يهتم الكثير من الكتّاب بما يُسمى «العالمية». يقول الكاتب المتحمس منهم «كيف أصل إلى العالمية؟ كيف؟» يترصد السبل، ويتحين الفرص ليكون مشهوراً تكتب عنه الجرائد والمجلات، ثم تترجمه المؤسسات ويتعرف إلى الناشرين الأوربيين يعرض عليهم كتبه الصادرة حديثاً. يبدو مهموماً بالعالمية أكثر من همه بالكتابة ذاتها. يتأمل في نموذج باولو كويلهو مثلاً، يكتب على نهجه أحياناً، والبعض يتأمل في نموذج جي كي رولنغ مؤلفة سلسلة هاري بوتر، يتأمل في هؤلاء الذين حققوا ثروة من الكتابة، وينسى أن هذه «مطالب سوق» وليست بالضرورة «معايير أدب».

تبدو العالمية بالنسبة لهؤلاء مرادفة للشهرة والثروة وتمضية الصيف على شواطئ العالم الخلابة. وأتساءل لماذا اختاروا الكتابة طريقاً لذلك؟ يبدو أن لصورة الكاتب إغراء خاص، ذلك الكاتب المشهور الذي يشير إليه الناس، وهو جالس في ركنه في المقهى يرتشف قهوته ويحك رأسه بقلمه منشغلاً بكتابة مشروعه الجديد. لدى هؤلاء الكتاب انشغال دائم بالشكل وبالنتيجة، وإغفال عن العملية. كمن يقرر أن يرتقي قمة إيفرست ليتصور عليها ويتفاخر بالصورة بين أصحابه، متجاهلاً مخاطر الطريق والرياح العاصفة والثلوج واحتمالية أن يموت متجمداً أو يسقط من علٍ.

إن كنت تكتب طمعاً في السعادة العالمية، فابحث عن وسيلة أخرى غير الكتابة. الكتابة لن تمنحك ذلك ولو بعد ألف عام وألف كتاب. لأن الكتابة في جوهرها عملية همّ مقيم. بالكتابة أنت تذهب إلى الهمَ الإنساني، حتى حين تحتفي في كتابتك بالفرح تكون مجرد تقنية دفاع فينة في مواجهة الأحزان. أنت تريد أن تكون كاتباً؟ فاستعد لأن تكون مهمشاً، وحيداً، وفي أغلب الأحيان فقيراً. الكتابة حزن وقلق وأرق واكتئاب، هل تقوى على احتمال كل ذلك؟ هل هذا ما تريده لحياتك؟ الكتابة لا يختارها كتّابها، انهم يُبتلون بها، أو يهتدون إليها بعد أن يضنيهم حمل الحياة. الكتّاب الفطريون يولدون وهم مملوئين بالحياة، يقضون أعمارهم في محاولات الولادة وكثيراً ما يُجهضون كل الأفراح الممكنة، يلوح لهم القلم منيراً مرمياً في طريق مظلم، يكابدون ليصلوا إليه فيجدون فيه الخلاص ويتشبثون به اكسير نور وحياة.

تريد أن تكون عالمياً؟ عليك إذن أن تخرج من راحة بيتك لتحس بالعالم، دون أن تنتظر أن يحس بك... أو تعود إلى البيت.

عن صحيفة الاتحاد الإماراتية

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم