مع كل إصدار تتمايز رشا عدلي في نسجها لعوالم سردية متغايرة واستبطانها لدلالات فنية يعوزها الخطاب الروائي المعاصر وأحدث إصداراتها "أنتَ تُشرق... أنتَ تُضيء" بقدر ما لها صلة بالماضي بقدر ما تُشكِّل إضافة جديدة للحاضر حيث يتحوّل البحث في تاريخ مصر القديم، واستعادة ذاكرتها، والسعي إلى البوح بأسرار أماكنها، وملامسة آثارها، وإقامة حوار مع مومياواتها؛ إلى محكية تتوسل كل الإمكانيات التعبيرية للفن الروائي، فرصة للتأمل في مسارات تاريخية اكتنفها الغموض وجاء الوقت لاكتشافها، بل استنطاقها.

من سحر الفيوم وفنون العمارة فيها وآثارها الضاربة في عمق التاريخ، ومن حضارة روما ومتاحفها العريقة تستوحي الكاتبة رشا عدلي روايتها هذه وترسم ملامح المشهد السردي، وأبعاده، ووظيفته الأيديولوجية، من خلال حكايتين اثنتين أساسيتين تسردهما الرواية وتقارن بينهما. الحكاية الأولى تعود إلى القرن الأول بعد الميلاد، والثانية إلى أواخر القرن العشرين وصولاً إلى القرن الواحد والعشرين. وعلى هذا التباعد في الزمن الروائي فإن ثمة تقاطعاً في الأمكنة الروائية. ذلك أن شخصيات الحكايتين قد تجوب الأماكن عينها، وقد تشترك في طريقة التفاعل مع الأماكن ومواجهة العقبات التي تضعها الحياة في طريقها.

هذا اللقاء المستحيل بين حضارتين مختلفتين وزمانين متباعدين انتخبت لروايته الكاتبة رشا عدلي "رنيم" وهي باحثة مصرية عاشت في إيطاليا وتخصَّصت في دراسة فنون الحضارات القديمة. تنضم من خلال عملها إلى مشروع مخصص للكشف عن مومياوات الفيوم، وله علاقة بمومياوات مصرية معروضة في قسم الآثار الرومانية في واحد من أهم متاحف روما. وأثناء جولتها في المتحف تجد نفسها أمام لوحة نُزعت من وجه مومياء تشكِّل أيقونة من الجمال والسحر والجاذبية؛ امرأة في نهاية العقد الثاني، يظهر منها جانب وجهها الأيسر، بينما يختفي الجزء الأيمن وكأنَّ أحدهم تعمّد أن يقسم وجهها إلى نصفين. ومن هنا تبدأ رنيم مع أعضاء الفريق البحثي والمؤرخين بفكّ اللغز وتفسيره بتسخير كل الامكانات العلمية للبحث عن الجزء الناقص من اللوحة واكتشاف هوية صاحبتها!!

من هي السيدة صاحبة المومياء؟ ومن هي صاحبة الصورة؟ وهل هما واحدة؟ وما هي حقيقة القص واللصق في اللوحة؟ وأين ذهب الجزء الآخر من اللوحة؟ وهل اللوحة الناقصة في المتحف هي الجزء المكّمل للوحة الملصقة على المومياء؟

في عالم الفن، كشف الأسرار يؤدي للمزيد من الأسرار. إنها حلقة مفرغة كلما بدأنا بحل لغز، نُواجَه بلغز أكبر.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم