبكة. كان من الممكن أن تكون عناصر سرديّة جذابة لولا الغرق بالتنظير المتخفّي في تجريد، يتابعه الروائي بشغف عنيد حتّى نسيان الشخصيات لصالح "تفكيك" الدوغم الإسلامي.. فيحلّ الضجر مع شيء من العياء بعد أقلّ من خمسين صفحة... لكن صنصال سينال جوائز كثيرة عن روايته الأخيرة. هو نفسه قال على إحدى قنوات التلفزة إنّ حصوله على جوائز أدبيّة فرنسيّة يعني دعما له ضدّ الإسلاميين!

عن موقع المدن.

- See more at: http://www.almodon.com/culture/e835f5c8-f170-40fe-b96d-4cf1fc9d0ade#sthash.CWwReYKQ.dpuf

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم