ربما مازال الأوان مبكرًا لأتحدث عن تجربتي الأولى في كتابة نص سردي وخاصة روايتي "وتترنح الأرض" الصادرة عن دار التكوين بدمشق -2019 لأني أشعر بأني على مفرق طرق في تجميع الأفكار والآراء حولها ومازلت أتلقى ردود الأفعال والأصداء المختلفة والمتضاربة في أحيان أخرى، كونها صدرت منذ أشهر معدودة، وأنا أتهيأ في أعماقي لتقبل كل رأي مهما كان متعارضًا مع ما وددت إيصاله إلى المتلقي، وبذات الوقت أعلل النفس بقراءات مختلفة لعملي على أكثر من مستوى ومحور، قد تتوافق أو تختلف مع ما حاولت بثه عبر حمولات شخصيات الرواية من أبعاد نفسية واجتماعية وسياسية، تتقرى الواقع والتاريخ مسرحًا لتفاصيلها. أمضيت وقتًا غير قليل وأنا اعمل على تفكيك نصوص الآخرين من خلال مراجعات نقدية وفي كل حكاية سردية كنت أفكر لو أن الكاتب تناول هذا الموضوع بطريقة أخرى، أو اتبع أسلوبًا آخر، لكان منجزه أكمل وأشمل وأقرب إلى الذائقة، وأعمل على تصويب ما هنا وهناك، إلى أن فكرت برسم خطوط روايتي الأولى، وأنا مدججة بحمل كثيف من الأفكار والتصورات المتواترة، ولكني فوجئت بأني اكتب شيئًا مختلفًا عما حضرت له واستحضرته، من أدوات كنت أظنها لصيقة ووثيقة الارتباط بهذا الفن، كانت الشخصيات تكتبني وتأخذ مسارها المختلف عما رغبت وأردت، كنت أنوي كتابة شيءٍ ما، وعند الجد والفعل تطالعني أفكار جديدة ومسارات مغايرة عن تلك التي خططت لها، مما عزز عندي الرأي القائل بأن للكلمة روحاً وحياة، ما إن تكتبها حتى تقفز بعيدًا عن كاتبها، وتنشأ لها حركتها وكينونتها الخاصة، طبعًا هي بالنهاية حصيلة جهد معرفي ونتاج تراكمي لثقافة الكاتب وتجاربه وخبراته الحياتية، ولكنها ليست بالضرورة حياته الخاصة وشؤونه الشخصية، إذ إنني طالما كنت أنفر من كتاب السير الذاتية التي تكبر فيها نرجسية الكاتب بلا أي مبرر أدبي أو فني، ربما أتفق في هذا مع رأي رولان بارت حول موت المؤلف، لان النص ما إن يكتب وتأخذ اللغة فيه أشكالها التعبيرية، حتى تنبت له أجنحة ويصبح له كيانه المستقل وحتى معان مختلفة لما أراد له صانعه، ضمن مناخات المشابهة والمخالفة للمعاني، وخاصة عندما يصبح لكل قارئ تأويله الخاص ورؤيته المستقلة لكل مفردة من مفردات العمل. لذا فانا اعتبر شخصيات العمل من ممدوح وبارعة وزبيدة ومحمود وحاتم وغيرهم، ممن ركبوا معي في متن "وتترنح الأرض" أصدقاء رحلة، عاش معي من عاش وسقط من ذاكرتي من سقط، عشت هواجسهم ورغباتهم وخيباتهم كما تحملت نذالات وسفالات بعضهم الآخر، وقد تركت لهم حرية التعبير حول فهمهم وتفسيرهم للأمور، في صور الحياة المتناقضة التي تلتقطها عدسة الذاكرة وتعيد إنتاجها في لوحة جديدة، رغبة مني في ترك مساحة لما تقوله الشخصية لذاتها، ولطريقتها في تبرير كل ذاك الإخفاق والفشل والارتكاب التي تعيشه، و كيف تحاول تزيينه وترقيعه ومواجهته، بما يحفظ توازنها ويمنعها من الانهيار، بنسب متفاوتة وفق تمكن اللون القاتم في ذواتهم ونفوسهم، إذ لكل ذات منها الظروف التي أنتجتها؛ وخلقت معاييرها؛ وشكلت منطلقاتها الفكرية وثوابتها، وهي على الرغم من كل خلافها واختلافاتها، تتعرض لواقع واحد على مستوى العالم كله، والوطن الصغير كحيز ضيق، لذا تتباين صداماتها وردود أفعالها والمشهد مفتوح لم ينته، لان الصراع باق بكل ألوانه داخل الشخوص وخارجها، في الواقع والمستجدات الطارئة عليه التي تتغير باستمرار، وبالتالي تخلق الحياة صورًا أخرى ومتوالدة بشكل مضطرد، ولا أستطيع الإدعاء بأني أحطت إلا بجزء أو صورة منها، سلطت عليها عدستي وهكذا كانت رؤيتي لها في وتترنح الأرض. ربما أتوقف قليلًا عند العتبة النصية للعمل من صورة الغلاف للفنان جواد خليل التي تشير إلى الاسم الذي اخترته عنوانًا لروايتي، وقد استلهمته من أسطورة الثور الذي يحمل الأرض على قرنيه، وعندما يتعب يقوم بنقلها من قرن إلى آخر(وقد نوهت إليها بالعمل) وفي هذه النقلة تهتز الأرض وتترنح وينتج عنها ثوران البراكين وزلازل تشق الأرض وتحفر جغرافيا جديدة لها، الأرض التي تئن وتترنح تحت وطأة وجعين وجع الإنسان والجور والظلم اللذين يمسكان بتلابيبه، والذي ينذر بما ينذر من هزات وبراكين كامنة، ووجع المكان الذي لطالما كان منارة لحضارات مرت وعبرت، تستصرخ ضمائرنا وعقولنا كورثة للتاريخ  ألاَّ نقتلها من جديد، واألَّا نتركها عرضة للنكران مرة ومرة للتجاهل ومرات للموت فهل نحن قادرون؟؟ سؤال لنا جميعاً.

كاتبة ورائية سورية صدرت لها مؤخرا رواية -وتترنح الأرض -

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم