معاوية عبد المجيد

وأخيرًا صدرت رواية أمبرتو إيكو "الشعلة الخفيّة للملكة لوانا" التي طال انتظارها. صدرت ومعها قطعة من روحي.القرّاء في معرض الرياض للكتاب سيكونون على موعدٍ معها.

وهنا كلمة الناشر سالم أحمد الزريقاني:

في مثل هذا اليَوم من العام الماضي نَشَرْت كلمة عن أُمْبَرتو إيكو ومشرُوع ترجمة آخر رواية له وهي (الشُّعلَة الخَفِيَّة لِلمَلِكةِ لوانا) وكان ممّا جاء فيها: "رحلَ المفكِّرُ والفيلسوفُ والسِّيميائيُّ والرِّوائيُّ الإيطاليُّ المشهور أمبرتو إيكو في مثل هذا اليوم، في 19 من شباط/فبراير عام 2016. وهي بلا شكٍّ ذكرى أليمةٌ اهتزَّ لها المثقَّفون في جميع أنحاء العالم. ولهذه المناسبة تودُّ دار الكتاب الجديد المتَّحدة أن تقدِّم للعالم عموماً والعربيِّ خصوصاً عزاءً خاصًّا بحسب التَّقاليد المتَّبعة في دور النَّشر الأجنبيَّة، يتمثَّل في إحياء ذكراه من خلال بعث أثرٍ ذي شأنٍ من آثاره في العالم العربيِّ بترجمة آخِر روايةٍ أساسيَّةٍ من رواياته وهي (الشُّعلَةُ الخَفِيَّةُ لِلمَلِكَةِ لوانا) التي لم يسبق أن تُرجِمَت إلى العربيَّة، وستصدر بعون الله عندنا في طبعةٍ أنيقةٍ مُطابقةٍ تماماً للنَّصِّ الإيطاليِّ ومشتملةٍ على أكثرَ من مئة صورةٍ موثَّقةٍ من أرشيف إيكو الخاصِّ بأربعة ألوانٍ مُماثِلَةٍ لألوان الطَّبعة الإيطاليَّة التي أقرَّها إيكو في حياته.

"واليَوم بعد مُرور حَوْلٍ كامِل، أعودُ في التّاريخ نفسه لأُعْلِن لمُتابعي إصْدارات دار الكِتاب الجديد المتحدة ودار المدار الإسلامي وَفائي بِوَعْدِي وإصداري رائعة اُمْبَرتو إيكو الأخيرة الَّتي لم يَكتب رواية بَعْدَها.

وقد ألَّفَ أُمبرتو إيكو عددًا هائلًا من الدراسات والبُحوث في كثيرٍ من المجالات الفلسفيَّة والسيميائيَّة، وخاضَ كذلك في مجال النقد الأدبيِّ وأسَّسَ نظريَّتَهُ في فنون السَّرد تأسيسًا مَهيبًا. لكنَّه لم يؤلِّف في مجال الرِّواية إلّا سبعَ رواياتٍ، أرادَ في كلٍّ منهُنَّ أن يستعرضَ قدراتِهِ الإنشائيَّةَ وآراءَه في مواقفَ تاريخيَّةٍ واجتماعيَّةٍ معيَّنةٍ.

ولم ينشر روايةً إلّا أحدَثَت ضجَّةً كبيرةً، وأقبلَ عليها القُرّاءُ في شتّى أنحاء المعمورة. وكانَت الروايةُ التي نحن في صددِها هنا "الشُّعلَةُ الخَفِيَّةُ لِلمَلِكَةِ لوانا" هي الخامسةَ من حيث الترتيب، والأخيرةَ من حيث وصولها إلى القارئ العربيِّ.هُنَّ سبعُ رواياتٍ إذَن، لكنَّهُنَّ يُمَثِّلْنَ سبعَ ركائزَ جوهريّةً في إرث أُمبرتو إيكو النَّفيس.

ويركِّزُ إيكو في الشُّعلَة الخَفِيَّة لِلمَلِكَةِ لوانا على جانب السيرة الذاتيَّة، ليكونَ الكتابُ بمنزلة الركيزة العميقة والمحوريَّة لشخصيَّة أُمبرتو إيكو الطفل واليافع والشابِّ، التي سنلمسُ آثارَها في كثيرٍ من كتب أُمبرتو إيكو الناضج؛

وأوَّلُها: علاقتُهُ بالفاشيَّة من زمن الطفولة، وأثرُ الفاشيَّة في تربيته وذاكرته، سواءٌ أكان ذلك في المدرسة أم في البيت أم في قراءاته الخاصَّة، ثُمَّ شهادتُهُ على سقوط النظام الفاشيِّ، التي يرويها بعين طفلٍ مترصِّدٍ للتغيُّرات..

وثانيها: أثرُ الكنيسة والتربية المسيحيَّة في تكوينه الوجدانيِّ والعاطفيِّ، وكيفيَّةُ الخروج عنهما دون إحداثِ قطيعةٍ مدويِّةٍ، بِما يجعلُهُما ملاذًا يلجأُ إليه كلَّما تعرَّضَت الذاكرةُ الفرديَّةُ والعامَّةُ لاهتزازاتٍ غيرِ متوقَّعةٍ.

وثالثُها، وهو الأهَمُّ: تسليطُ الضوء على منابع العُنف في الثقافة، والآليَّة التي من شأنها أن تؤسِّسَ ثقافةَ العُنف، إذ تستعينُ بالأدب والدين والفنون للتحلُّلِ في كياناتها والانصهار في تكوينها، بِما يجعلُ أُمبرتو إيكو توّاقًا إلى سبر أغوار شخصيَّته وماضيه الدفين للوصول إلى جذور العُنف وبذوره ومحفِّزاته ودلالاته، ومِن ثَمَّ دراسته على نحوٍ مكثَّفٍ وعرضه على الملإ للإفادة من هذا الدرس.

ولا شكَّ في أنَّنا سنلتَقي، على امتداد هذه الرحلة المربكة، شخصيّاتٍ متخيَّلةً تنوبُ عن شريحةٍ معيَّنةٍ وتُلمِعُ إلى نماذجَ بشريَّةٍ محدَّدةٍ. وسنرى كيف يُفيدُ أُمبرتو إيكو من التخييل ليُدمِجَ ذكرياتِ طفولتِهِ بأفكارٍ وخيالاتٍ كانَ يصبو إليها في أثناء طفولته، ليجعلَ هذا المشهدَ رمزًا عامًّا يمثِّل جيلًا كاملًا في انتقاله من طورٍ إلى آخَرَ.وجديرٌ بالذكر أيضًا أنَّ الروايةَ تحملُ بين طيّاتها عددًا كبيرًا من الصُّور والرُّسوم الملوَّنة، ولعلَّ هذا ما سبَّبَ تأخُّرَ نقلها إلى العربيَّة، إذ إنَّ إيكو كان قد أوصى بطباعتها بالجودةِ نفسِها في كلِّ اللغاتِ التي ستُترجَمُ إليها، وهذا ما لا ينسجِمُ مع إمكانات دُور النشر العربيَّة عُمومًا، إلّا دُورًا معدودةً منها دار الكتاب الجديد التي لم تتأخَّرْ عن إصدار الرواية إلّا رغبةً منها في تمحيصها وتدقيقها ومراجعتها مرّاتٍ ومرّاتٍ لا عَدَّ لها ولا حصرَ. لكن لا شكَّ في أنَّ ذلك سيعودُ بالنفعِ على القارئ العربيِّ الذي ستكشِفُ لَهُ قراءتُهُ لهذا العمل الأدبيِّ الفريدِ عن معالم سيرةٍ ذاتيَّةٍ لرجلٍ خبيرٍ بالكتب يفقدُ ذاكرتَهُ بعدَ حادثِ سَيرٍ، فيصحَبُنا معه في إعادة بناء ذاكرته وشخصيَّته، من خلال رحلةٍ نوستالجيَّةٍ في عوالِمِه الداخليَّةِ: عوالم طفولةٍ ومراهقةٍ لرجلٍ يُشبِهُ أُمبرتو إيكو كثيرًا.

من صفحة المترجم معاوية عبد المجيد على الفيسبوك

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم