مراحل صنع المعجزة

”لم أشارك في المشروع منذ مراحل التخطيط الأولى، فعندما توليت منصب محرر لما أصبح يُعرف برواية “اليابان تغرق”، كان كوماتسو قد عمل بالفعل على الكتاب لمدة أربع أو خمس سنوات. في الواقع، كنت ثالث محرر يتولى مسؤولية تحرير الكتاب وقد مرت عدة سنوات منذ أن تم إصدار Nihon Apacchi-zoku [الأباتشي الياباني] من قبل العلامة التجارية “روايات كابا”. اليوم، يبلغ هاماي تاكيشي 85 عامًا، ولا يزال يتذكر بوضوح السنوات التي قضاها كمحرر لدى كوماتسو ساكيو، حيث عمل مع المؤلف على روايته الكلاسيكية عن الكوارث، نيهون تشينبوتسو (ترجمها مايكل غالاغر تحت عنوان “ اليابان تغرق”).

صدرت أول رواية خيالية تحت الاسم المستعار كوماتسو ساكيو في عام 1961، وأتبعها المؤلف بسلسلة من قصص الخيال العلمي. في عام 1964، نشر روايته الكاملة الأولىThe Japan Apache مع دار نشر كوبونشا، بالإضافة إلى Fukkatsu no hi (ترجمها دانيال هادلستون تحت عنوان ”فيروس: يوم البعث“)، التي نشرتها دار نشر هاياكاوا. لقد أصبحت كتبه من أكثر الكتب مبيعًا، وبات واحداً من كتاب الخيال العلمي الثلاثة الكبار في اليابان إلى جانب هوشي شينئيتشي وتسوتسوي ياسوتاكا.

صدرت رواية ”اليابان تغرق“ في مجلدين تحت علامة الناشر ”روايات كابا“ في عام 1973. وكانت الرواية عملاً ضخماً، حيث وصلت إلى ما يزيد على 1300 صفحة مخطوطة. فماذا يتذكر هاماي عن فترة الإعداد لهذا العمل الأدبي الضخم؟

«عند انضمامي إلى فريق العمل، كان طول المخطوطة حوالي 200 صفحة. أتذكر أن لون الصفحات الأولى كان قد بدأ يتحول إلى الأصفر بسبب مرور السنوات. عندما رأيت ذلك، أدركت حجم المشروع الطويل الذي كنت على أعتابه. كان كوماتسو يكتب بقلم حبر، وبخط متعرج ومستدير بعض الشيء، لكني لم أجد مطلقاً صعوبة في قراءته. لقد كانت مسؤوليتي الإشراف على المخطوطة حتى مرحلة الاكتمال. كان وتيرة العمل بطيئة! لم يبدو في أي مرحلة أنه قد اقترب من إنهاء القصة. . . كان عملاً مستمراً دون انقطاع. . ”.

يقول هاماي تاكيشي، محرر الكتاب: ”العنوان الأصلي كان (دمار اليابان)“. يوجد على الطاولة أمامه مجلدان من رواية ”اليابان تغرق“ من إصدار روايات كابا، التي نشرتها دار نشر كوبونشا.

من المثير للدهشة، كما يقول هاماي، أنه عندما رأى المخطوطة لأول مرة، لم يكن العمل يحمل حينها العنوان الذي اشتهر به فيما بعد.

”في تلك المرحلة، كان العنوان هو Nihon metsubō (دمار اليابان). سمعت من المحرر الذي كان مسؤولاً عن الكتاب قبلي أنه يحكي قصة كارثة ضربت الأرخبيل الياباني وأغرقته في المحيط، لذلك ترسخت في ذهني فكرة أن العنوان سيكون “اليابان تغرق”. في تلك الأيام كان كوماتسو يرسل صفحات المخطوطة بالبريد، حيث كان يكتب عادة عشر صفحات تقريباً في المرة الواحدة. وكان يكتب على الجزء الخارجي من الظرف: (مرفق طيه مخطوطة “دمار اليابان”)، فكنت أقوم أنا بتصوير الصفحات، لأنه دون وجود نسخة، لن يتمكن من استئناف الكتابة بعد ذلك. كنت أحتفظ بالمخطوطة الأصلية نيابة عن الناشر وأعيد له النسخ المصورة، وكنت أكتب دائمًا على الظرف: (مرفق طيه مخطوطة “دمار اليابان”)، فكنت مقتنعاً تمامًا بأن هذا هو العنوان.

