دلالات المكان وجمالياته في الرّواية العربية

روايتا ساحة الطرميل ومقهى الفن لعبد القادر بن الحاج نصر نموذجا

محمود الحرشاني*

يجمع اغلب الباحثين والدارسين للرواية العربية قديما وحديثا على ان لعنصر المكان خصوصياته ودلالاته والتي تختلف من كاتب روائی الى آخر، فعنصر المكان هو الوتد الذي يقوم عليه بناء الرواية و يعطيها خصوصياتها. والإطار الذي تتحرك فيه، وهو على خلاف الزمان العنصر الاساسي الآخر لبناء الرواية، لأن الزمان متحرك والمكان ثابت. والمكان هو مرآة النفس ومسرح الاحداث التي تقوم عليها الرواية.

يقول الباحث عليوى الورغي وهو كاتب و مدرب كتابه فى بحث منشور له بعنوان "المكان الروائي ، كيف يؤثر على الشخصيات والحبكة الروائية" ان التوظيف الامثل للمكان في النّص الروائي ينبغي أن يكون عنصرا فاعلا يؤثر على  الشخصيات ويكون مرآة تعكس مشاعرها، و افكار ها ومسرحا تتطور فيه الاحداث . ويعتبر الباحث أن للمكان دوره في تحديد ملامح ونفسية بطل الرواية، يضرب لذلك مثلا بشخصية تتحرك في فضاء مظلم وأخرى تتحرك في فضاء مضاء، وهنا يدخل عنصر الزمن كعنصر أساسي في البناء الروائي.

والمكان في الرواية مكانان، مكان معلوم ثابت ومكان يصنفه خيال الكاتب وفي هذا السياق يقول الباحث رضا عطيه اسكندر في دراسته بعنوان الرواية العربية في مكان اخر نشرت في كتاب صادر عن الهيئة العامة المصرية للكتاب سنه 2002.

إن المكان هو مرآه عاكسه لوعي الاشخاص وعنصر المكان في الرواية وفي تنزيل السرد عموما وهو بمثابه مرآة عاكسه لوعي الشخوص بوجودهم ورؤيتهم للعالم من خلال تمثلهم للمكان الذي يتحركون فيه )ص(7 ويضيف أن المكان الآخر في الرواية هو عادة المهجر المتار أو المنفى مقابل اصطلاح المكان الاول وهو الموطن أو المنشأ، ويضرب لنا هنا امثله من روايات مختلفة منها ما هو لكتاب مشارقة مثل توفيق الحكيم وعبد الرحمان الشرقاوي والطيب صالح فى موسم الهجرة الى الشمال ومنهم من هم مغاربة و تونسيين مثل الحبيب السالمي وتقول الباحثية الدكتورة صفاء ابراهيم في بحث لها منشور بموقع جريدة الوطن البحرينية بعنوان "جمالية المكان في الرواية" منشور بتاريخ 19 ماي 2019 ان المكان هو العمود الأساسي في الرواية وهو الدعامة التي ترتكز عليها باقي عناصر السرد الأدبي  كالزمن. وتضيف صاحبة البحث: أن عرض المكان في الرواية اما ان يكون نتيجة تجربة حقيقية يعيشها الكاتب أو يعيشها من معه بواقع حقيقي بكل تفاصيله او ان يكون من وحى خياله وهنا يمتلك الكاتب كامل الحرية في التحررمن الواقع متجها نحو افق التشويق والابداع للقارئ شريطه الا يشوه ملامح المكان الحقيقي (8) ومن هنا تفهم أن للمكان حقيقيا كان ام خياليا مكانته وقيمته في العمل الروائي الذي ينتجه الكاتب ، ويحرص أغلب الروائيين على اختيار الاماكن بوعي عميق بأهمية وقيمة المكان في الذاكرة الجمعية أو الشعبية ,ومنه ينطلقون لتوليف الأحداث في الرواية .


المكان في روايات عبد القادر بن الحاج نصر

اخترت في هذه المداخلة أن أتقصى حضور المكان في روايتين من روايات الكاتب التونسي والروائي عبد القادر بن الحاج نظرا لا يماني بأنه أحد الروائيين التونسيين الذين يحتفلون كثيرا بالمكان في رواياتهم وعلى سبيل الذكر لا الحصر فاني أشير فقط إلى بعض عناوين رواياته لتبيين بوضوح اهتمام الروائي بالمكان وتوظيفه التوظيف الذي لا يجعل المكان عنوانا لتوليد الاحداث وانما هو في حد ذاته لا دلالة على انبهار الكاتب بروعة المكان وجماليته فقط. ومن بين الروايات التي احتفل فيها الروائي عبد القادر بن الحاج نصر بالمكان نذكر روايات "قنديل باب المدينة وساحة الطرميل ومقهى الفن وهنشير اليهودية ومملكة باردو وحديقة لكسمبورغ وآخر رواياته غنيمات بعيده ما اجملها "في كل هذه الروايات يحضر المكان بقوة فهو تارة مسقط الرأس وهو تارة مكان الدراسة وهو تارة أخرى المدينة التي عاش فيها الكاتب فترة من عمره وهي كذلك مدينة الأضواء باريس بكل سحرها وجمالها وهي مدينة المهمشين الذين يعيشون على جمع الفضلات منها هي في رواية هنشيراليهودية كما يحضر المكان بقوة في رواية حي باب سويقة .

وحتى لا يضيع الجهد بين تقصي مختلف روايات الكاتب وهي كثيرة فاق عددها العشرين رواية منشورة منذ روايته الاولى "الزيتون لا يموت " وانتهاء بآخر روياته فقد اخترت ان اقتصر في هذا البحث على روايتين فقط من رواياته يحضر فيها المكان بکامل تقنياة وجماله وهما روايتا " مقهى الفن  // وساحة الطرميل " يحفل الروائي عبد القادر بلحاج نصر كثيرا في الروايات والقصص التي يكتبها بالمكان A فهو يعتبر أن الاحتفاء بالمكان في الأدب هو من المقومات الأساسية لكتابة أدب يحمل رسالة ....ولذلك فإنه في روايته الجديدة كما في رواياته السابقة يحتفل كثيرا بالمكان ... تتنوع أحداث الرواية بين قرية تقع في الجنوب التونسي ويرسم لنا الإيماءات والإشارات ونفهم أنها إحدى القرى القريبة من مدينة قفصة وربما تكون بلدة بئر الحفي مسقط رأس الكاتب أو الرقاب أو أي قرية أخرى وباب سويقة أحد الأحياء الشهيرة بتونس العاصمة. أما الزمان في الرواية فهو زمان مفتوح ولكن أحداث الرواية بعضها يدور خلال شهر رمضان باعتبار أن جانبا مهما من الأحداث تكون أجواء شهر رمضان وسهراته مجالا فسيحا له.

أما الشخصيات في هذه الرواية فهي عيسى العزيزي ويوسف العزيزي ابنه والتهامي وابنته خديجة والطاهر بن حمدة وحسونة بن صالح ومحمد الزمزمي ومحبوبة أخت يوسف العزيزي وأخيرا عنبر الراقصة في الخامسة والثلاثين من عمرها ولكل واحد من هذه الشخصيات طموحات وأحلام وانكسارات.

تحرك الشخصيات في فضاء الرواية

الشخصيات الرئيسية في رواية مقهى الفن هي عيسى العزيزي ينتمي إلى عائلة فقيرة شاركت في النضال التحريري ضد المستعمر بالسلاح فاشتهرت بالوطنية يعيش على صدى هذا الماضي، انقطع عن الدراسة قبل سنة من ختم الدروس الثانوية ليشتغل موظفا وقتيا في إحدى المؤسسات الحكومية العمومية إلا أنه يتقاضى أجرة من الاعتمادات المخصصة لعملة الحضائر بحساب أيام العمل التي يقوم بها، وظل هذا الوضع يؤرقه لأنه لا يفتح له أبواب الاطمئنان على المستقبل. أحب خديجة بنت التهامي وأحبته منذ ان كان مراهقا يزاول تعلمه بالمعهد " كان عيسى وهو يمشي يضم القرية كلها إلى صدره بأفراحها وأتراحها بجمالها وقبحها ثم يلفظها تناسقا مع إيقاع أنفاسه .. لقد أحبها حتى الثمالة لكنها لم تعطه شيئا.. الحب ظل صادرا من طرف واحد، والطرف الآخر متحجر يائس يأخذ ولا يعطي". ويرسم لنا الكتاب فرحة عيسى العزيزي يوم شبابه وتسلمه لوظيفته في إحدى المؤسسات العمومية رغم أن هذه الوظيفة لا تساويه بأقرانه ممن التحقوا بوظائف رسمية في أجهزة الدولة " كانت غاية في الجمال عندما أقبل عليه والده يزف إليه بشرى قبوله موظفا وقتيا في إحدى المؤسسات العمومية آنئذ لم يعد يخجل من شعر لحيته ولا من طول قامته آنئذ استطاع أن يمشي فرحا مثل رفاقه الذين وظفوا في التعليم الابتدائي أو التحقوا بمصالح الأمن أو هاجروا إلى ما وراء البحر. لم يحزن كثيرا عندما اكتشف أن الوظيف الذي استلمه محفوف بالغرائب أولها أنه يتقاضى مرتبه من الاعتمادات المخصصة للحضائر وثانيها أن أجره يحتسب باليوم وثالثها أن لفيفا في نفس وضعه الإداري ينتظر التسوية منذ سنوات طويلة. أم الشخصيات الأخرى في الرواية فهي يوسف العزيزي ابن عيسى والتهامي رجل من رجالات القرية المرموقين وخديجة بنت التوهامي وهي فتاة في السابعة عشر من عمرها طرية العود عيناها سوداوان شعرها فاحم شفتاها غليظتان مملكة البدن قليلا تميل إلى الطول أحبت عيسى العزيزي وكذلك بية التي تعشق التوهامي وتحب فيه قامته الشبيهة بشجرة الصفصاف تحب فيه قشرته القمحية المائلة إلى حمرة الرمان تحي فيه كثرة أمواله وتعدد مصادرها، وتحب فيه تذلله على بابها رغم نفور الوالد الوالد الذي قال للخطاب لا ... لأن التوهامي سارق فعلها أمام الملأ واعتز بالخطيئة، مد يده إلى مال الحرام، مخصصات بناء المسجد الجامع، أخذ منها وصرف على توشيح منزله بالرخام الأبيض لكن رغم كل هذه العيوب والمآخذ فإن بية أحبت التوهامي... فقدت السيطرة على مشاعرها وانهارت أمام التوهامي، ورضخت لمشيئته عاطفة ملتهبة فياضة أخذتها من حضن الوالد وسلطان الوالد إلى مملكة التوهامي التي لا تعرف عنها إلا القليل .... ومن الشخصيات المحورية الأخرى في الرواية نجد شخصية الطاهر بن حمدة صاحب العقارات وحسونة بن صالح الذي كان نائبا محترما، عندما يسافر إلى العاصمة يحمله الناس وأصحاب الحاجات مطالبهم، يعد بتلبية رغباتهم لكنه لا يفعل شيئا لفائدتهم ….وهو يحضر الجلسات لكنه لا يتفوه بكلمة يصفق إذا صفقوا يوافق إذا وافقوا ثم يعود إلى القرية منفوش الصدر فيهرع إليه الماس فيطمئنهم لوصول مطالبهم ويحدثهم عن صولاته وجولاته مع رجال الدولة والوزراء لفائدتهم وفائدة القرى المجاورة ولما انتهت مدته النيابية ابتنى قهوة جميلة في زقاق بلطت أرصفته يجلس مع أصحابه في ركن مخصص له بالمقهى يلعبون الورق ويشربون الشاي والقهوة في أواني لا تستعمل إلا له....

هو يشكل مع محمود الزمزمي صاحب المعصرة وطاهر بن حمدة وحسونة بن صالح.. عمالقة الأعمال، وأصحاب رأي.. لا أحد منهم رجل فكر ولكن أهل مبادرة وحزم، الاجتماع على رأي يعني حسم الأمور في الإبان وقضاء الحاجة كما نجد من بين شخصيات الرواية محبوبة أخت يوسف العزيزي وهي في العشرين من عمرها، جميلة جدا، صنع نمها أخوها راقصة لملهى الفن فتحولت بين عشية وضحاها تؤجج النار في القلوب والكل يتحدث عنها وعن جمالها وسحرها ورقصها بعد أن كانت مجرد فتاة منبوذة لا يلتفت إليها أحد... محبوبة كانت لا شيء.. من سقط المتاع.. فتاة منبوذة في منزل قائم على أحد أطراف القرية.. لا أحد يلتفت لها .. أنت.. كيف قفزت من المجهول وتحولت فجأة إسما يتداوله الجميع أسمعت بزوجة قابض البريد التي أصرت على أن تطلق اسم محبوبة على ابنتها التي وضعتها الأسبوع الماضي. ولكن محبوبة التي تحولت فجأة إلى نجمة يبدو أن الماضي ظل يلاحقها.. فهي في نظر المحترمين من سكان القرية : ليست جديرة بالاحترام، ولا يصلح بأن يرتبط بها أو أن تكون زوجة .. هي فقط تصلح للمتعة.. لأنها فتاة قد تعرت. اسمعي يا خديجة : محبوبة كانت تعيش مستورة.. فقيرة.. هذا صحيح.. لكن لا شائبة تشوبها، اليوم على المنصة.. وتعرت.. وامرأة عرت جسدها.. تعرضه على الملأ .. تبتسم للشهقات والآهات.. ليست جديرة بالحياة... وهذا الموقف يستمد شرعيته من النظرة المحافظة لسكان القرية .. فهم فلاحون والشرف عندهم لا يباع ولا يشترى أنا فلاح وتاجر وابن هذه القرية .. وأغلب الأهالي مثلي لا يستسيغون أن تتحول الفتاة إلى مسخ.

ونجد في الرواية شخصية عنبر وهي راقصة في الخامسة والثلاثين من عمرها جاءت من تونس العاصمة إلى القرية لتعلم محبوبة فن الرقص خلال شهر رمضان، ثم تعود لمقهى الفن على ملك عبد الباري صديق التوهامي وعنبر لا يهمها كلام الناس فهي معتزة بعملها ... وهي ليست ابنة القرية.. ولا طامعة في الزواج من أحد أبنائها..

تأثيرات العولمة تلقي بضلالها على أحدث الرواية

قضايا عديدة حاول الكاتب أن يتناولها في هذه الرواية برؤية الفنان المبدع لا المؤرخ المتقصي للحقائق، وأهم القضايا هذه التحولات الاجتماعية والاقتصادية وتأثيراتها على حياة الناس البسطاء وورود أفعالهم وتصرفاتهم فما كان بالأمس يعد من المحرمات ومن الأشياء العادية التي تفرض القيام به نواميس الحياة وشخصيات عبد القادر بلحاج نصر في هذه الرواية الجديدة كما في رواياته

السابقة شخصيات قريبة منا .. نعرفها وتسير الحياة... لبعضها طموحات مشروعة ولبعضها الآخر طموحات وأوهام ولصنف ثالث مشاريع مجهضة وأحلام معلقة.

وفي رواية " مقهى الفن" كما في جل رواياته لا يرسم عبد القادر بلحاج نصر نهايات لأبطال قصصه وشخصيات رواياته ويقول الكاتب يحي محمد وهو احد رفقاء الكاتب في سيرة الكاتب أن عبد القادر بلحاج نصر يكتب كتابة مفتوحة إذ لا يضع نهاية لأي شخصية في نصوصه...

حضور المكان في الرواية

يحتفل عبد القادر بلحاج نصر كثيرا في كتاباته بالمكان كما أسلفنا رغم أنه لا يعري هذا المكان ولكنه يترك للقارئ حرية تصوره وتحديده كما في رواية الحال حيث تدور الأحداث في إحدى قرى الجنوب التونسي ويكثف الكاتب من الإشارات والإيماءات التي تدل القارئ على هذا المكان.

"وقف بجانب الحنفية العمومية.. الماء النازل من الصنابير الثلاثة هو الوحيد الذي يتنفس في هذا الجزء الأخير من الليل.. الساقية الصغيرة التي تجمع على أطرافها الطين الأسود المبلل والحاضنة للماء تسيره حتى بساتين الزيتون واللوز والكروم هي الصفحة الناصعة الباقية من الأيام الماضية مرآة عاكسة يقف أمامها كل القرويين عندما تسمح المشاغل للسفر في الماضي... الساقية تعكس صورا بين مثيرة وجميلة ورائعة ومحزنة.. صورا مطوية في كيان عيسى بعضها مما شاهد وعايش وبعضها استحضروها أمامه فظلت مرسومة راسخة كحكايات الجدات على سرير النوم.

ساحة الطرميل أو الوفاء للمكان

ويتضح وفاء الروائي عبد القادر بن الحاج نصر للمكان في أكثر من رواية من روايته ويتجلى كأبهى ما يكون في رواية ساحة الطرميل التي تقع في نحو280  صفحة من القطع المتوسط وكذلك في روايته قنديل باب المدينة.

وجاءت رواية " ساحة الطرميل" لتشكل إضافة مهمة جدا في رصيد هذا الكاتب وتؤكد مكانته ككاتب رواية مرموق لا فقط في تونس وإنما في الوطن العربي وتشكل روايته الجديدة " ساحة الطرميل" مع سابقتيها " مقهى الفن" و " قنديل باب المدينة ثلاثية متميزة على غرار ثلاثية الكاتب المصري نجيب محفوظ أو بعض الثلاثيات الأخرى المشهورة في الوطن العربي... ولئن تباعدت المناخات والأماكن بالنسبة لكل واحدة من الروايات الثلاث، فإنها تلتقي في تقارب الزمان

وتشابك الأحداث وتصاعدها وفي وحدة المكان....

تدور أحداث " ساحة الطرميل" في إحدى مدن الجنوب التونسي وتحيدا بمدينة قفصة" التي عاش فيها الكاتب جانبا من صباه وشبابه تلميذا بمعاهدها الثانوية وتردد عليها بعد ذلك فكانت تشده عديد المواقع والأماكن والأحياء المشهورة بهذه المدينة... بل أن عنوان الرواية نفسها يرمز إلى أحد المعالم القديمة الشهيرة في مدينة " قفصة" وهو الطرميل الذي هو حمام روماني شعبي تتدفق منه المياه الحارة، ويقصده العامة للاستحمام المجاني، والتمتع بحرارة مياهه، ومدينة قفصة وبعض المدن الأخرى القريبة منها وخصوصا مسقط رأس الكاتب بلدة بئر الحفي كانت الإطار المكاني الذي دارت فيه أحداث الرواية السابقة " مقهى الفن حيث تدور الأحداث بين مدينتين إحداهما في الجنوب التونسي وقد تكون هي بلدة الحفي أو قفصة وأحد الأحياء السكنية الشهيرة في العاصمة التونسية وهو باب سويقة ... أما في روايته الجديدة ساحة الطرميل فإن الكاتب يقصر الأحداث كلها على ميدنة قفصة وأحيائها وأزقتها وشوارعها ومعالمها التاريخية... مثل ساحة الطرميل ووادي الباي ووادي بياش والواحة والعسالة والدوالي وغيرها من الأحياء الشهيرة في مدينة قفصة، وهذا ما يجسم احتفال الكاتب في هذه الرواية الجديدة بالمكان باعتباره مصدر للأحداث أيضا.... والكاتب عبد القادر بلحاج نصر، كاتب يحتفل كثيرا بالمكان في أعماله الروائية خصوصا ... ونلاحظ هذا الاحتفال في رواياته " مقهى الفن" و " قنديل باب المدينة" و " الزيتون لا يموت خصوصا وهو في هذا الاحتفال بالمكان في روايته يجعلنا نكتشف جمالية المكان من جديد.. وعلى قدر احتفال الكاتب بالمكان فإنه لا يهمل الزمان، بل يجعلهما متزاوجان إلى حد أنه يصعب عليك أن تفرق بين حدود كل واحد منهما ... ففي رواية ساحة الطرميل التي نحن بصددها الزمان هو زمان قريب من ذاكرة القارئ ونفهم من خلال سياق الأحداث أن زمن الرواية هو زمن قريب جدا وقد يكون الحرب الأخيرة على العراق وتأثيراتها ... فإذا كانت رواية مقهى الفن تتناول أحداث حرب الخليج الثانية فإن رواية " ساحة الطرميل" تتناول الحرب على العراق وسقوط مدينة بغداد.

يستدعي الكاتب في هذه الرواية أسماء ورموزا من التاريخ الحديث... ويختار أسماء ورموزا من الجهة نفسها لها مكانتها في الذاكرة الشعبية مثل المقاوم البشير بن سديرة الذي له مكانة كبيرة في الذاكرة الشعبية، ويحسن الكاتب توظيف هذه الرموز في سياق أحداث الرواية يقول في إحدى فقرات الرواية : مرة واحدة بكت نساء قفصة، أغتيل البشير بن سديرة عشرات السنين أكلت بعضها، توالدت كالأمواج من الأمواج، ثم انهارت السماء على دجلة والفرات, الحرائق اشتعلت تعطلت الحنفيات مياه كل البحار لا تطفئ اللهيب في الصدور وادي بياش من الحاشية إلى الحاشية رمل حارق كثبان من التراب والحصى صحار صغيرة آخذة في التراجع، أنظر على مدى البصر قطيع الإبل تخيط الأرض ركضا شارداً ليس هناك غير الرغاء والخيط على الأرض".

دلالات للمكان في روايات عبد القادر من الحاج نصر.

تتضح من خلال ما أسلفنا ذكره من أمثلة عن حضور المكان في روايات عبد القادر بن الحاج نصر ان للمكان دلالات كثيرة فی أعمال هذا الكاتب، وأولى و هذه الدلالات أن المكان عند الكاتب هو الوفاء لمسقط الرأس، قرية بئر الحفي الجميلة مثلما تتضح ذلك في رواته مقهى الفن وكذلك الوفاء للمدينة التي  درس فيها الكاتب و تنضح ذلك في رواته الساحة الطربيل وساحة الطرميل. كما نعلم جميعا معلم اثري به واقعه سالمين الساخن بمدينة قفصة، ويكثر الكاتب من ذكر الامثلة الدالة على وقائه للمكان في أغلب رواياته مثل قفصة ووادي بياس و بئر الحفي وباب سويقة الذي يحفل في رمضان بالوان مختلفة من ونجد ذلك خاصة في رواية  مقهى الفن، رواية قنديل باب المدينة والتي اعتبرها شخصا اتقل أعمل هذه الروائي المبدع فإن الوفاء هنا  للمدينة الى كبر في أكثر من موقع.

وقد صاحية هذه  لمسة الكاتب في أغلب  رواياته وآخرها روايته هنشير اليهودية المكان المعدوم لدى الجميع في كوس والذي يعالج فيها قضايا المعنيين و كذلك في روايته

ونجده أيضا في اولى رواياته وهي رواية الزيتون لا يموت الروائي عبد القادر بن الحج نصر يجعل من  المكان اطار لتولية الاحداث و المكان عنده فضاء متحرك وليس فضاء جامدا .

_____________

محمود حرشاني كاتب البحث

كاتب وصحافي اول تونسي. صدرت له عديد الكتب واربع روايات منشورة وروايات لليافعين وقصص للاطفال وكتب في ادب السيرة والمذكرات

**هذا البحث تم نشره في كتاب جماعي من اصدارات بيت الرواية بتونس .ديسمبر 2024 بعنوان // الرواية والذاكرة /340 صفحة








مراجع البحث و مستنداته :

1- أ- د صفاء ابراهيم العلوي بحث لعنوان جمالية المكان في الرواية - منشور موقع الوطنى

19 ماي 2019

2- رضا عطيه -اسکندر - دراسته بعنوان " الرواية العربية في المكان الاخر كتاب صادر عن الهيئة العامة المصرية للكتاب سنة 2002

3- عليوي الدرعي كاتب ومدرب كتابه . بحث بعنوان.  المكان الروائي ، كيف يؤثر المكان على الشخصيات منشور على الأنترانت

4- المكان ودلالات فى الرواية المغاربية المعاصرة بحت لیل درجه الدكتوراه اعداد الطالبة الجزائرية عجوج فاطمة الزهراء التابع (2017-2018)

منشور على الأنترانت .

5- محمود حرشاني قراءة في رواية مقهى الفن للكاتب و الروائي عبد القادر بن حاج نصر بحث مخطوط.

6- ساحة الطراميل إضافة للروائي عبد القادر بن الحاج نصر مجلة العربي محمود الحرشاني لرسالة تونس.

7- رواية ساحة الطرميل سنة النشر 2004 ط 1

8- رواية مقهى الفن عدد الصفاحات 295 تاريخ النشر 2002 ط 1

9- رواية قنديل باب المدينة ط ج سنة 2008 237 صفحة

10- رواية حي باب سويقة سنة النشر 2008. 505 ص ط 1

11- مملكة باردو تاريخ النشر 2010 ط 1

12- الزيتون لا يموت ط 1 سنة 1969

13- عبد القادر بن الحاج نصر روائي وسيناريست وكاتب مسرحي وقصصي م مواليد بئر الحفي في 24/03/1946


0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم