يبدو العنوان في ظاهره جامعا بين عنصرين متباعدين للقارئ المتعجّل فما علاقة عنوان رواية للكاتب أحمد مال [1] بكعك المادلين الفرنسي .العلاقة مكينة نظرا لارتباط المادلين بكتابة مارسيل بروست أديب الذاكرة والتذكر حتى أضحى كل نص يعتمد التذكر نسمه ب" مادلين مارسيل بروست " إذ قامت رواية الحب في رقادة على تقنية التذكر غير أنّ " لفظ ذاكرة كما يؤكد سيرج نـيكولا (Serge Nikola) من بين الألفاظ التي يؤدّي الامتدادُ الشّاسعُ لحقلها الدّلاليّ إلى سُوء الفهم " ابحثوا في العديد من القواميس العامّة والفلسفيّة أو السّيكولوجيّة وقارنوا بين التّعريفات المُقدّمة وستجدُون أن أكثر الدّلالات تنوُّعًا ذات صلة بهذا اللّفظ "[2].

كما أنّ الكتابة تقييدٌ للذّاكرة وتدقيقٌ لهذا النّشاط وإعادة ترتيبهِ وتحويلهٍ من مخزُونٍ في الذّاكرة إلى مخطُوط على الورق. وبين النّشاطين اختلافاتٌ جمّةٌ. فكتابة الذّاكرة تحويلٌ من المُطلق إلى المُقيّد، ومن عفو البديهة إلى كدّ الرّويّة، من الطّبيعة إلى الفنّ إلى الكتابة والتّرتيب والتّنظيم والتّبويب.

فكيف كانت كتابة الذّاكرة في الحب في رقادة لأحمد مال ؟

وما هي الأبعاد الدّلالية والمضمُونيّة لعمليّة الكتابة خاصّة عند ارتباطها بمسألة التثّبيت والتّقييد وانفتاح مجال البحث على ذاكرات وليس ذاكرة ؟.

المادلين ذاكرة المشاعرومشاعر الذاكرة: 

ولعــــــــــلَّ مرســــــال ( Marcel Proust ) فـــــي « البحث عن الزَّمن الضّائع « قد عبّر عن هذا الشُّعُور وعن سعيه لتحويل الذّكريات إلى مادّة قصصيّة وأعمالٍ فنّيةٍ إبداعيّةٍ جعلَ منها موضُوعًا للكتابة والتّأمّل يقُولُ : " وأرسلتْ تطلبُ واحدةً من هذه الحلوى الصّغيرة المُنفّخة المُسمّاة بقطع " المادلين " الصّغيرة والتي تبدُو وكأنَّها تقولبتْ في مصراعي صَدَفَةٍ مُحزّزة ٍ. ورفعتُ إلى شفتيّ بعد قليلٍ على نحو آليٍّ ، وقد أرهقني النّهار الكئيبُ وارتقابُ الغد الحزين ، مِلعقة من الشّاي الذي تركتُ قطعة من الحلوى تلينُ فيه . ولكنّي ارتعشتُ في اللّحظة نفسها التي لامست فيها الجُرعةَ الممزُوجة بفُتات الحلوى حلقي وأنا متنبّهٌ لما كان يجري فيّ من أمر خارقٍ. لقد اجتاحتني لذّةٌ حُلوةٌ مفردةٌ مجرّدةٌ من فكرة سببها . وجعلت تقلُّبات الحياة في الحال غير ذاتِ بالٍ وكوارثها عديمة الأذى وقصرها وهميّا وملأني مثلما يفعل الحُبُّ بجوهر ثمينٍ : والأحرى أن هذا الجوهرَ لم يكُن فيَّ بل كان أنا نفسي. فلم أعُد أشعرُ بأنّي شيءٌ هيّنٌ وعارضٌ وفانٍ.فمنْ أين استطاعتْ هذه الفرحةُ العارمةُ أن تأتيني؟ لقد أحسستُ أنّها مُرتبطةٌ بطعم الشّاي والحلوى ولكنّها تجاوزه إلى مالا حُدود " [3] هكذا تتحوّلُ الذِّكرياتُ إلى نُصُوصٍ تقفُ حاجزاً ضدّ النّسيان والبَلى. فتكتسبُ نفسا جماليّا يتقاسمُ فيه الكاتبُ ذكرياته مع الآخرين ويلتقطُ لحظاتٍ هاربةً من الزّمن بأحاسيسها ومشاعرها التي تفيضُ مع الورق حبرا يُكتبُ بماء الحياة. مُنذ الطُّفولة الحالمة واندفاعاتِ الشَّباب واحتراسِ الكُهُولةِ .

تنثال الذكريات و تمتدُّ في الحب في رقادة لتصنعَ حياتها الخاصَّة نُصُوصًا تنسكبُ فيها الذّكرياتُ مع المشاعرِ ويسعى الكاتب إلى التقاطها وإعادة صياغتها من جديدٍ صياغةً فنّيةً جماليّةً تنسجمُ مع الذّات، ولا تفقدُ بريقها ووهجها تلك مواطنُ الفنّ في كتابة الذّاكرة عند أحمد مال يقول في بداية الرواية . " استحضرت صورتها ذات شتاء آخر ففي أواخر ديسمير من 1994 حلّت ضيفة عليهم بريفهم البلقع ’ وعرضت عليه حياة ابتدآها برقادة ...احتضنها بعينين أضناهما الشّوق إلى وجهها .....كان ينوس بين صورة ليلى المراسلة التلفزيونية آنيا وصورتها طالبة بكلية الآداب رقاّدة" [4] .

هكذا ترتسم ملامح الزمن في النص باعتماد التركيب بين زمنين أو أكثر زمن الحاضر حاضر الأحداث وهو زمن بداية الثورة الذي تفتتح به الرواية في فصلها الأول " بن علي هرب ..بن علي هرب " أي سنة 2010 وزمن الحياة الطلابية منذ سنة /1994 1993وهي سنة التخرج وخوض التجربة وزمن الكتابة ما بعد الثورة ( إذا اعتمدنا زمن النشر 2019) يبدو الزمن مركبا محكوم أساسا بأوبة إلى الماضي فالزمن يسير باعتماد الاسترجاع من 2010 إلى 1993 .فليست تخلو الرواية من إشارات زمنية واضحة تعود إلى قرون مضت وسنوات خلت من قبيل " أنا أيضا حالة نفسية ففي سنة 1870عاش جده أول تجربة حب ....وفي 1908نكب ابنه وجدانيّا .وفي 1973عصف حظ عاثر بتجربة حفيده العاطفية "[5].

كتابة الذاكرة أم كتابة التاريخ ؟ 

فالتواريخ واضحة في النص تشده إلى جذوره الواقعية لتطرح علاقة الرواية بالتاريخ خاصة وأن النص لم يكتف بالشخصي واليومي وإنما انفتح على الشواغل الوطنية والقومية فقد مثلت الرواية كذلك فضاء خصبا لطرح قضايا وطنية وقومية من خلال الحوار الذي كشف ميول الشخصيات من قبيل ما دار بين السارد وزميلته " تملك تونس أربعة ملايين نخلة منتجة ولو كانت السياسة التنموية صادرة عن إرادة صادقة لحقق ميزانها التجاري توازنا قد ينجينا من استجداء قروض من مؤسسات دولية مالية بفضل التمور فقط " [6] بل ينفتح النص على القومي ليطرح قضايا العروبة والقومية ويشير إلى الجرح الفلسطيني يصل إلى درجة استحضار شعارات كانت تصدح بها حناجر الطلبة في الثمانينات في المظاهرات من قبيل " فلسطين عربية لا حلول استسلامية " ...علما تونس وفلسطين بينكما وبشمالك ذكّرتني بالاجتياح الصهيوني لبيروت وانتقال القيادة الفلسطينية إلى تونس عام 1982" [7]

ينفتح النص على الواقعي ويجعل من النص مَجَالاً خِصْبًا رصد من خلاله الكاتب التّحوُّلات الاجتماعيّة والسّياسيّة والثّقافية التي ألمّت بالمجتمع العربي وبالفضاء المغاربي والتونسي تحديدا ،من الاستعمار ومخلَّفاته الاقتصاديَّة والثّقافيَّة ،مُرُورًا بالقضيَّة الفلسطينيّة وصُولاً إلى قضايا الهُويّة والصّراع العالمي للسّيْطَرَةِ على النفط ، وغيرِه من القضايا الكُبرى مثَّلت جانبا مركزيًّا جعلت من النص تجربة خِصْبَةً ومُتنَوِّعَة مثّلت دراستُها عملا مُلحّا يطرح علاقة الرّواية بالواقع وبالمرجع وبالقضايا الحارقة التي تهُز المجتمع وتؤثّر في واقع الشُّعوب ومصائرها .

ويطرح بإلحاح إشكالية الكتابة والتاريخ في استحضار واضح للتواريخ والفضاءات الواقعية أو على الأقل ذات المنحى المرجعي إذ لا يدّعي هذا الكتاب أنّه " تأريخ " إذ نجد مؤشرا أجناسيا واضحا في الغلاف " رواية " ما يوضح العقد القرائي أو العقد السردي الذي يقدم النص على اعتبار أنه رواية أو هكذا اختار صاحبها أن يقدمها .ولكنه كتاب لم ينفِ عن نفسه التأريخ بدليل اعتماده بالوقائع والأرقام والسنوات على أحداث تاريخية لعل أهمها زمن بداية الأحداث بهروب بنعلي من تونس أي 14 جانفي 2010...

أي أنه بشكل من الأشكال كتابة للتّاريخ بغير الوقائع والأرقام ولكنّه ليس تاريخا قديما تمتدّ فيه المسافة الزمنيّة إلى آلاف السّنين إنما هو تاريخ قريب وبتعبير سعيد يقطين في قضايا الرواية العربية المعاصرة " رواية تاريخيّة للحاضر " وكأنّ القارئ كلّما بعُدت المسافة بين زمن كتابة النّص وزمن الأحداث كُلّمَا كان مطمئنّا لإدراج نصه ضمن التاريخي وكلّما اقتربت وتقلصت دخله الضيم والاضطراب في تصنيف الكتاب وهو ما " دفع بالرّوائي مالرو إلى صياغة مفهوم " الرواية التاريخيّة المعاصرة " للدّلالة على الروايات التاريخيّة التي تستمدّ مادّتها الحكائيّة من العصر الذي تتناوله وتكون المسافة الزمانية فيه مقدّرة

بسنوات معدودات[8] .

المهم أن الشّخصيات والأحداث قد وقعت فعلا أو هكذا أراد السارد أن يصور لنا .... " فالفضاءات مرجعية واضحة مغرقة في الخصوصية فضاء كلية الآداب والعلم الإنسانية برقادة ..والأزمنة الرئيسية والفرعية محددة لأحداث دقيقة بداية التسعينات والأمثلة في النص كثيرة ومتنوعة .

وهو ما يطرح العلاقة بين الكتابة والتاريخ ويُحيلُ على مسألة الرّواية والتّاريخ والعلاقة بين من يكتبُ التّاريخ ومن يكتب رواية ذات مرجعيّات تاريخيّة فحتّى المؤرّخ وهو يكتب عن الماضي " ويؤّرخُ لأحداث الماضي لا يستطيع أن يتجرّد كُلّيا من مشاغلِ أهل زمانه ولا أن يُفكّر خارج حُدود مرجعيّاته الرّاهنة ،لذلك فإنّ الاختياراتِ والمواقفَ عادة ما تكُون مصبُوغة بألوان الحاضر مُعبّرة عن مشكلاته العميقة ... إنّ الاعتقاد بأنّ الماضي يمكنه أنْ يَحُلّ في الخطاب التّاريخيِّ حُلولاً ، وأنّ المرجعيّة التّاريخيّة تصبو إلى تأسيس صُورة مُطابقة للماضي الذي كـان ، لا يعدُو أن يكُون مُجرّد رهانٍ أو سمةٍ خلافيّة يُمـكنُ أن نُميّز بواسطــــــــتها بين أنـظمة إحاليّة مُختــــلفةٍ ، كتمييزنا هُنا خاصّة بين المرجعيّة التَّخييليّة الصِّرف ، المُتحلّلة مبدئيّا من نَمط الإحالة المُقيّدة أو المشرُوطة بوُجُود مُحالٍ عليه واقعيّ ، والمرجعيّة التّاريخيّة التي تستمدُّ مشروعيّتها خلافا لذلك ، من توفّر هذا الشّرط خاصّة وبناءً عليه " [9] . ليكشِفَ مأزقَ الكِتابَةِ وتعرُّجاتها، وصراعَ الذَّاكِرة بينَ الواقعِّي والمُتخيِّل.. ..فــــ" التّاريخُ هو شكلٌ من أشكال المعرفة من خلال العلاقة التي يُقيمها بين التّجربة التي عاشها أُناس في أزمنة أُخرى وبين المُؤرّخ في الوقت الحاضر "[10]

خاصة وأن النص يقوم أساسا على تذكر حكاية عشق زمن الطلابي فالإشكال " لا يكمُنُ في ما يستحضرهُ الكاتبُ من صُورٍ وأحداث من الماضي، وإنّما في تلك المشاعر من الغبطة العارمة التي تجتاحه فتنسكب على الورق حنينا ووجدا.

يتساءل بروست كيف ينقلُ للقارئ نشوةً لم يشعُر بها؟ لذلك فإنّ الذّاكرة لا تأتي بمُفردها وإنّما تحضُرُ ومعها فيض من المشاعرِ والأحاسيس، تتحوّلُ بمُقتضاه إلى كتابة تنهلُ من الماضي لا صُوره وأحداثهُ فحسبُ. وإنّما تسحبُ معها ما استبدّ بالذّات الكاتبة من أحاسيس ومشاعر هي وشمُ الماضي وقد تلبّست به أحاسيس وذكريات كأنّها تُعاشُ من جديد تحنانا ووجدا عارما يفيضُ كتابة وإبداعا تنشدُ الذّكرى الهاربة من الزّمن وتثبتها نصّا إبداعيّا وجماليّا ينقلُ تلك المشاعرِ عن طريق الأسلوب والخصائص الفنِّية المُميِّزة التي تجعل من الذّكريات رحما خصبا يمدّ النّص المنشود بما يحتاجه من صُور وأحاسيس يتغذّى بها ليصلَ بعد مخاضٍ عسيرٍ نصًّا مُكتملاً يحملُ ملامحَ صاحِبِهِ ،ولا ينقلُ الواقعَ نقلاً مرآويًّا ساذجًا يسقط في المحاكاة المقيتة . يقول " الغرفة سجن وقلبه سجن ومضى اليوم بطيئا وتألم كثيرا لبقاء نافذة ليلى مغلقة ..واستعان على الوقت والملل بمذياع تابع من خلال أخبار تونس والعالم ..كانت اتفاقية أوسلو قد وُقّعت منذ خمسة أيام وتحديدا يوم 13ديسمبر 1993" ومنذ البداية اعتبرها يوسف سايكس بيكو جديدة وضربة قاسمة لفلسطين " [11].

فكتابةُ الذّاكرة ترتبطُ بتحويل هذه الذّكريات على تشعُّبِ مصادرها واختلافِ وجهاتِ النّظرِ والتَّصوُّرات في تحديد طبيعتها إلى عملٍ فنّي ، إلى كتابة إبداعيّةٍ تتحوَّلُ إثر اكتمالها مُنجزًا فنّيا .ومن ثُمّ تتحوّلُ إلى قراءةٍ تفضَحُ الذّات، وتسمُ النّص بميسمِها ،وهو ما يُفسِحُ المجال لتعدُّدِ القراءات وتشابُكِ التّأويلات. ألا يُمكنُ أنْ نتحّدثَ عن قراءةِ الذّاكرة ؟ أو الذاكرات بالجمع مع تعدّد القراءات .

فلا النّص يُعيد نصّا ولا القراءة تُعيدُ قراءة لأنَّ القارئ هو الذي يُكسبُ النّص معناه ويبعث فيه الحياة. غير أن الكتابة عملٌ تحريضيٌّ لا يُحقّق ُ اكتمال الذّات، فالنّص أشبهُ "بريحٍ تهُبّ لكيْ تهُبَّ لذاتها لا شيء يعنيها سوى إيقاعها "[12]. ذلك أن الكتابة عملٌ تحريضي ضدّ الآخر وضدّ الذات لأنّهما مُجرد ذريعة. فالذّاكرة تفنى بفناء أصحابها ولكنّ الكتابة تُسيّجُ هذه الذِّكريات وتنتشلُها من براثن النّسيان قصرا بل إنّ الكتابة ليست في حقيقة الأمر سوى "بحث عن الزّمن الضّائع "بتعبير برُوست هي البحثُ عمّا ضاع من الكيان بفعل مُضادّ للذات تتكسّر حدودُها وظروفها على أنصالها لأنها عملٌ انتقائي يصطفي و يتنخّل ما يُعتقد أنه يُمثِّلُ الذّات غير أنّ الكاتبَ في الحقيقةِ لا يَكتبُ ذاتَهُ بقدر ما يكتبُ غيره أو ما ضاع منهُ في غياهب النّسيانِ .إذ ْتسعى الكتابةُ إلى ما هو منقوصٌ ومبتورٌ من هذه الذاّت لتُكمّلهُ عبر الكتابة . فذواتُنا ليست الحاضرَ المادّيَّ فحسبُ. وإنّما هي الماضي بترسُّباتهِ بآمالهِ وآلامهِ واندفاعاتهِ والمُستقبل بهواجسهِ وأحلامه. ذلك أنّ الإنسان كما يقول هيدغير (Martin Heidegger) كائنٌ متعدّدُ الأبعاد يُسقِطُ المُستقبل في الحاضرِ ويُدمجُ الحاضرَ بالماضي " فليست الزَّمانيّة ذاتَها ، والتي ماهي إلاّ تزمُّنُ ما كان والحاضر والمُستقبل ، وخاصّيتها التي تُميّزُها عن التّصوّر الشّائع للزّمان ،هي أنّ الزَّمانيّة ماهويّة تجاذُبيّة ، فهو يُسمِّي الظّواهر التي تصفُ المُستقبل وماكان والحاضرَ تجاذُبيّة زمانيّة " أيْ أنَّها تجذِبُ ماكان والحاضر والمُستقبل في وحدة واحدةٍ، ومن ثُمَّ لا يكُونُ هُناك ماض ٍ مُنقضٍ ومُستقبل غائب وحاضر مُستغرق فيه بوصفه الزّمان الكائن على الأصالة وما عداه فلا وُجُود له إماّ لأنّهُ لم يعُد موجُودا ( الماضي) ، أو لأنّه ُ لم يأت بعد (المُستقبل ) "[13]

وهذا التّداخلُ يجعلُ من فعل الكِتابة وهو فعلٌ حاضرٌ ينشدُّ إلى الماضي أثناءَ عمليّة التّذكّر. ويرسم ملامح المستقبل عبر آمال الذّات الكاتبة ، آلا مها وأحلامها. هذا التَّداخُلُ هو الذي يسم الذّات " الكاتبة / المُتذكِّرة " لحظة الخلقِ والإنشاءِ بالتّعدُّد و التّشظّي فللّتذكرِ ظُروفُهُ وشروطُهُ كما أنّ للكتابةِ مراسمَها وأحكامَها حيثُ تتشظّي الذاّت الكاتبةُ بين كتابةٍ لها مُقتضياتُها وآليّاتُها وخصائصُها، وذاكرة لها أحكامُها وانفعالاتُه.

في سبيل الخاتمة .

تبدو رواية الحب في رقّادة رغم ارتباطها ظاهريا بتجربة عشق شخصية تعيدُ إلى الذّاكرة ثنائيّات مطردة في الوجدان الجمعي وفي نصوص سابقة قيس وليلى وعنتر وعبلة وجميل بثينة وصولا إلى النسخة التونسية في المسرح " المكي وزكية " لترسم ثنائية جديدة يوسف وليلى أو ربما أيوب فالشخصيتان تتصاديان ويتداخل بينهما الصوت والصدى وهي لعبة سردية لا يتسع المقام لتحليلها .فإن النص يتخذ من الفضاء الطلابي الكلية والمطعم والمبيت الطّلابي مجالا خصبا ليكشف التحولات الاجتماعية والسياسية التي ألمت بالمجتمع التونسي ويرسم تطلعات الطلبة من جيل السبعينات وأحلامهم الشخصية الصغيرة الزواج والعمل ليعانق الحلم الأكبر تحرير فلسطين وتحقيق الاستقلال الاقتصادي والرفاه بنبرة شعرية حالمة تتخذ من العشق تيمة ثابتة تشد أوصال النص وتعيده إلى قطب الرحى مهما تطوحت به السبل لترسم ملامح تجربة سردية واعدة بكل جميل وشيق .



[1] من مواليد الدوارة أم العرائس أستاذ مميز أول تعليم ثانوي بالمعاهد التونسية خريج كلية الآداب والعلوم الإنسانية برقادة القيروان حامل ما جستير بحث من كلية الآداب صفاقس له مجموعة قصصية بعنوان حكايات هذه الربوع ومجاميع شعرية وقصصية مخطوطات في انتظار النشر .

[2] :ميري ورنوك، الذّاكرة في الفلسفة والأدب، ص5.

[3] : مارسيل بروست، البحث عن الزّمن المفقُود ترجمة : إلياس بديوي الجزء الأول جانب منزل سوان، القاهرة، دار شرقيّات للنّشر والتّوزيع ،1998 ، ص 113.

:الحب في رقادة ص ..10.11[4]

:المصدر ص 25 [5]

:الرواية ص 93[6]

:المصدر ص97.[7]

[8] : سعيد يقطين ، قضايا الرواية العربية الجديدة، بيروت ، الرباط ، الجزائر ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، منشورات الاختلاف دار الأمان 2012ص 160


[9] :جليلة الطريطر، مُقوّمات السيرة الذّاتيّة في الأدب العربي الحديث ( بحثٌ في المرجعيّات). 207/.212

[10]: بول ريكور ، الزمان السرد ، الحبكة والسّرد التّاريخيّ ، ترجمة فلاّح رحيم وسعيد الغانمي، بيروت ، دار الكتب الجديدة المتّحدة ص158،159 2006ص ج 1

[11] :المصدر ص48.

[12] : محمود درويش مجلة الكرمل العدد 17 ص8. وقد كتب محمود درويش عن علاقة الذّاكرة باغتراب الشّعب الفلسطيني بنبرة شعريّة طافحة في كتابه ذاكرة النّسيان يقول :" يُطالبُ هؤلاء الذين ألقت بهم أمواج النّسيان على ساحل بيروت أن يشذّوا عن قاعدة الطّبيعة البشريّة ؟ لمَ يُطالبون بهذا القدر من النّسيان ؟ ومن هو القادرُ على تركيب ذاكرة جديدة لهم لا مُحتوى لها غير ظلٍّ مكسور لحياة بعيدة في وعاء من صفيح صارخٍ ؟ أهناك ما يكفي من النّسيان كي ينسوا ؟ من سيساعدهم على النّسيان في هذا القهر الذي لا يتوقف عن تذكيرهم باغترابهم في عن المكان والمجتمع ؟" درويش : ذاكرة النسيان ، رام الله ، منشورات وزارة الثّقافة ،1997،ص20/12.

[13]: جمال محمد أحمد سليمان الزّمان بوصفه تزمّن الزمانيّة ، رسالة ماجستير في الفلسفة مخطوط، آداب القاهرة أبريل، 2002 .

يمُكن العودة كذلك إلى كتاب الكينونة والزّمن لـهايدقير ترجمة فتحي المسكيني بيروت ، دار الكتاب الجديد المتحدة ، 2012 .

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم