مؤكّدٌ أن لدى المؤسّسة العامة للحي الثقافي (كتارا) في الدوحة الإمكانات والموارد البشرية لتجعل الموقع الإلكتروني لجائزة كتارا للرواية العربية على غير ما هو عليه، فيتوفّر على جديد أخبار الجائزة، ويتضمّن تفاصيل أي تعديلاتٍ تستجدّ بشأنها. ومن ذلك أن الموقع يُخبرك بشأن الدورة السابعة (العام 2021)، ولا يأتي على الاحتفالية في مقرّ اليونسكو في باريس في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي (2022) بإعلان الروايات المنشورة وغير المنشورة الفائزة في الدورة الثامنة (وروايات الفتيان والدراسات النقدية)، ويكتفي بتظهير صور الفائزين (غُفلا من أسمائهم!) في أعلى الموقع. وكان مفاجئا في حينِه أنها ثلاث رواياتٍ لكلّ فئة، وليست خمسا كما اعتيد منذ الدورة الأولى في 2015، من دون إشهار أي سببٍ لهذا "التخفيض" بلا مقدّمات. ولم يكن مفاجئا أن الإعلان خلا من الحيثيّات التي سوّغت للمحكّمين (من هم؟) اختيار هذه الروايات، فالمتَّبَع في الجوائز، سيّما المقدّرة والمُمأسسة، أن يُخبَر الجمهور العام، ولو في سطورٍ قليلة، ببيان لجنة التحكيم، أو موجزٍ منه، عن حيثيّات الفوز، مع إشهار أسماء أعضاء هذه اللجنة ورئيسها.
يعتصم القائمون على جائزة كتارا عن الأخذ بهذه البديهيّات، ما يخصِم من شروط الشفافية اللازمة في جائزةٍ كبرى. ولمّا قال المشرف العام على الجائزة، خالد السيّد، في إبريل/ نيسان الماضي، إن العمل جارٍ على تطوير الموقع الإلكتروني للجائزة، ليُصبح بوّابةً متخصّصةً في الرواية العربية، فإن الأدعى أن يكون بوّابة للجائزة نفسها، إذ تتناثر الأخبار عن كيفيّات فرز الروايات المتنافسة بفئتيها، من دون أن نلقى شيئا منها في الموقع نفسه. وليست هذه المسألة تفصيليّة، بالنظر إلى الحاجة القصوى لجائزة كتارا لقنوات تواصلٍ واتّصالٍ مع الجمهور العام، سيّما مع الإقبال الكبير على التنافس على الجائزة (60 ألف دولار للرواية المنشورة و30 ألفا لغير المنشورة). وحسنا من القائمين عليها أنهم يحرصون سنويا على تبيان أعداد الروايات المتنافسة (393 منشورة في 2022 و833 غير منشورة، بحسب بيانٍ لم ينشُره الموقع الإلكتروني)، ومع صعوبة قراءة كل هذه النصوص في شهورٍ معدودة، تُوزّع على لجانٍ متدرّجة، تبدو الأولى والثانية منها أقرب إلى لجنتي فرز، لتصل إلى لجنةٍ ثالثةٍ تقرّر الأعمال المكرّمة. ومع تحفّظاتٍ على هذا كله، من اللازم نشر أسماء الجميع، وإصدار كل لجنةٍ تقريرا معلنا، وصولا إلى تقريرٍ نهائي يبيّن الحيّثيات التي استدعت لدى المحكّمين اختيار النصوص الفائزة التي صارت ثلاثة بعد أن كانت خمسة. وعجيبٌ أن تُصادِف في الموقع الإلكتروني أسماء أعضاء لجان التحكيم، من دون تمييزٍ بين اختصاصات فئاتها (الدراسات النقدية، الرواية غير المنشورة، ... إلخ). وعجيبٌ أيضا أن جميع المحكّمين صاروا فقط من الأساتذة الجامعيين وحملة الدكتوراة في الأدب العربي. ومع كل التقدير لكل فردٍ منهم، من غير المعقول أن يحتكروا الأهليّة لتقييم الإبداع الروائي العربي السنوي النشط. وعجيبٌ ثالثا أن مؤسّسة الحي الثقافي (كتارا) أوكلت اختيار هؤلاء إلى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو).
ولا تنتهي هذه السطور من دون التأشير إلى بدعة نشر الروايات الفائزة إلى الإنكليزية بتقنيّة "Emisia Ceative"، أي بلا مترجم (!)، وهذا كارثيّ، وغير مسبوق. وليس سرّا أن أصحاب النصوص لا يعتدّون أبدا بهذه الترجمات التي لم تلقَ أي اكتراثٍ بها في أي منبرٍ ثقافيٍّ عربي أو أجنبي، فضلا عن أن قليلين اطّلعوا عليها بسبب مكوثها في المخازن.
إنما الدعوة هنا إلى إنقاذ جائزة كتارا للرواية العربية، من باب الحرص على سمعةٍ طيّبةٍ تليق بها، سيما وأن طموح القائمين عليها يستحقّ التقدير، وهو خدمة الرواية العربية، وتكريم المتميّزين من كتّابها. ثمّة عملٌ مهنيٌّ واحترافيٌّ وتواصليٌّ شديد الإلحاح يلزم الأخذ به من أجل حماية الجائزة المقدّرة، وصيانة بُعدها المعنوي، فلا يُنظر إليها موردا ماليا وحسب. ويقال هذا هنا، مع تقدير نصوصٍ بالغة التميّز أحرزت الجائزة. ومناسبة هذه الدعوة أتاحتها هنا موجة التندّر الواسعة التي قوبلت بها قائمة الستين المعلنة أخيرا ... من هو وراء مشورة هذا العدد (أعلنوا في غير الموقع الإلكتروني في إبريل/ نيسان موعد إعلانه في يونيو/ حزيران الحالي)، ألم يكن ممكنا أن تكون قائمة العشرين، فلا تصير الجائزة موضوع تفكّه، وهي أصلا موضوعٌ نقد وانتقاد على النحو أعلاه.

المصدر: العربي الجديد


0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم