حكاية الإنسان وصراعه من خلال امرأة قراءة في رواية "ابنة ليليت" للكاتب أحمد السماري
لمحة عامة
صدرت الرواية عام 2024 عن منشورات رامينا، تتحدث عن فتاة صاحبة طموحات عالية، مولودة في الخبر لأم هندية وأب سعودي، أكملت دراستها الجامعية في الرياض خلال الربع الأول من ثمانينيات القرن الماضي، وبعد وفاة والدها عملت كطبيبة في الرياض، ثم انتقلت لأمريكا لمتابعة دراستها العليا في جراحة القلب، فأصبحت من أشهر الأطباء في جراحة القلب في أمريكا، عملت على تغيير أسمها واستبدلته باسم آخر بعد حصولها على الجنسية الأمريكية، وذلك لتتخلص من اسم العائلة التي تعتقد أنها خذلتها.
خلال مسيرتها العلمية والعملية تقلدت مناصب عدة في أمريكا، وانضمت إلى جمعيات وأحزاب، حتى وصل بها الحال أن رشحها الحزب الجمهوري لعضوية مجلس النواب، وكانت متقدمة على منافسيها لولا ظروف حالت بينها وبين عضوية مجلس النواب.
تطرقت الرواية لحوادث مختلفة، اجتماعية واقتصادية وعلمية وسياسية، لامست حياة بطلة الرواية، التي عادت للعمل في موطنها المملكة العربية السعودية كإمرأة أمريكية، بعقد عمل بعد سنوات طوال من العمل والبحث العلمي في مجال صحة القلب في أمريكا، وبقيت في موطنها الأم حتى انتحرت في منزلها بعد أن تجاوز سنها الستين عاما.
العنوان
حملت الرواية عنوان "أبنة ليليت" وأجد أنها فكرة تسويقية ذكية من جانب، ومن جانب آخر أرى أن الكاتب فتح نافذة على جدل كبير حول شخصية ليليث الأسطورية التي مخرت الزمن، قادمة منذ فجر التاريخ عبر حضارات ما بين النهرين، لتكون أيقونة التحرر النسوي في العصر الحديث.
ولا ريب أن ليليت، أو ليليتو، أو ليل، أو حتى اللات كما يحلو للبعض تسميتها، كانت تشير للبغي المقدسة إنانا، والآلهة الأم الكبرى، وقد أرسلت لتغوي الرجال في الطريق، وتقودهم إلى معبد الإلهة، لاحتفالات الخصوبة المقدسة، وهي من جانب آخر الريح الحارة، التي تأتي النساء أثناء الولادة فتقتلهن وأطفالهن، وهي كذلك السعلاة ملتهمة الأطفال، وهي أنثى العفريت، التي تسكن الأماكن المهجورة.
وهي أيضا الجنية ليل، التي تسكن الأماكن الخربة، وموارد المياه، كبومة نائحة، تجلب الشؤم في المعتقد اليهودي، الذين اتفقت نظرتهم مع نظرة البابليين والأشوريين والسومريين، وكذلك الآكديين والكلدان واليونان، بأن ليليث كانت تغوي الرجال فتضاجعهم ثم تمتص دمائهم، وتنهش أجسادهم حتى الموت، ولم ينج منها حتى النساء والأطفال.
وفي كتاب الزوهار الذي يضم مجموعة من الأفكار اليهودية عن الإله وقوى الخير والشر والكون، وطبيعة الإله وأسراره، وروح الإنسان وطبيعتها ومصيرها، دونت أسطورة ليليث بشكل مختلف عما هي عليه عند شعوب ما بين النهرين، فقد اعتبرت في الزوهار الزوجة الأولى لآدم "ع" ثم تمردت عليه.
وفي العصر الحديث اعتبرتها جوديث بلاسكو أيقونة للحركة النسوية باعتبارها أصل التمرد على الرجل، ثم قامت سوزان وايدمان شنايدر وجعلت اسم "ليليث" عنوانا لمجلتها التي تمثل حركة التمرد النسوية في العالم، ولهذا فإن العنوان "ابنة ليليت" ما هو إلا إشارة لتمرد بطلة الرواية، وقد أشار الكاتب لهذه المسألة قائلا: هي أول امرأة اتخذت موقفا رافضا من عدم مساواتها برفيقها الذكري (2024. 9)، لكن بطلة الرواية في الحقيقة لم تكن بهذا المعنى الحرفي، ولا بعنفوان المرأة الرافضة والمتمردة، بل وجدنا شخصية تنطلق قبل أي شيء خلف طموحها الذي جعلت له الأولوية في حياتها، ثم وجدناها تتمرد بشكل مبرر على أخوها وعائلتها التي شعرت بالخذلان منها، وهو تمرد لا يمكن أن نجعله بمستوى التمرد المعروف في الحركة النسوية التي خاضت نضالات لتحصل على حقوق وامتيازات.
فبطلة الرواية عاشت حياتها متمردة على أخوها الأكبر، لكنها كانت متسامحة كثيرا مع غيره من الرجال أمثال والدها وأمثال الحاج متولي وآخرين غيره، فضلا عن تسامحها مع كثير من النساء والرجال بشكل عام، وعندما قامت بإطلاق النار على زميلها جو كان ذلك بدافع الانتقام وهو دافع مبرر نسبيا.
ولهذا لا أجد أن النص وافق بين شخصية البطلة وبين شخصية المرأة المتمردة على الرجل كما نعرفها في الحركة النسوية، التي عملت على التمرد الجندري، لكي تحصل على امتيازات واستحقاقا مختلفة، وخاضت صراعات ونزاعات للحصول أما على حقوق أو امتيازات.
وأما بطلة الرواية فقد صعدت دون أن تخوض أي صراع مع أحد، وتقلدت مناصب بشكل سلس دون أي معاناة، بل كانت الظروف تساندها لتحصل على ما تريد، وقد حققت طموحاتها دون عقبات، ولم يقف في سبيل تحقيقها لطموحاتها سوى جديتها وعملها الدؤوب.
يقول الكاتب في الغلاف الخلفي للرواية: (تتحول البطلة من جواهر إلى جورجيت، وتخلق منها ابنة ليليت، تحمل في داخلها نضالا مستميتا للبحث عن السعادة المفقودة والانتماء الحقيقي)، فإذا كان هدف بطلة الرواية البحث عن السعادة والانتماء فقد وجدنا في الرواية أنه لا يتعارض مع الثوابت والمعتقدات الاجتماعية والإنسانية ومع الطبيعة البشرية وغرائزها الطبيعية، ولا يجعل منها ابنة ليليت التي نحمل عنها اليوم فكرة محددة، أوجدتها نضالات وجدليات مختلفة عن المرأة، التي تكافح سواء بشكل فردي أو جماعي أو من خلال حركة، وقدمت نماذج قامت بالتمرد وخاضت صراعات وعارضت كثير من القيم والأعراف والتقاليد القائمة لتنتزع حقوق وامتيازات كانت محصورة على الرجل.
فالبطلة انطلقت لتحقيق طموحاتها وأحلامها دون أن تصطدم مع أحد، ولم نجد لها نضال في هذا الجانب، ولا يمكن جعلها كمن تمردوا على ثوابت اجتماعية وناضلوا للحصول على امتيازات واستحقاقات معينة.
وإذا قسنا طموح بطلة الرواية وسعيها الحثيث لتحقيقه، فلا شك أنه طموح عالي قل نظيره في مجتمع ظل لسنوات طويلة متخلفا عن ركب الحضارة، قياسا حتى على المجتمعات العربية المجاورة كالعراق وبلاد الشام، وحيث أنه لم يكن هناك أي أحد وقف ضد تحقيق طموحها، سواء في بلدها المحكوم بالأعراف والتقاليد والعادات، أو في الغرب الذي أتاح لها أن تتقلد مناصب مختلفة، أسوة بكل النساء الأمريكيات اللائي حصلنا على حقوق وامتيازات بعد معاناة طويلة خاضتها المرأة، فلا يمكن أن نصنفها بأنها امرأة متمردة.
بل هي جاءت في الوقت الذي حصلت فيه المرأة على حقوق وامتيازات ومناصب ومراكز كانت محصورة على الرجل حول العالم، وقد شهدنا صعود كبير للمرأة في جنوب شرق أسيا وفي الغرب إجمالا، حيث أصبحت سيريمافو باندر انايكا أول امرأة في العالم تنتخب لترأس حكومة سريلانكا عام 1960، تم جاءت أنديرا غاندي كرئيسة لحكومة الهند عام 1966 وعدت ثاني امرأة تترأس حكومة في العالم، ثم صعدت مارجريت تاتشر لترأس حكومة بريطانيا عام 1979، ثم توالت النساء في تقلد العديد من الوظائف والمناصب والمراكز القيادية حول العالم.
الشخصيات
جواهر هي الشخصية الرئيسية التي تدور حولها أحداث الرواية، وهي كذلك أحد الرواة، وهناك أيضا شخصيات أخرى، سواء كان لها حضور فاعل أم سطحي، وقد ظهرت الشخصيات في الرواية بشكل سلس وطبيعي، في أماكن وأزمنة مختلفة من حياة البطلة، وكان هناك شخصيات باهته، وشخصيات لها حضور قوي، رغم الصورة الضعيفة والباهتة التي ظهرت عليها قبلا، فالحاج متولي مثلا شهدنا له حضور باهت، ثم وجدناه شخصية لها دور مكمل في الرواية، وهو من الشخصيات التي ظهرت ثم اختفت، ثم ظهرت مرة ثانية، وشهدنا حضوره وحركته وتطوره في الرواية.
ومع أننا شهدنا في الرواية مجموعة كبيرة من الشخصيات، إلا أن الكاتب جعل معظمها يتحرك في المشهد، ووجدنا لها حضور وتطور ملحوظ، فقد وجدنا الأب السعودي، والأم الهندية، وأثنين من الأخوة هما دعيج وعبد الرزاق، والجارة اللبنانية سعاد، إلى جانب الابنة ميلا، والطليق كاستيلو، والجدة روزا، والعمة سلينا، وكفيفي البصر سعد وسالم، والحاج متولي، والزميل جو والزميلات إليزابيث ودورتي ومشاعل، وشخصيات أخرى فرضتها طبيعة الرواية وأحداثها.
الراوي
أعتمد أسلوب الرواية بشكل كبير على السرد، وذلك على حساب الحوار، الذي كاد أن يختفي في الرواية التي تعدد فيها الرواة، حيث وجدنا الراوي في البداية جواهر، ثم فاجأتنا أبنتها ميلا بأخذ زمام الأمور، ثم روى الحاج متولي جانب خفي من جوانب شخصية جواهر، وأخيرا وجدنا الكاتب وقد سجل حضوره كراوي في سطور قليلة، أي أن الرواية كان فيها أربعة أصوات تقدم لنا أحداث الرواية من وجهة نظرها، حتى تعددت الأصوات، ووجدنا اللهجة المصرية من خلال الحاج متولي، الذي أخذ يروي الأحداث، بالرغم من أن ميلا التي يروي لها لا تتكلم العربية، وبالتالي فيفترض أن حديث الحاج متولي مع ميلا كان باللغة الانجليزية، لكن يبدوا أن الكاتب أراد للمتلقي أن يستشعر الراوي ويؤكد بأنه مصري من خلال لهجته.
عندما كانت ميلا تروي كانت تقدم لنا مآثر أمها، وتقوم بتحليل شخصيتها بشكل نسبي، وكذلك كان الحاج متولي أيضا يقوم بتقديم مآثر جواهر ويثني عليها، ثم وجدنا ميلا تترصد حياة والدتها عبر الحاج متولي، ومن دون مقدمات وجدنا ميلا تسأل الحاج متولي عن إيمان أمها، وأن الحاج متولي ذكر لها إن أمها كانت تكثر من الاستغفار، يقول الحاج متولي: إنها تكرر كلمتي "استغفر الله.. استغفر الله" (السماري. 2024. 99) دون أن يذكر شيء عن مدى التزامها بالفروض والممارسات التعبدية المعتادة.
السؤال: ما الدافع لبنت تعدت للتو مرحلة المراهقة، تعيش في عمق المادية والعلمانية، لأن تسأل ما إذا كان لدى أمها إيمان أم لا؟ ثم ما الإيمان الذي تسأل عنه هذه الفتاة؟ هل هو الإيمان المسيحي أم الإيمان الإسلامي؟ أم الإيمان العلماني؟ وهل هذا الإيمان متطرف أم غير متطرف؟
جواهر عاشت أكثر من 25 سنة من حياتها كامرأة أمريكية علمانية بالدرجة الأولى، ولم تذكر الرواية أنها قامت بالصلاة إلا مرة واحدة فقط، عندما تلبستها حالة روحية غامرة في نواكشوط، وهذا يشير إلى عدم اتساق لهذا السؤال، الذي لم يكن له دافع أو مبرر، لا للقارئ ولا إلى ميلا ذاتها، التي القت بهذا السؤال على الحاج متولي فراوغها وتحدث عن الاستغفار فقط.
لقد أجابت الرواية بشكل محترف عن الأسئلة المهمة من خلال السرد الذي قدمه لنا مجموعة من شخصيات الرواية، رغم أن شخصية جواهر متحررة نسبيا، وتتمتع بمستوى عالي من الاندفاعية، التي تهيمن عليها، وتظهر على تصرفاتها، فضلا عما لدى هذه الشخصية من تطلعات وآمال وطموحات كبيرة وكثيرة، في زمن قل فيه من هو بهذا المستوى من الطموحات والآمال، في بلد محافظ بدأ حديثا في تلمس طريقه نحو التطور والمدنية، وأظن أن هذه الشخصية لو بقيت ممسكة بزمام الراوي لأمكنها أن تورط الكاتب في أراء وتصورات لعلها تحرف خط الرواية عن المسار الذي خطط له الكاتب، وأرى أن الكاتب تخلص منها وجعل ابنتها تقدم لنا جانب آخر من الرواية، ثم جعل الحاج متولي يقوم بهذه المهمة، ثم جعلها تروي لنا شيئا، وفي الأخير أمسك هو بزمام الأمور، وأظن أنه ابتعد عما يمكن أن تذهب له هذه الشخصية، التي لم يترك لها مجال للتداعي، ولعله أضطر أن يتخلص منها في نهاية المطاف، كما تخلص من الحوار، الذي اقتصر في نهاية الرواية على حوار باهت وبارد ومقتضب بين عبد الرزاق وميلا، الذي أخذ يشرح لها كيف ماتت أمها (السماري. 2024. 155) ثم تسأله ببرود:
- هل تقصد أنها انتحرت؟
- بطريقة غير مباشرة، يمكن قول ذلك.
- وأين دفنت؟
الأحداث
وردت احداث في الرواية يمكن تبريرها، كإصابة جواهر باكتئاب ثنائي القطب، فالمرض سواء كان نفسيا أو عضويا، يمكن أن يصاب به أي شخص في أي وقت وفي أي زمن وفي أي عمر، لكن هناك أشياء لا يمكن تبريرها وقبولها، كجفاء جواهر وتبلد مشاعرها تجاه والدتها، التي بقيت تعتقد أنها ظلمت من قبل أخوتها، وبالأخص من قبل أخوها دعيج، الذي تعتقد أنه مارس الظلم والتسلط والاستقواء عليها وعلى والدتها، وتعامل مع والدتها بشكل مجحف، وأعطاها أقل مما تستحق، ثم فرض عليها السفر للهند فرضا.
فلا أجد أي مبرر وأي مانع يجعل جواهر تعزف عن محاولة التواصل مع والدتها، سواء عندما كانت تقيم في الرياض، أو حتى بعد أن سافرت إلى أمريكا، بل أننا لم نجد في الرواية أن جواهر حدثت نفسها بأن تزور أمها، أو أن تتواصل معها، أو حتى تتسائل بينها وبين نفسها عن حال تلك الأم، التي فرض عليها السفر للهند عنوة.
لقد أنهت جواهر علاقتها بأمها دون مبرر منذ أن غادرت إلى الهند، رغم كل الحرب التي شنتها على عائلتها بسبب أنهم ظلموا أمها، تقول: من تسمينهم أهلي بغوا على حقي وحق أمي (السماري. 2024. 143)، لقد ظلت تحمل هذه الضغينة على أخوتها، لكنها لم تفكر يوما أن تتواصل مع أمها بأي طريقة كانت، وبهذا مارست هي أقسى حالات الظلم والجفاء على والدتها أكثر بكثير مما مارسه أخوها.
في جانب آخر لا أجد تبرير حقيقي في عدم لقائها بابنتها، خصوصا وإنها قامت بعمل تسوية مع طليقها، واشترطت أن تقيم أبنتها مع أم وطليقها، وبهذا كان يفترض أنها قادرة على زيارة ابنتها بكل سهولة ويسر، خصوصا وإنها في بلد تحكمه القوانين من جانب، ومن جانب آخر بلد يقيم اعتبارات كبيرة للطفل وحقوقه، إلا أننا وجدنا في جواهر حالة متجردة تماما من الإنسانية، وهو أمر يتعارض مع بعض ما تقوم به من سلوك وممارسات، تمثلت في الأعمال الإنسانية، والتطوعية، والمساعدات التي قدمتها للناس، وهذا يمثل اضطراب كبير في الشخصية سواء في التعامل مع والدتها، أو في التعامل مع ابنتها، فضلا عن كونها أم، ولا بد لها من أن تحن على فلدة كبدها، وإن طال الأمد، على الأقل لترى هذا الكائن كيف أصبح شكله بعد أن كبر، وهناك دوافع أخرى مختلفة أيضا، لكننا وجدنا هذه الدوافع غائبة تماما، فلا مشاعر ولا أحاسيس ولا عواطف ولا فضول ولا أي رغبة أخرى يمكنها أن تكون دافعا للتواصل.
هل يمكن أن نعتبر إصابة جواهر باكتئاب ثنائي القطب لحظة تنوير لكل هذه الاضطرابات التي وجدناها في شخصية جواهر؟
في الحقيقة يمكن اعتبار إصابة جواهر باكتئاب ثنائي القطب لحظة تنوير تبرر بشكل نسبي بعض الممارسات والسلوكيات المتضاربة التي كانت تقوم بها، بما في ذلك لحظة الانتحار، ويبدوا أن النص اعتمد اعتماد كبير على الأحداث المتضاربة، نجاح هنا وفشل هناك، وصعود هنا وإخفاق هناك، وإذا قمنا بعمل ترمومتر فسنجد حياة جواهر متذبذبة بين نجاح في الدراسة، نجاح في العمل، فشل في العلاقات الأسرية، فشل في العلاقات الاجتماعي، فشل في العلاقات الزوجية، فشل في التواصل مع ذوي القربى والأرحام، نجاح في صعودها كمرشحة لعضوية مجلس النواب عن الحزب الجمهوري... الخ.
المكان
دارت أحداث الرواية بين الرياض والخبر ونيويورك ولوس انجلوس ونواكشوط، ونسبيا وجدنا بعض بيئات المكان، ومظاهر من الحياة الاجتماعية والدينية في بعض الأماكن، وكان النص في كل تلك الأماكن يسير بشكل سلس مع الأحداث والشخصيات، وفيه تشويق وإثارة ومفارقة، ففي نواكشوط وجدنا الحالة الروحية لدى جواهر وقبولها وتصديقها وإقرارها بالميتافيزيقا رغم أنها ممتلئة بالعلمانية وبالمادية، فهل للمظاهر الدينية كل هذا التأثير على الشخصيات؟ أم هو تأثير المكان؟
لقد تلبست جواهر حالة دينية عارمة، جعلتها تتكلم وكأنها مفكرة، وأبدت شيء من الفلسفة، ثم هرعت للصلاة، وقبل ذلك تلبستها حالة ميتافيزيقية، وكأنها من ذوات الحضرة والطريقة، والذي يبدوا أن المكان في نواكشوط قد أثار عواطفها وسجل حضورا بالغا في نفسها، فحرك أحاسيسها التي جمدت وتبلدت، وأرهف لديها المشاعر التي توثبت ذات ليلة شاطئية، بالقرب من الفندق الذي كانت تقيم فيه في نواكشوط، تقول: مرت نسمة هواء عليلة مشبعة بالرطوبة، ورذاذ البحر، فحركت هوى قلبي، وحنينه إلى بلدي وبيتي القديم وأهلي، وكل شخص فارقته، وكل عابر عشت معه، آه كم تغربت عن بلادي! حتى كدت لا أتعرف روحي (السماري. 2024. 76).
نعم لقد حرك المكان بنسماته العليلة كل هذه العواطف في نفس جواهر، ولا شك أن للمكان هذا التأثير، فتضاريس المكان مشحونة بكثير من المعاني، وتحمل في طياتها تاريخ نفسي، يتحرك معه الوجدان بما يسكن في الروح من عواطف، تنساب وتتداعى بفعل التضاريس، وصور المكان، والروائح الموجودة فيه، ونسمات الهواء التي تداعب مختلف الحواس، فكانت جاهزة تماما لإن تتلقى جرعة عالية من الميتافيزيقا، فتتلاقها رغم ضخامتها بالقبول والتصديق والتسليم، وكأنها أرض خصبة لهذه الحالات المجللة بالسمو النفسي والروحي، تقول: أبهرتني حتى كدت أفقد كل موازيني العلمية والتجريبية في نسق هذا العالم المختلط، بين نظرية المعرفة العلمية بمذهبها العقلي، والمعارف الدينية بمذهبها الروحي والإيماني، فما أبعد حيازة الحقيقة (السماري. 2024. 83)، لقد حضرت موريتانيا وتمثلت في نفس جواهر بأهم ما يميزها، فكان الشعر حاضرا معها أينما حلت، فهي بلد الميلون شاعر، وكانت ملامح التدين بارزة في حياة الناس المنغمسين دينيا في التصوف، والجوانب العرفانية، فكانت أذنها تلتقط ما يعلوا فوق المآذن من تواشيح ومناجاة وابتهالات تنساب عذبة لتشنف سمعها، وتقوم بتطهيرها من براثن المادية والعلمانية، وتسفي ما تراكم من تلك المادية والعلمانية عن نفسها، فقد نقل الكاتب على لسان الراوية ما كانت سمعته بعد صلاة الفجر من ابتهالات: يا رب صل وسلم ما أردت على نزيل عرشك خير الرسل كلهم، محيي الليالي صلاة لا يقطعها إلا بدمع من الإشفاق منسجم... الخ (السماري. 2024. 83)، وبهذا نقلتنا الراوية معها من حياتها المادية إلى حياة تسموا فيها الروح بعيدا في أجواء إيمانية مشبعة، تجعلنا نتيقن بأنها لو جلست مدة أطول في نواكشوط لدخلت في الغنوصية وغاصت في عالمها.
الزمن
أولا: يوجد زمنين في الرواية، زمن يتحرك مع الأحداث وزمن يشار إليه
1) الخبر في المنطقة الشرقية التي تبعد 400 كلم من الرياض بواسطة خط القطار الوحيد في بلادنا حينئذ (السماري. 2024. 13، 14).
2) كنا حينها إحدى وثلاثين طبيبة (السماري. 2024. 13)
3) الذهاب في نهاية الأسبوع إلى شاطئ البحر "شاطئ نصف القمر" أو إلى دولة البحرين القريبة بواسطة العبارات البحرية، واستمر الوضع هكذا حتى افتتح جسر الملك فهد بين الدولتين، فتحولوا حينها إلى السيارات كوسيلة أسرع وأسهل (السماري. 2024. 18).
أضافت كلمة (حينئذ)، وكلمة (حينها)، وجملة (افتتح جسر الملك فهد)، أن الراوية تروي من زمن أحدث، وأن أحداث الرواية وقعت في الماضي، وبهذا يشعر المتلقي أن السرد في زمن متقدم على الزمن في الرواية، لكن هذا الزمن مفقود في النص، فالقارئ لا يجد سوى زمن واحد يتسلسل تصاعديا بأحداثه، فلا وجود للتداعي، الذي يمكن أن يدخلنا على زمنين أو أكثر للشخصية، كما لم نجد لدى الراوي زمن أحدث مما هو في الرواية، وما يتحرك مع النص، وينتقل بالحدث من ماضي إلى حاضر أو العكس، فهل كان هذا صوت الكاتب، الذي يتدخل في النص، ويظهر لنا كراوي عليم، ويتحدث من الماضي بإطلالة على المستقبل؟ خصوصا وإن صوت الكاتب الراوي ظهر لنا في آخر الرواية.
4) فتلك نيويورك الثمانينيات التي تعج بالجرائم والقتل والسطو المسلح (السماري. 2024. 53)، هنا أيضا نجد هذا الخلط الزمني من خلال جملة (فتلك نيويورك الثمانينيات) ولا نعرف من يروى لنا النص، هل هو الكاتب أم الراوية التي تختفي في زمن أحدث لم نشاهدها فيه، فهذا الحديث يخرج عن زمن الرواية تماما، وكأن هناك شخص يتحدث من حاضره عن الماضي.
ثانيا: مصطلح لم يكن متداول زمنيا
تتحدث بطلة الرواية عن نفسها وتقول: زميلاتي يطلقن علي لقب "الدافورة" وهو محلي متداول بين الطلاب عموما (السماري. 2024. 16)، يرجع أصل كلمة (دافور) لنوع من مواقد الطبخ يعمل بالغاز، استخدمه الناس خلال فترة سابقة للطبخ، وكان يعد أسرع من الطبخ على (جولة) القاز، وخلال سنوات قريبة بين 10 – 15 سنة شاع استخدام الكلمة كلقب أطلق على المتفوقين والمتفوقات دراسيا، ولم يكن له حضور أو تداول بهذه الصفة خلال فترة الثمانينات أو ما قبلها.
جوانب تسهم في ترهل في النص
يصاب النص بالترهل لأسباب عديدة، من بينها الوصف الزائد، الذي يمكن أن يخنق النص، ويوقف الزمن فيه، ومن بينها أيضا قيام الراوي بتقديم شروحات إضافية، وكذلك أيضا منها قيام الراوي بتعريف المعرف، وهنا بعض النماذج التي وقع فيها الكاتب.
1- صار متوجبا علينا أن نبدأ بعد الإجازة الصيفية برنامج التدريب لمدة سنة كاملة تسمى سنة الامتياز حتى نتمكن من استلام الوثيقة الأصلية أو النهائية (السماري. 2024. 13)، وقع هنا في الشرح، وكان يمكن أن يقول: (صار متوجبا علينا أن نبدأ بعد الإجازة الصيفية برنامج التدريب لسنة الامتياز).
2- حزمت حقائبي بهدف العودة إلى مدينتي الخبر في المنطقة الشرقية التي تبعد 400 كلم من الرياض بواسطة خط القطار الوحيد في بلادنا حينئذ، إنها رحلة تزيد على أربع ساعات قضيتها في تصفح رواية أجنبية (السماري. 2024. 13، 14)، وقع هنا في تعريف الخُبر بأنها في المنطقة الشرقية، ثم في وضع المسافة بين الرياض والخبر، ثم في وضع الزمن المستغرق لقطع هذه المسافة بالقطار، وكان من الواضح أن النص لم يكن يراد له إلا تحديد المساحة الزمنية، التي ذكرت الراوية أنها استغلتها في القراءة، وبالتالي لا أهمية لوجود المسافة في سياق النص، وكان يمكن أن يقول: (حزمت حقائبي بهدف العودة إلى مدينتي الخبر بواسطة القطار الوحيد في بلادنا وهي رحلة تزيد على أربع ساعات قضيتها في تصفح رواية أجنبية).
3- خطاب دعوة من منظمة الصحة العالمية، وهي إحدى منظمات الأمم المتحدة، لحضور محاضرة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك (السماري. 2024. 13، 72)، وقع هنا في تعريف المعرف، فلا أظن أن الكاتب كان بحاجة لتعريف منظمة الصحة العالمية، على أنها إحدى منظمات الأمم المتحدة، فهذا أمر أولا: لا يهم القارئ، وثانيا: لا يغير ولا يقدم في النص، وثالثا: أفترض أن الغالبية العظمى من الناس يعرفون من هي منظمة الصحة العالمية، خصوصا بعدما ضرب العالم فيروس كورونا، رابعا: كان يمكن أن يصيغها بطريقة أفضل كأن يقول مثلا: (خطاب دعوة من منظمة الصحة العالمية، للمشاركة في محاضرة بمقر الأمم المتحدة في نيويورك).
مناقشة
1- المنازل هي أماكن اللقاءات فلم تكن المقاهي أو المطاعم تسمح بمثل تلك الجلسات أما لقلتها، وأما لعدم توافر مكان مخصص للنساء في جلها (السماري. 2024. 17)، تتحدث الشخصية هنا عن شيء يفترض أنها عايشته، لكننا نجدها تقدم لنا محض افتراضات، وفي الحقيقة كانت تحكم المجتمع مجموعة من الأعراف والتقاليد، سواء حول المرأة أو حول الضيافة، ولم يكن من عادة الناس أن يستضيفوا أحدا في غير بيوتهم، الجانب الآخر هو أن المطاعم كانت بالفعل قليلة وصغيرة، وغالبا كان يرتادها العزاب والمغتربين، وأما المقاهي فهي في ذلك الوقت شعبية محضة، لا تقدم إلا الشاي والشيشة فقط، ولا مكان فيها للنساء أبدا، ذلك أن المفهوم العام أن مكان النساء في البيت.
2- على والدتي أن تغادر إلى أهلها في الهند وتعيش كما تحب أن تعيش، وتعوض أكثر من أربعة وعشرين عاما قضتها في خدمة والدي (السماري. 2024. 31)، في الحقيقة عندما نقوم بحساب الفترة التي قضتها الأم الهندية مع الأب نحصل على أكثر من 26 سنة، وذلك من خلال سني أبنتها جواهر فهناك سنة بين الحمل والولادة، ثم ستكون جواهر في عمر 18 سنة بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية، وهناك 7 سنوات لدراسة الطب.
3- بررت الاختيار بتفوقها وسمعتها العلمية أولا، وأنها غير هادفة إلى الربح وغير طائفية (السماري. 2024. 32)، كان هذ تبرير إليزابيث لترشيحها الجامعة، ونجد فيه مصطلح الطائفية وهو من المصطلحات التي لم يكن لها تداول خلال فترة الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، بل كان المصطلح الرائج هو العنصرية وبالأخص عند الأمريكان.
4- وأبلغتني أنها أرسلت لهم فاكسا بذلك (السماري. 2024. 32)، هنا يقدم لنا الكاتب صورة الفاكسميلي وكأنه متداول بكثرة في ذلك الوقت، وفي الحقية كان موجود لدى بعض الجهات الرسمية وبعض الشركات الكبيرة، نعم قد شاع وجوده بعد ذلك في نهاية الثمانينيات، بينما كان الأكثر شيوعا في المراسلات خلال تلك الفترة هو التلكس "البرق".
5- مرت الأيام الأولى أتأمل المدينة التي تشبه مدن الخليج العربي في نشأتها (السماري. 2024. 75) تقرر الراوية أن نواكشوط تشبه مدن الخليج في نشأتها، لكنها لا تقدم تفسيرا أو شاهدا على هذا الكلام، فما هو وجه الشبه بين نواكشوط ومدن الخليج، فإذا كانت تتحدث عن نشأة تلك المدن عمرانيا، فإن الرواية لم تذكر بأن جواهر عاشت في غير الرياض والخبر من مدن الخلج، ولا شك أن هاتين المدينتين تعتبران ناشئتين قياسا على مدن أخرى مثل مكة والمدينة وغيرها من المدن القديمة، وإن كانت الأولى (الرياض) أسبق في النشوء والعمران من الثانية (الخبر) التي تعد مدينة حديثة أنشأها عمال النفط.
جماليات في النص
1- في مكنون كل روح برج، وليس لأحد غير صاحبه أن يدخله، يجب على كل فرد أن يحمي برجه (السماري. 2024. 30).
2- الأبواب التي تحوي الكنوز تحتاج إلى محاولات شاقة وطويلة (السماري. 2024. 40).
3- تمثلت كالشجرة أسعى إلى الأعلى وأعمق جذوري في الأرض (السماري. 2024. 52).
4- الانتهازية إذا رعيتها بالنفاق تورث من شخص إلى شخص، وتنتقل كالعدوى التي تسبب في خلق فوبيا العلاقات الفاسدة وتكوين صداقات مزيفة (السماري. 2024. 143، 144).
تأثير الإعلام الأمريكي على النص
دخل شاب أسود إلى أحد فروع البنك وقدم شيكا بمبلغ ألف دور (السماري. 2024. 52) جاء هذا في أعقاب سرقة لشقة بطلة الرواية وكان بين المسروقات دفتر شيكاتها، أي أن السارق شاب أسود.
في الحقيقة هذه صورة شاهدناها كثيرا في الإعلام الأمريكي، الذي قدم لنا العالم بالأبيض والأسود وبرؤيته الشخصية فقط، إذا هو يقدم لنا صورة الرجل الأسود من خلال ما يرسمه إعلام الرجل الأبيض، الذي يصور لنا السود بأنهم مجرمون، يتعاطون المخدرات، ويقومون بالسرقة، ويمارسون الإجرام المسلح.
وكان يمكن للكاتب أن يخالف هذا التأثير ويجعل السارق شخص أبيض، لكن يبدوا أن تأثير الإعلام الأمريكي أقوى بكثير من خيارات الكاتب، الذي حاول أن يخلق موازنة من خلال جعل ممارسة الجنس بالإكراه والخديعة صناعة الرجل الأبيض، وهذا يقترب من الصورة الواقعية لما يقدمه الإعلام من فضائح النافذين، وقادت البيت الأبيض، ويفتح نافذة لما يعرف بفضيحة مونيكا إبان فترة حكم بيل كلنتون، تقول الراوية: ما زاد من ألمي أكثر هو ما نقلته إلي دورتي في زيارة أخرى، بأن جو تباهى بفعلته أمام بعض زملائه في القسم، وأنه مارس الجنس معي بطلب وطواعية مني عندما أوصلني إلى الشقة (السماري. 2024. 67).
ولعل هذا التوازن يحسب للكاتب الذي حاول أن يعري لنا أمريكا من الداخل، وإن بدت تلك الصورة وفق ما يصوره ويرسمه لنا الإعلام الأمريكي، إلا أن هناك محاولة أخرى قدمها الكاتب من خلال مشاعر بطلة الرواية حول نيويورك بدت أكثر واقعية، ولعل هذه نظرة غالبية الناس في الشرق لهذا البلد الذي ننظر له نظرة متذبذبة بين الحب والبغض وبين الإعجاب والازدراء فنتحدث عن الإيجابيات حينا وحينا عن السلبيات تقول الراوية: في داخلي مشاعر مختلطة ومتداخلة من الحب والكره، والإعجاب والسخط، والعظمة والانحطاط، والطموح والخيبة، والمستقبل والخوف، والبذخ وفقراء الشوارع، وناطحات سحاب منهاتن، وعصابات الجريمة في الأحياء الشعبية، إنها المدينة التي تلد البشر وتقتلهم، وتخلق حب الحياة حتى إذا تكون وكبر واصبح في العروق تخنقه وتمزقه من دون رحمة (السماري. 2024. 74).
راوية رغم وحدتها وهذيانها
في آخر الرواية يتلقى القارئ صدمة تجعله يشكك بوجود خلل ما في النص أو أن شيء فاته بين السطور فيعيد قراءة النص في الصفحات الأخيرة محاول أن يفهم النص أكثر، وهذا من شأنه أن يشعر المتلقي بوجود خلل، أو وجود لخبطة في النص، أو أنه لم يفهم النص بشكل صحيح، فالبطلة تحدثنا في نهاية الرواية أنها التقت بوالدتها وبأبنتها في البحرين وأن والدتها تشكر الله على أنه جمع شملهم تقول: كنت حينها في الحديقة أطعم القطط، وأمي باميلا لابسة الساري، وجالسة على كرسي متحرك في التراس الأرضي، وفي يدها مسبحة طويلة تسبح الله وتشكره على جمعنا بعد طول غياب. بدأت أصرخ فرحة، ولكن قدمي خانتاني، فلم أستطع السير عليهما، ركضت ميلا في اتجاهي وحضنتها (السماري. 2024. 153).
وفي الصفحة التالية نفاجأ بصوت الكاتب الراوي، الذي يتحدث لنا عن أن ميلا تلقت اتصالا هاتفيا من خالها عبد الرزاق لأول مرة، لينقل لها أن والدتها انتحرت في يوم 17 أغسطس، وهو اليوم الذي كانت قد قررت أن تتصل فيه بابنتها، وكانت ميلا تسأل خالها ببرود، وكأنها لم تعش حالة الحماس والسعي الحثيث للقاء والدتها والتعرف عليها عن قرب، يقول عبد الرزاق:
- أنا في غاية الأسف أن أنقل في اتصالي الأول خبرا محزنا.
- هل حدث لأمي أي مكروه؟
- للأسف، والدتك ماتت قبل أسبوعين، في يوم 17 أغسطس تحديدا.
- ماذا حدث؟ كيف ماتت؟
يخبرها عبد الرزاق أن حالة والدتها انتكست وعانت من الهوس والذهان وتسبب ذلك في حالات انسحابية دفعتها لتعاطي كمية من المسكنات أشبه بالانتحار مما أدى لموتها.
ثم نجد ميلا تسأله ببرود أكثر من ذي قبل:
- هل تقصد أنها انتحرت؟
- بطريقة غير مباشرة، يمكن قول ذلك.
- وأين دفنت؟
هكذا كان الحوار باردا من شخصية كان لديها حماس واندفاع للقاء والدتها، هل كان ذلك بفعل الصدمة؟
هل كان الكاتب يريد القول إن ما روته جواهر في الصفحات الأخيرة ولقائها بأمها وأبنتها لم يكن سوى ذهان؟
والسؤال الأخير: كيف يمكن لأحد يعيش منعزلا ويدخل في حالة من الهوس والذهان ويموت منتحرا ثم يكون راويا؟ لمن كان يروي؟ ومتى روى ذلك؟
لا ضير من أن تروي ذلك لأي أحد، لكن كيف لنا أن نقبل ما روته بطلة الرواية في عزلتها مع حالة الهوس والذهان التي عاشتها، وهل يكون ذلك مقبولا بالطريقة التي أوردها الكاتب في النص؟
الجواب نعم، ذلك أن الأعمال الإبداعية لا تخضع لقواعد، والكاتب أشار لنا بأن الشخصية مصابة بهوس وذهان ولا شك أن ذلك اللقاء كان بفعل الهوس والذهان.
0 تعليقات