خيال علمي أم واقع ملحمي

”عندما صدر الكتاب في نهاية المطاف، كان هذا هو العنوان. لكنني لم أضغط عليه حتى يغيّره، بل إن القرار لم يُتخذ إلا بموافقته“.

استغرقت عملية الكتابة تسع سنوات كاملة من البداية إلى النهاية.

كما تعلمون فإن الرواية تتناول بعض المواضيع الفنية الصعبة، ولهذا استغرقت كتابتها وقتًا طويلاً. فقد أمضى الكثير من الوقت في القراءة في عدة مجالات علمية واستشارة الخبراء. من بين الأشخاص الذين تحدث معهم كثيرًا كان تاكيئوتشي هيتوشي، أستاذ الجيوفيزياء في جامعة طوكيو. وهناك أيضاً سبب آخر وهو انشغاله الدائم بعدة مشاريع أخرى، على سبيل المثال، مشاركته في التخطيط لمعرض أوساكا إكسبو (الذي أقيم عام 1970)، وكل هذه المشاريع لم تترك له الوقت الكافي للتفرغ للكتابة.

”هناك عامل آخر أيضاً لكن مسؤوليته لا تقع على عاتق المؤلف، بل الناشر. ففي الوقت الذي ثارت فيه الاحتجاجات واحتدم الجدل حول معاهدة الأمن الأمريكية في عام 1970، كانت كوبونشا متورطة في معركة ضخمة بين الإدارة والعمال، في واحد من أكبر النزاعات العمالية في التاريخ الصناعي الياباني التي أدت إلى انقسامات حادة داخل النقابة، وكانت الأمور في الشركة فوضوية بعض الشيء لفترة من الوقت. في خضم تلك الأحداث كان من الطبيعي أن أحجم عن الضغط على المؤلف كعادتي لتقديم مخطوطته.

عندما ظهرت الرواية أخيرا، أصبحت ظاهرة وطنية، ولعل هذا ليس مستغرباً نظرا لحبكتها المثيرة. ولمن لم يقرؤوا ”اليابان تغرق“ ولم يشاهدوا أيًا من الفيلمين المقتبسين عن الرواية، إليكم القصة الأساسية.

جزيرة غير مأهولة في سلسلة أوغاساوارا تغرق بين عشية وضحاها. بطل الرواية، أونوديرا، هو قبطان غواصة تستقر في أعماق البحار، ومعه الجيوفيزيائي المتفرّد، البروفيسور تادوكورو، فيقرران الانطلاق معاً لاستكشاف أعماق خندق اليابان ومعرفة ما يحدث.

لم يمض وقت طويل حتى تعرض الأرخبيل الياباني لسلسلة من الزلازل الهائلة والانفجارات البركانية. تأمر الحكومة تادوكورو بإجراء مسح طارئ للمنطقة السحيقة، ولكن بعد فوات الأوان، فقد دمر زلزال قوي جزءًا كبيرًا من طوكيو، وكما لو أن ذلك لم يكن سيئًا بما فيه الكفاية، اندلع بركان جبل فوجي أيضًا. يصبح من الواضح أن سلسلة الجزر بأكملها تغرق في البحر، وليس هناك ما يمكن فعله لتجنب دمار البلاد بأكملها. وهنا تطلق الحكومة مفاوضات سرية مع أستراليا ودول أخرى حول إجلاء السكان اليابانيين قبل فوات الأوان. . .

بُنيت الرواية على بحث المؤلف المضني في أحدث العلوم الجيوفيزيائية في ذلك الوقت، وقد تم إضفاء المزيد من الواقعية على الحبكة من خلال الاستشهاد بالعلوم المتطورة والاستدلال بالمعلومات الدقيقة حول نظرية الانجراف القاري، وتكتونية الصفائح، والحمل الحراري للدثار. هذا الكم من الحقائق الصلبة أضفى على الحبكة الاستثنائية إحساسًا مخيفًا بالمصداقية.

”عندما قرأت المخطوطة عرفت أنها قصة مؤثرة. لكن روايات كابا متخصصة في إصدار كتب الغموض مثل ماتسوموتو سيتشو، أما الخيال العلمي فقد كان على هامش اهتماماتها، ولم أكن متأكدًا من مدى نجاح الكتاب في السوق. خاصة أنه كان لا بد من نشره في مجلدين، وهو الأمر الذي لم يكن قسم المبيعات راضياً عنه على الإطلاق. لقد قالوا لي: “حتى كتب ماتسوموتو سيتشو لا تباع بشكل جيد في مجلدين”. من الصعب تصديق ذلك الآن، لكنني حاولت أن أقترح ذات مرة أن نحاول إصدار الكتاب في شكل أقصر. فقلت: “ألا يمكننا اختصاره في مجلد واحد”؟ أغضبه هذا كثيراً حيث رد قائلاً: “كيف تجرؤ؟ لقد عملت لمدة عشر سنوات لإنهائه”! 

طبعة كادوكاوا ذات الغلاف الورقي من رواية ”اليابان تغرق“.

”في تلك الأيام، كان الإجراء المعتاد بالنسبة للعلامة التجارية “روايات كابا” هو القيام بمرحلة طباعة أولية لـ 30 ألف نسخة، ثم طباعة نسخ إضافية حسب الضرورة. لكن في حالة “اليابان تغرق” بدأنا بـ 60 ألف نسخة لمجلدين. بالطبع كانت لدي شكوك حول مدى نجاح بيع الكتاب، لكن لا داعي للقلق، فبمجرد أن أرسلنا الإعلانات الترويجية إلى الموزعين، وجدنا استجابة غير عادية وبدأت الطلبات المسبقة تنهال علينا. مباشرة بعد النشر، وضعنا إعلانات كبيرة ملفتة للنظر على نصف صفحة في جميع الصحف الكبرى. لقد أصبح الكتاب على الفور من أكثر الكتب مبيعًا، وبيع منه في النهاية أكثر من 4 ملايين نسخة.

لكن ما الذي يفسر النجاح الاستثنائي الذي حققته الرواية؟ ”حسنًا، أعتقد أن عنوان “اليابان تغرق” يأسر الخيال، إذ يمكنك تقريبًا سماع صوت بقبقتها بينما تنزلق البلاد تحت الأمواج. أعتقد أن العنوان الأصلي، “دمار اليابان” ما كان ليعطي نفس هذا الانطباع القوي. قد يراه البعض ثقيلاً بعض الشيء، لكن ربما يكون هو أحد الأسباب وراء نجاح الرواية. في أحد الأيام، تلقى قسم المبيعات مكالمة هاتفية من امرأة مسنة تقطن في إحدى مناطق الطبقة العاملة في طوكيو، قائلة إنها سمعت عن كتاب “اليابان تغرق” وتريد أن تعرف من أين يمكنها الحصول على نسخة منه، فقالوا لها فقط: “جربي أقرب مكتبة لك”. هذا هو مدى تأثير الرواية فقد وصلت إلى الأشخاص الذين لم يشتروا الكتب أبدًا، وهذا هو ما يتطلبه الأمر لكي يصبح الكتاب من أكثر الكتب مبيعًا كما حدث. لقد كنا نطبع من 50 إلى 100 ألف نسخة كل أسبوع في وقت واحد.

”أتذكر عندما وصلت المبيعات المجمعة لكلا المجلدين إلى 3.98 مليون نسخة، حينها طلب منا المؤلف التوقف عن طباعة المزيد من النسخ. وقال إن أي شيء يفعله بعد ذلك سيخضع للضرائب فقط على أي حال! (أعلى معدل لضريبة الدخل في ذلك الوقت كان 75%).

الجزء الثاني من الرواية في طي النسيان

رغم طول الرواية إلا أنها لم تكتمل. حتى بعد مرور عقد من الزمن، لم يكن المؤلف مستعدًا بعد للتخلي عن قصته. في نهاية المجلد الثاني، بعد ما بدا أن القصة قد انتهت، كانت آخر كلماته في آخر صفحات الرواية: ”نهاية الجزء الأول“، فهل كانت لدى كوماتسو بالفعل نية لكتابة تكملة؟

”أتذكر أننا تحدثنا عن ذلك. كنت أرى أن رواية “اليابان تغرق” متكاملة ومرضية. لكنه قال لي بإصرار: “اعتبر أن هذا هو الجزء الأول فقط”. هذا فضلاً عما كتبه في مقدمة المؤلف لطبعة روايات كابا حيث قال: “أريد من القراء أن يفكروا في هذا باعتباره الجزء الأول من قصة خيالية أطول”. لقد أراد أن يكتب تكملة حول ما يحدث للشعب الياباني بعد أن يهيم على وجهه في شتى بقاع الأرض، وكان سيطلق على هذه التكملة اسم نيهون هيوريو (اليابان على غير هدى). لم أدرك ذلك في وقته، ولكن ظهر لاحقًا من أوراقه أنه كان قد بدأ بالفعل في رسم أفكار للجزء الثاني من القصة، ولقد شعرت ببعض الندم عندما علمت بذلك، فربما كان ينبغي عليّ أن أفعل المزيد لتشجيعه على كتابة الجزء الثاني.

بالنسبة لكوماتسو، كانت رواية ”اليابان تغرق“ بمثابة عمل أدبي رائع غير مكتمل. في الصيف التالي لنشر الرواية، ذهب كوماتسو ومحرره في رحلة حول أستراليا. ” كانت جزئيًا هدية من الناشر، ونوعًا من المكافأة للمؤلف بعد أن أصبحت روايته من أكثر الروايات مبيعًا، لكن كوماتسو أراد أيضًا إجراء بحث من أجل الجزء الثاني من الرواية“.

لاحقًا ذهب كوماتسو في رحلة بحثية أخرى مع فريق بقيادة الجيوفيزيائي تاكيئوتشي هيتوشي لزيارة أيسلندا، إحدى أكثر الدول نشاطًا بركانيًا في العالم.

كوماتسو ساكيو (على اليمين) مع محرره هاماي تاكيشي. استأجر الرجلان طائرة وسافرا حول أستراليا في رحلة بحثية من أجل كتابة الجزء الثاني من القصة. (إهداء من هاماي تاكيشي)

في الواقع، قام كوماتسو بنشر نسخة من الجزء الثاني لرواية ”اليابان تغرق“، والتي شارك في كتابتها المؤلف تاني كوشو عندما تم تحويل ”اليابان تغرق“ إلى فيلم للمرة الثانية في عام 2006. لكن هاماي يقول إن هذه النسخة ربما كانت شيئًا مختلفًا عن خطط كوماتسو الأصلية لمشروع ”اليابان على غير هدى“. ” في ذلك الوقت، كان قد تقدم قليلاً في الكتابة، لكني أعتقد أنه لم تعد لديه الطاقة لاستكمال المشروع الضخم الذي كان يتصوره في الأصل“.

الشعب الياباني في الشتات

ماذا كانت نوايا كوماتسو ساكيو فيما يتعلق بكتابة رواية ”اليابان تغرق“؟ هاماي لديه بعض الأفكار في هذا الشأن.

”في وقت قريب من نشر الكتاب، خرج كاتب ياباني يدعى ياماموتو شيشيهي بكتاب بعنوان Nihonjin to Yudaya-jin (تُرجم بواسطة ريتشارد ل. غيج تحت عنوان “اليابانيون واليهود”) ونُشر تحت الاسم المستعار اليهودي الزائف إشعياء بن داسان. وعلى الرغم من الصبغة اليهودية المصطنعة التي يضفيها عنوان الكتاب، إلا أنه في الحقيقة كتاب عن الهوية اليابانية وما يعنيه أن تكون يابانيًا. على أية حال، كان الكتاب من أكثر الكتب مبيعا. في رواية “اليابان تغرق”، يتخيل كوماتسو الشعب الياباني في وضع مماثل لوضع اليهود حيث يفقد اليابانيون وطنهم ويُكتب عليهم الشتات في كل بقاع الأرض. أعتقد أن الكتاب اهتم بطرح الأسئلة التالية: هل سيتمكن اليابانيون من البقاء على قيد الحياة مع الحفاظ على سلامة هويتهم في وضع كهذا، كما فعل اليهود؟ وكيف سيتأقلم اليابانيون مع حياتهم الجديدة مشتتين في المنفى إذا فقدوا وطنهم؟ أعتقد أنه أراد سبر أغوار هذه الفكرة. فبعد “غرق اليابان”، ستكون هناك “اليابان على غير هدى”، وسيشكلان معًا “اليابان المدمرة”. أعتقد أن هذه كانت الفكرة.“

وماذا عن كوماتسو نفسه؟ ترك المؤلف وصفًا لجزء بسيط من دوافعه في كتابة الكتاب.

”كان دافعي الأولي عندما بدأت في كتابة الرواية هو الحرب. . . لقد شعرت أن اليابانيين أصبحوا مخمورين بالنمو الاقتصادي السريع، مفتونين بفكرة الثراء. خلال الحرب، كان من المفترض أن اليابان كانت مستعدة للقتال حتى الموت، وعلى استعداد للتضحية بكل شيء. لكن الآن، يبدو الأمر كما لو أن هذا الصراع الهائل لم يحدث أبدًا. لقد طواه النسيان، فوجدت فوضى من الأفكار والمشاعر تجتاح عقلي. ما الذي يعنيه أن تقف اليابان جنباً إلى جنب مع بقية العالم على أية حال؟

”لذلك شرعت في كتابة روايتي انطلاقاً من فكرة إغراق هؤلاء اليابانيين الراضين عن أنفسهم في وضع كارثي، حتى وإن كان خياليًا، حيث سيتعين عليهم مواجهة كارثة فقدان وطنهم. شعرت برغبة قوية في إعادة التفكير فيما يعنيه حقاً أن تكون يابانيًا. أي نوع من البلدان هي اليابان، على أية حال؟ “ (مقتبس من Komatsu Sakyō jiden Jitsuzon o motomete (السيرة الذاتية لكوماتسو ساكيو: بحثًا عن الوجود).

السيرة الذاتية لكوماتسو ساكيو.

كان كوماتسو يبلغ من العمر 14 عامًا عندما انتهت الحرب، وكان يعيش في مدينة نيشينوميا في محافظة هيوغو، بالقرب من أوساكا. وتحولت المدينة والمناطق المحيطة بها إلى أنقاض نتيجة لغارات القصف خلال الحرب، فهل شكلت هذه التجربة المريرة نقطة البداية لما كتبه لاحقاً؟ تحتوي رواية ”اليابان تغرق“ على عدة حلقات تبدو وكأنها تذكرنا بالرعب وانعدام الأمان اللذين شعر بهما المؤلف في صغره عندما تشظّى عالمه إلى قطع صغيرة نتيجة القصف، ويأخذنا الكاتب إلى ذروة روايته المذهلة حين تغرق الجزر وتختفي اليابان من الخريطة.

كيف يستجيب الناس للكوارث؟ يشير الأسلوب الواقعي الذي اتبعه المؤلف إلى أنه كان يعتمد على تجربة حياتية حقيقية. هل ستكون أي دولة على استعداد لاستقبال اللاجئين اليابانيين اليائسين الذين يبحثون عن وطن جديد؟ لا شك أن هذه المشاهد تترك انطباعاً لا يُمحى، وتدفع إلى الاعتقاد بأن الظروف التي تجد اليابان نفسها فيها بعد مرور خمسين عاماً لم تتغير كثيراً، فما أشبه الليلة بالبارحة.

يقول هاماي: ”لقد قرأت رواية “اليابان تغرق” كقطعة أدبية، على سبيل المثال، هناك مشهد حيث يغوص البروفيسور تادوكورو وأونوديرا في أعماق خندق اليابان، ويصف الغواصة وهي تهبط “مثل نعش معدني يغوص إلى عمق أكبر بفعل الضغط الرهيب في اتجاه الهاوية”. يزداد هبوطهما مع إدراكهما لحقيقة أنه إذا ظهر أدنى صدع في جسم الغواصة مع ارتفاع ضغط الماء، فإن ذلك يعني الموت المحقق. إنه خيال علمي، لكن قوة الوصف واللغة المختصرة ترتقي به إلى مستوى الخيال الأدبي. وكما تعلمون، فإن الأرض يعاد تشكيلها وتتحول باستمرار عندما تدور حول محورها. في سياق الزمن الجيولوجي، من يدري. . . ربما في يوم من الأيام ستغرق هذه الجزر حقًا، وستختفي اليابان تماماً. ربما إذا قمنا بتسريع الإطار الزمني، فلن نرى الرواية على أنها محض خيال، بل ستكون رواية واقعية.

ويا لها من صدفة، أن هذا العام لا يصادف فقط الاحتفال بمرور 50 عامًا على نشر كتاب ”اليابان تغرق“، بل يصادف أيضًا الذكرى المئوية لزلزال كانتو الكبير الذي وقع في الأول من سبتمبر/ أيلول عام 1923، والذي كان الكارثة الطبيعية الأكثر تدميراً في تاريخ اليابان الحديث، في العالم الحقيقي. بعد مرور نصف قرن على نشره، لا يزال كتاب الخيال العلمي الكلاسيكي لكوماتسو ساكيو يوجّه نفس التحذير لمجتمع راضٍ عن نفسه.

هاماي تاكيشي

مدير إداري ومحرر سابق في دار نشر كوبونشا. ولد في طوكيو عام 1938. انضم إلى كوبونشا بعد تخرجه من قسم الأدب في جامعة واسيدا. قام بتحرير العديد من الكتب الأكثر مبيعًا لكبار المؤلفين بما في ذلك كوماتسو ساكيو، وموريمورا سيئيتشي، وأكاغاوا جيرو، وسايتو ساكاي. ترقى إلى منصب رئيس التحرير والمدير الإداري قبل تقاعده من كوبونشا في أغسطس/ آب 2005.

المصدر: نيبون 



0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم