تشكّل الكتابة وسيلة لكثير من الناس للتعبير عن أنفسهم، عن آمالهم وأحلامهم، عن خيباتهم وانتكاساتهم، وقد توصلهم إلى برّ الأمان المنشود. وبعيداً عن استسهالها أو المبالغة في الصعوبات التي تكتنفها، تتبدّى كمحرّض على التغيير، وتساهم في الدفع إليه.

يحفل عالم الأدب بكثير من الأدباء الذين غيّرت مغامرتهم في عالم الكتابة حياتهم، ونقلتهم من موقع إلى آخر، بحيث أصبحت الكتابة عالمهم كلّه، واستطاعوا من خلالها الانتصار لقضاياهم وتمثيلها بالصيغة الأنسب، واحتلّوا مواقعهم الخاصّة بهم في تاريخ الأدب.

يتقاطع البحث عن الهوية لدى المرء مع البحث عن الجذور، والبحث عن سبل لتحقيق الأحلام، وهو ما يحضر عند كثير من الأدباء، وبشكل خاص ممّن يعانون نوعاً من التهميش والإقصاء في بلدانهم، ويكون بحثهم بمثابة نقطة إثبات على التجذّر في الأرض والاستمرارية بنوع من تأكيد الذات وانتزاع الاعتراف بالأحقّية والكفاءة والتقدير.

البحث عن الهويّة والسعي لبلورتها بطريقة أدبيّة عبر الاشتغال الروائي تصدّر اهتمام الروائية الأمريكية طوني موريسون (1931)، (نوبل 1993م). التي لم يقتصر سعيها على الانتصار لفكرتها بعاطفية ورومانسية ومغالاة، بل استعرضت أحوال أبناء جلدتها في التاريخ الأمريكي، ذكرت مساهماتهم في بناء الحضارة، وما ارتكب بحقهم من ممارسات شائنة، كما تتوقف عند الكثير من المحطات والمواقف التي تمّ فيها تشويه الأمريكيّين من ذوي الأصول السوداء.

طوني موريسون التي تعدّ من أبرز الكاتبات بين الزنوج في أمريكا، كانت دارسة للأدب، وعملت مستشارة في إحدى دور النشر، قبل أن تبادر إلى الكتابة الإبداعية وتتخذ قرارها بالتوجّه صوب عالم الرواية الذي حقّق لها كيانها وبلور هويتها الضائعة أو الغائبة، تبوح بأنها أصيبت بحالة من القلق وراحت تواجه نفسها بقوة عبر استعادة الماضي، وما تريده من المستقبل، وأنها كانت في حالة من عدم التوازن، فهي تعيش من الأدب، وتناقش الأدب، وعلاقتها بالأدباء، وشعرت فجأة أن شيئاً ينقصها لتكون في صميم الجو. وتقول إنّه كان ثمّة أحلام في أذهان الجميع، فتساءلت هل تتحقّق؟ وجاء من يهمس في أذنها: أين هي أحلامك..؟ بماذا تفكرين..؟ لماذا لا تكتبين..؟ وتكشف ترددها أن يكون باستطاعتها أن تكتب برغم أنها كانت تغصّ بالأفكار، لكنها وجدت أن الكتابة ستنقلها من الماضي الذي تتخبط فيها إلى مستقبلها المنشود. وتيقّنت أن الكتابة هي التي ستعيد لها توازنها وتماسكها.

هناك كثيرون في عالمنا بانتظار شرارة الانطلاق، بانتظار ذاك الصوت الذي يهمس في أذنهم: أين أحلامكم..؟ ولعلّ أهمّ ما في الأمر، أن يكون الصوت قادماً من دواخلهم.

عن صحيفة العرب اللندنية

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم