حكاية "حارس المنارة" في نص الروائي عبد الله سلطان هي حكاية غياب العدالة عن عالمنا منذ أن خلق الله الأرض وما عليها، ولأنها حقيقة ما تزال مستمرة، كان لا بدّ من حضورها في نص روائي، وإن كان في صيغة ملتبسة يحضر فيها بطل الرواية في محور "الأنا" المضمرة، أو التي ابتدعها الكاتب/ الراوي للإحالة على ذاتيته ومرجعيته وفق مبدأ الصوغ التخييلي الذي يعيد بناء الذات لا كما هي، ولكن كما تحلم أن تكون عليه في عوالمها اللامتناهية. ويفعل الروائي ذلك من خلال اعتماده البحث في بنية اللاوعي من خلال لغة النص وعلاقة الأنا النفسي والاجتماعي بالواقع المعيش؛ ومن أجل إظهار اللاوعي القائم في النص عمد الكاتب/ الراوي إلى القيام بجولات داخل عوالم بطله المضطربة؛ عوالم ابتدع صاحبها عالماً آخر يعيشه في غيبوبته التي لا يعرف فيها إن كان حياً أم ميتاً، في سجن ما، في قبو، في عليّة منزل مهجور، أو في منارة؟ ولماذا هو مقيّد اليدين؟ كل ما عرفه من والده بعد غيابه عن الوعي أنهم افتقدوه، وأن القرية كانت تبحث عنه لعدة أيام، ثم حدث أثناء البحث عنه أن وجدوه مقيداً في قبو المنارة فاقداً الوعي وآثار كدمات واضحة على أجزاء مختلفة من جسده؛ ومن هنا يبدأ السرد في كشف الظروف التي أدت إلى تصعيد حالته التي انعكست على شخصيته في شكل أحلام تروي حكاية حارس المنارة؟

ما هو سر حارس المنارة؟ وهل هو حقيقة أم وهم: لماذا جاء إلى هذه القرية؟ ما هي هويته الحقيقية؟ ولماذا اضطر إلى الرحيل بعائلته عن موطنه الأصلي وجاء ليحرس المنارة؟ كيف مات؟ هل قُتل أم أنهى حياته؟ يبدو أن كثير من الألغاز بانتظارنا! فهل يكون في اليوميات التي كتبتها ابنة حارس المنارة الجواب الشافي للحيرة التي تنتظر البطل ومعه القارئ.

من أجواء الرواية نقرأ:

صفحة ممزقة من صفحات سيرة الحارس حاولت كتابتها في يوم ما لكنني لم أقتنع بها فهي مرمية في سلة المهملات، لم يطَّلع عليها أحد، وقد جاء فيها:

هو حارس المنارة منذ وعيت الحياة، وهو موجود في قريتنا، لكنني لا أعرف له أهلاً ولا أصدقاء. يقضي وقته في منارته البارزة من اللسان الصخري الممتد في وسط البحر، واحتكاكه بأهالي القرية مقتصر على الضرورات. لا يتحدث كثيراً، ولا نراه يلهو إلا قليلاً، وله بعض المواقف التي تجعل شخصيته أكثر إثارة للفضول. هذا ما أعرفه، وهذا ما تعرفه أنت الآن، وهذا ما يدفعني لأستمر في حكايتي في البحث عن قصة الحارس هذا...".

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم