متابعة أحمد النية

نظّمت "الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة"، لقاءً نقدياً حوْل كتاب "قد لا يبقى أحد" للكاتب السوري هيثم حسين، وذلك يوم الأربعاء 22 دجنبر 2021، ابتداء من السّابعة والنّصف مساء، على منصة التواصل "غوغل مِيتْ"، ونقل عبر صفحة الجمعية على فايس بوك. 

ابتدأ منسق هذا اللقاء العلمي بعبارات بالأدب فائحة، وفي بحر "قد لا يبقى أحد" سابحة، ليشير العدراوي إلى أن هذه السيرة تسير على خطى الجمال وتلاحق الخيال، لتكتب عن ذاكرة فردية وعن تجربة رحلية، تحمل همّ الهجرة، وتنشغل بأسئلة كل المجرة، وتحكي وتحكي وترحل... انتقل بعد ذلك العدراوي إلى التعريف بالكاتب هيثم حسين، والحديث عن تجربته العلمية، فهو يعد من الروائيين المتميزين بلندن حيث يقيم، وقد ترجمت رواياته إلى لغات أجنبية، كما له تآليف في النقد الروائي.

المداخلة الأولى كانت للباحث أيوب حمينة وسمت  ب"جمالية البناء الفني في السيرة الروائية "قد لا يبقى أحد"،وذلك بالاعتماد على الدراسة الشعرية والجمالية التي تقترح دراسة الخطاب في شكله الواسع، واحترام بنياته النصية والخارج نصية، والوقوف على التشكيل الخارجي للنص كقراءة أولية توضح الجانب الشعري والإشهاري والتداولي الذي يقترحه صاحب النص بدعم من جهات خارجية، من خلال الاستعانة بالقراءة السميولوجية للغلاف.  بعد ذلك، تطلب الأمر الانتقال إلى حوارية النص، والوقوف على الملفوظ في علاقاته بملفوظات سابقة، والنظر للكلمة في شكلها الحي والمنفتح وإبراز أي وجه جمالي حملته بداخلها في السيرة الروائية "قد لا يبقى أحد". تم الحديث عن الفكرة في السيرة الروائية باعتبارها تكشف عن صورة الإنسان وأنماط التفكير والفهم داخل العالم. وذلك، بهدف؛ الإجابة عن التساؤل التالي: كيف تشكلت الفكرة في السيرة الروائية؟ وأي بعد فني وجمالي حملته؟ 

المداخلة الثانية كانت للأستاذ محمد ميلود غرافي حملت عنوان "البقاء للأدب : سردية المنفى والآنا والآخر في رواية "قد لا يقى أحد". أكد فيها أن "قد لا يبقى أحد" للكاتب السوري هيثم حسين نص قائم على سردية الكشف دون مواربة عن الذات والآخر في مسار تجربة الهجرة واللجوء والمنفى. هذا الكشف الذي يسميه الكاتب نفسه بأدب "الاستعراء" يستنطق المعيش اليومي للاجئين السوريين في بريطانيا وإسطنبول عبر أجناس أدبية متداخلة في نص واحد (الرحلة، اليوميات، السيرة الروائية). ينطلق فيه الكاتب من سيرته الذاتية ليحولها أدبيّا إلى سيرة جماعية تُعرّي سيكولوجية اللاجئين وأوضاعهم الاجتماعية وتعكس في الآن نفسه رؤية الآخر بإنسانيته تارة وبارتيابه من كل ما هو دخيل تارة أخرى. وحاولت بشكل عام هذه المداخلة الإمساك ببعض خيوط هذه الكتابة عبر التركيز على محاور كالآخرية العمودية والأفقية والتقاطع الأجناسي وأدب المنفى كشهادة عن واقع أغرب أحيانا من الخيال.

وفي شهادته أكد هيثم حسين أنه لجأ إلى هذا النوع من الكتابة في مغتربه الإنجليزي كي يروض مشاعر النفي، التي تستبد به، كما اعتبر أن قصده من هذا العمل يكمن في دق ناقوس الخطر إزاء ما يقع في بلده سوريا من إبادة جماعية، وهو ما يشير إليه عنوان الكتاب بشكل معلن. وأبرز هيثم حسين أن التشظي هو كلمة السر في هذا العمل الرحلي، إذ يتعلق الأمر بتشظيات عدة، أقواها التشظي النفسي الناجم عنه الحرب الأهلية، والبارز في محطات الارتحال، التي قادته من وطنه الأم إلى بريطانيا كمحطة أخيرة، فقد معها كل أمل في عودة محتملة إلى وطن لم يعد. وتحدث عن تغريبته بكل من القاهرة وسوريا وإسطنبول، قبل أن يسلمه ترحاله بحثا عن الأمان والاستقرار إلى البر الإنجليزي، الذي يسعى للتكيف مع طبيعة الحياة فيه.

وتحدث هيثم حسين عن محاورته لأغاتا كريستي، التي سبق لها أن أنجزت رحلة إلى سوريا بصفتها مستكشفة ومراقبة، ودونت العديد من الانطباعات عن إقامتها هناك، وهي انطباعات وأفكار وملاحظات بدت للكاتب متسمة بالسطحية، من قبيل أن السعادة مرتبطة ببساطة العيش في سوريا، وأن العنف هو اللغة اليومية، التي يجيدها السوريون. وقال إنه استحضر أغاتا كريستي ليوصل من خلال محاورتها أفكاره إلى القارئ.

وأورد هيثم حسين أن كتابه وقد ترجم قبل شهرين إلى الإنجليزية خلف ردود فعل غير منتظرة من لدن من قرؤوه، واعتبر أن الأدب يبقى هو رهانه ووسيلته، وأن دوره في التغيير ليس مباشرا ولكن يأتي بعد تحقيق تراكمات تشكل فيما بعد نوعا من الضغط. كما قال إنه لم يهتم في البداية بمسألة التجنيس إذ كان اهتمامه منصبا على التعبير عما يشعر به، معتبرا أن الكتابة تمثل له نوعا من الاستشفاء.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم