مريم الزرعوني

تنص نظرية دارون على أنّ الكائن مع المحيط في احتكاك دائم مع المحيط، فإذا تكيّف واستطاع تطوير أدواته، تمكّن من الاستمرار والبقاء.

لعبت المصادفة دوراً كبيراُ في كتابة روايتي الأولى الصادرة 2017، عندما التحقت بورشة تدريبية أتلمس فيها الطريق الأنسب لعالم الكتابة وكنت قبلها أكتب الشعر. ففوجئت بأن الورشة معنية بأدب الطفل على مختلف مراحله، ما جعلني أبحث عن مخرج مناسب من هذا الاختصاص دون أن أضطر لمغادرة الورشة، فاقترحت أن أكتب لليافعين، أو الشباب، وقد حدث.

فصرت إلى تحدٍ آخرلاختيار الموضوع، ولعلمي بأن حقل اليافعين واسع ممتد يشمل جوانب عديدة في حياتهم، والتحديات التي يخوضونها؛ وقعت في الحيرة، علاوة على أن الكُتّاب العرب مقلّون في هذا الجانب، وغالباً ما يتم هذه الفئة إلى الأطفال، وهذا ما لا يروق الشباب ويشكل سبباً للعزوف عن القراءة، أو يدخلون في فئة الكبار، وربما يستهويهم هذا أكثر فيقبلون على قراءة الروايات الاجتماعية العاطفية أو الرعب و الخيال العلمي، وعلى الأغلب فهم يميلون إلى المترجم منها لندرة المكتوب بالعربية.

وبعد وقفات تفكّر ومراجعة، وجدت نفسي أنتصر لجنسي، وأنحاز للفتيات، لأعود بالذاكرة إلى الداخل وأفتش عني في تلك المرحلة، كانت محاولة لحياة أخرى بالشكل الذي أريده وأتحكم به، لست هنا بصدد التوجيه أو الإرشاد على الإطلاق، فلم أكن يوماُ أفكر في الرسالة التي يجب أن تصل للقارىء، فأنا نصيرة النص المتجدد، الذي يُصنع من جديد مع كل قارى على حدة. في الحقيقة كنت أكتب لنفسي، فأصوغ معها احتمالاً آخرللأحداث في الذاكرة، وهي فرصة اخترت أن أغتنمها لأحقق فيها بعض ما صبوت إليه، وأصحح بعض المسارات، كما أنها متعة أن أعيش ما لم يحدث، على سبيل الخيال.

اخترت أن أقترب من بعض التابوهات في حياة الفتاة، وأولها علاقتها بالجنس الآخر، المدى المسموح والممنوع، وتكريس الصورة النمطية لنواة الضعف والتبيعة في المرأة، من أين تبدأ، وكيف تصاغ، وما الذي يمكن للفتيات فعله لمستقبل أفضل.

لا شكّ أنّ ثمة تحديات شكلتها آراء بعض من وصلتهم المسوّدة، كالاعتراض من منطلق ديني اجتماعي، على التطرق لعلاقات الفتيات والشبان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى  أن البعض طلب تغير أو حذف تلك الأجزاء.

بالرغم من قصر الرواية وهي تعد من الروايات القصيرة، إلا أنني أخذت فيها وقتاً طويلاً نسبياً، بالمقارنة مع زمن الورشة، وما استغرقه الزملاء، ولما أجازها المشرف، قرأتها للمرة الأولى مكتملة باسترسال وكان شعوراً غريباً لم ينتبني مع مجموعتي الشعرية، وجدتُني في احتمالٍ آخر لي، راودني إحساس بالنصر، أوالظفر بشيء كان غائباً وعاد للظهور، وجعلني في حالة حنين لتلك السنوات.

في مطلع 2018، وبعد أشهر قليلة من الإصدار، كنت بحاجة لشيء من الدعم وتحقق الرضا، فقدمت الرواية إلى جائزة العويس للإبداع الثقافي، لا أنكر مقدار الثقة المرتفع الذي راودني بالفوز، ولكن قدراً من التشكك ينتابني أحياناً، حتى حسم الأمر وفازت الرواية الأولى بأفضل عمل أدبي في فئة أدب الطفل.

 ـــــــــــــــــــــ

كاتبة وروائية إماراتية.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم