تتمحور رواية عشبة ضارة في الفردوس  للكاتب السوري هيثم حسين  حول علاقة الشخصية الكردية بعالم السوق. أغلب شخوص الرواية أكراد عالقين في عالم السوق و يسعوون دائما  وراء الربح المادي . رغم جهل بعضهم  بقانون السوق،  يركضون وراء اغواء الصفقات دون ان يفكروا في   النتائج التي حتما لا تخدم المواطن الكردي الذي يعيش في الهامش . و يصعب  أن يكون الحلقة الاقوى  في سلسلة  من يديرون السوق. قبول الدخول في عالم السوق يؤدي بهم الى تحمل نتائج قانونها و هي  اما الربح أو الخسارة . و طبعا قانون السوق  يجعل من الصفقات تخلف وراءها ضررا لصاحبها أو لغيره من الاكراد. تصوير الشخوص في الرواية أظهر أنهم  اشخاص جشعين يسعون وراء مصالحهم المادية و غير واعين أن سحبهم للسوق ليس الا شرك يزيد في تهميشهم و تشتيتهم ، «يجب ان نبقي البوصلة بيدنا، و ان نوهمهم بانهم يتحكمون بزمام اللعبة ليتفنن بعضهم في ايذاء بعض». عوضا عن الاهتمام بقضيتهم و احياء تاريخهم و ثقافتهم و حمايتها من الاندثار ،  لا يكترثون لما يلحقهم من تهميش ثقافي و اقتصادي. و ارتكز هيثم حسين في  روايته عشبة ضارة في الفردوس على اعتماد شخوص  لا تؤسس  لمشروع ثقافي ووطني  يمكن أن يغير حياة الأكراد للأحسن . كما يرى ويلهلم ريتش ان اللأرواح الخاوية  لا تشرب الأفكار العظيمة لتغير العالم لللأفضل.  و في الآن ذاته، وضع المفكرين في خلفية الرواية .اذ وقع الاشارة الى الكتاب و المفكرين  و الشعراء ، تقريبا،  مرتين فقط  على كامل الرواية. وو ضع في المقدمة شخوص تافهة و عديمة الأهمية .  عادة ما ، تهيمن  الشخصيات المبتذلة و التافهة  و تغطي على حضور المثقف و المفكر . يقول رينيه شار: «دائما ،يهدد التافه الجوهري».  و قد التقطت طعم  السوق ، عن وعي و غير وعي ، لتصبح مثل دمية تحركها أيدي خفية لا تعلم كل أهدافها. هوس الاكراد بعالم السوق يزيد شتاتهم و ضعفهم. لا تربط بينهم علاقات انسانية او هموم ثقافية تجمعم و تجعلهم اقوياء بوحدتهم.   كأنهم غرباء مختلفين في العرق و اللغة و  جلبوا من عدة أماكن و  جمعوا رغما عنهم في البلدة أو المنارة. كما أنهم لا يختلفون عن بعضهم البعض . لا يجد القارىء أي اختلاف قيمي أو أخلاقي كبير  بين هذه الشخوص ليميز بينهم. و هذا ما يفسر عدم وجود شخصية رئيسية للرواية تجعلها أهم من غيرها من الشخوص . تشكلت صورة الشخصية الكردية و علاقتها بالسوق في   عشبة ضارة في الفردوس    عبر استحضار أحداث و شخوص عرفتهم  منجونة ،الراوية ،في البلدة و المنارة وهي في طريقها إلى الغرق . و   طغت  تقنية الارتجاع الفني flashback على كامل أجزاء الرواية .   بعض الأحداث لم تكن  تماما حقيقية كما وقعت . و إنما أضافت منجونة الراوية إلى تلك الأحداث و الشخوص تفاصيل جديدة ابتدعتها مخيلتها . فهي كما يقول فرناندو بيسوا  :« يحلو لي التلاعب بالكلمات» . و استندت منجونة لحياكة  قصتها  على التخييل و استرجاع الاحداث و ملامح الشخوص الكردية و علاقتهم بالسوق لأغلب الشخوص الذين طفوا على سطح ذاكرتها . و تصير بذلك الرواية عبارة عن قصة داخل القصة Story within a story   .  تحمل منجونة  وظيفة الراوي و صانع الحكاية في آن واحد .فهي تسرد وتبني الحكاية  عن طريق تفاصيل جديدة  لأحداث وقعت في بلدة الاكراد و في المنارة و كانت شاهدة ،  »   اعود الى تخيل الاعترافات و بناء صروح حكاياتي على اساسها » . و الجزء التخييلي الذي خلقته الراوية لم يكن متناقضا مع الأحداث و صفات و ميزات الشخوص الحقيقية التي تعرفها.  قارىء الرواية يلمس التماهي و التناغم بين الحقيقي و التخييلي و ذلك للمعرفة الدقيقة لمنجونة بحياة الاكراد العالق في  عالم السوق . دراستها الفلسفة ساعدتها في اتقان  التأمل و وصف  هذا العالم ، «سأستعير أصوات الآخرين ، سأستنطقهم، و أتحدث بلسانهم، سأتقمص شخصياتهم، وسأبوح بجانب من مكنوناتهم ، اعتمادا على معرفتي بهم و بتفاصيل حياتهم. كنت الشاهد اللامرئي على كل من حولي.كنت شيطان الحكايات أتخلل المجالس دون ان ينتبه أحد لوجودي». و تتأسس الرواية  على هوس الشخصية الكردية بثلاثة  انواع من السوق. السوق الاول  يديره مباشرة "المساعد  أول". و يكون فيه الاكراد   وسيلة لتدمير بني عرقهم و انفسهم بالوقوع في مخططات "المساعد  أول"  . و السوق الثاني ،جزئيا  تابع ل"المساعد  أول". أما النوع الثالث فهو سوق مستقل عن مخططات  "المساعد  أول". و رغم تساوييهم في البحث عن الصفقات و السعي وراء المصالح المادية الشخصية ،  منجونة الراوية، تعتبر  أن كل شخصية تحاول ان تتهم الآخر في التسبب في الضرر الذي يحصل  لهم ،« فمعظم من أتذكرهم كان يعد الاخر عشبة ضارة في فردوسه. يلقي عليه باللوم لانه عكر صفو ايامه». وهذا سلوك الجاهل الذي عرفه إبيكتات و هو أن سمة الجاهل هي :« اتهام الاخرين بالتسبب في مآسيه».

 

استند "المساعد أول " على معرفته بالشخصية الكردية التي تميل للعداء لغيرها من الأكراد و هو ما يجعلها سهلة للاعتماد عليها للفتك بالأكراد ،« هذا شعب ينظر أفراده بعضهم الى بعض بعين العداء، يحترفون النيل من أنفسهم، ويجيد الواحد منهم الفتك بالآخر لاتقانهم فنون الايذاء، يفتدون الغريب و يفضلونه على أنفسهم، فيثقون فيه حكما بينهم، و الحال أنهم لا يقبلون بتحكيم أنفسهم». و لذلك استعمل الصفقات كطعم للايقاع بهم و تسهيل تنفيذ مخططه.  تدخل الشخصية الكردية الى النوع الأول من السوق لربح صفقات عن طريق تقديم خدمة  "المساعد أول "  و ممثلي النظام في تحقيق الهدف الأهم  للنظام و هو للسيطرة على الأكراد و اضعافهم. و لا تكترث هذه الشخصيات لمشاعر الكره الذي يكنه ممثلي النظام للأكراد ،«لا بد من العمل على تصميم الكردي بحيث يكون خنجرا في خاصرة شعبه» .و تتم عقد الصفقات بين ممثلي النظام  و أفراد من البلدة الكردية على أساس  خيانة بقية الأكراد عن طريق الوشاية و الخيانة مقابل الحصول على امتيازات اجتماعية و مادية. و بذلك يكون الكردي  ساعد في تنفيذ مخطط النظام و هو جعلهم منقسمين و مفككين ، « يجب ان تركز على خلق فجوة بين الكردي و تاريخه من جهة ، و فجوة أكبر بينه و بين واقعه و مستقبله من جهة أخرى».  انشقاق و تشتت الأكراد  يؤدي الى معاناتهم و يسهل على النظام السيطرة عليهم  و جعلهم عبيدا . و هو ما ذهب اليه جيل دولوز في قوله :« السلطات القائمة بحاجة إلى أحزاننا لتجعل منّا عبيدا». وفي هذا السياق، وصف جورج أوروال النظام السياسي  في روايته 1984     . حيث أن السلطات تعمد الىى جعل الناس يعانون ليسهل السيطرة عليهم.  تصبح الشخصية الكردية شريك في المؤامرة ضد غيرها من بني عرقها بقبول عقد الصفقة و تتحول بقبولها قانون السوق من الضحية الى الجاني.  تتميز هذه الشخصيات بالنزعة المكيافالية "  Machiavellianism " . اذ ينزعون الى التخلي عن كل الأخلاق الانسانية. و لا يهتمون الا بمصالحهم ومكاسبهم  الشخصية  لأن الغاية تبررر الوسيلة في قانونهم.

عول ممثلو النظام ، على محجوب و النسناس و رسيلو و عبدكي و خربو و بريندار ( دون وعي منه) و الوردة.

اختص محجوب في الوشاية و أدمنها « "ان لم يعثر على من يشي به فسيشي بنفسه". هذا ما يقال عنه لشدة تفانيه في عمله،مخبرا صغيرا و خادما للمفارز الامنية» . و ليبقي "المساعد أول "  محجوب تحت تصرفه و تابعا له قدم له عملا وقتيا  ، ليس قارا، حتى لا يتحرر من قيد الصفقة ،«كوفىء على أعماله و تقاريره بوظيفة مؤقتة ،كانت على عبارة عن عقد مع مؤسسة الحبوب يجدد كل بضعة اشهر».  أما النسناس فقد كلف بمراقبة و ابتزاز غيره من الأكراد  بتشغيله في مفرزة البريد  ،«كان النسناس مكلفا بمفرزة البريد، يشرف عليها، يراقب الاتصالات، و يقوم بتسجيلها ليستعملها للابتزاز و التهديد، يحملها كأدلة ووثائق للايقاع بالناس». و أدخل في صفقته رسيلو و عبدكي، « أصبح تنافس رسيلو و عبدكي مداره نقل تقاريرهما الشفهية الى النسناس». و نجح النسناس في مهمته و كسب ربح مادي من صفقته و طورمعاملاته التجارية بفضل الوشاية و الابتزاز  ،« وكانت تلك المراقبة الدائمة مصدرا للثراء ... بها يوسع من شبكة عملائه و يكسب رضى رؤسائه ». خربو تمثل الشخصية الكردية  الأكثر نجاعة  في تنفيذ خطة النظام  للفتك بالأكراد باستجابته لطلب مدير الناحية بتلطيخ العلم الوطني بالبراز و الطين، لاعتقال  و تعذيب مئات الشباب و الرجال  الأبرياء. كما ساهم في تجريد الكثير من الجنسية و السورية ،« كانت لخربو مساهمة كبرى في تجريد كثير من اهل البلدة و القرى المجاورة لها من جنسياتهم السورية» ، قبل خربو هذه الصفقة لأن " العرض مغر" . وعده مدير الناحية ، « بأنه سيجعله من وجوه البلدة ، فيمنحه لقب المختار و يضعه في منصب رسمي و يوصي بتقديره ، واعدا اياه بحصة مناسبة من الأراضي التي ستقوم الدولة باعادة توزيعها».  وأصبح خربو موظفا في البلدية و مختار من مخاتير البلدة. بريندار رفض  أن يشي ببني عرقه من الأكراد  ل"المساعد أول" و قبل الشراكة  معه طمعا في الفوز بأرباح  مادية مثله مثل الآخرين و توهم أن يكسب أهمية في هذه الشراكة . عبر الصفقة تعامل مع  "المساعد أول " و ضابط تركي  ، من الطبيعي ، يكنان كرها و حقدا للأكراد ، « استمتع بريندار بتلك المغامرات، شعر بان "المساعد اول" و الضابط (التركي) يتواطان معه. أحس أنه شخص مهم لا غنى عنه. و بدأت الأموال تتراكم لديه». دخل عالم السوق  رغم علمه أن  السوق تغلب عليه المجازفة   و لا يمكن الثقة في الشركاء ، «في هذا السوق ، الورقة التي ينتهي مفعولها ينبغي حرقها و التخلص منها» . يعرف  بريندار أن هناك من يتحكم في السوق ، لم يتراجع ،« يعرف ان هناك مقنعين مجهولين يقودون السوق و يتحكمون في الحدود ».  أرباحه المادية أغرته بأن يواصل الصفقة مع أعداء بلدته ،« نشا نوع من التواطؤ بين الجميع فراح"المساعد اول" و رجلاه يغضون النظر عن صولات بريندار و جولاته و تردده على بيت الوردة،و يغطون عليه في توزيعه الدخان المهرب» . استمتاعه لما ربحه من أموال عبر الشراكة مع "المساعد أول"  جعله لا يهتم و لا يكترث لما حل لبلدته عند حصول الضرر . ليكتشف فيما بعد أن شريكه و معارفه كانوا السبب وراء مصيبة بلدة الأكراد، «اعتاد بريندار الخروج مع "المساعد اول" في جولاته الليلية. و كان "المساعد اول" قد دأب على ايقاف دورية في مدخل البلدة ... هذه الدورية عادة من عنصرين يحظيان بثقة "المساعد اول" .عرف بريندار بعد ذلك  انه قد أطلق أيديهما أكثر من غيرهما في البلدة للفتك بها» . ان كانت الشخوص الأخرى ألحقت الأذي بغيرها  فحسب من الأكراد ، فان بريندار أذى نفسه مباشرة . قانون السوق كما يؤمن ه ا يعترف بالصداقة و لا العلاقات الانسانية . اعتقل كغيره من الشبان الأكراد . بل علاقة الشراكة مع "المساعد أول" كانت سببا في تعذيبه أكثر ، «عذب بوحشية كغيره، و كان احيانا يعذب اكثر من غبره لانه محسوب على شلة"المساعد أول"، و علاقتهما معروفة».  قانون السوق يدهس دائما  الضعفاء و هو ما جعل بريندار يخسر كل ما ربحه  و يكتشف أن من يضع قانون السوق  و يطبقه افتك منه ما تحصل عليه من أرباح ، « ضاع ما جمعه بريندار من اموال التهريب مع" المساعد اول" بطريقة مؤلمة ، بعد ان طبق عليه قانون التهريب التاريخي ، فليس للنظام من صديق أو حليف . الجميع اما أتباع أو أزلام أو أدوات لا غير».  أيقظت خسارة بريندار المادية و عيه بقانون السوق الذي دائما يتخلى عن الضعفاء بعد أن ينتهي  المتحكمين من استعمالهم  . كما انتبه للدور الذي لعبه في ايذاء غيره من الأكراد دون التفطن لذلك لأنه لم يتوصل لمعرفة هدف "المساعد أول " من الشراكة معه، « أقر لنفسه بحقيقة ان ما تعيشه البلدة هو احتلال منظم ممنهج، و أنه كان غافلا عن الواقع و حركته، يتعاطى ببراءة مع المخابرات و الشرطة التي تثابر على اذلال الناس و ابقاء الخوف مستوطنا فيهم متغولا يفتك بهم». فهو مثلما قال ألدوس  هكسلي : « ينبع ، على الأقل ، ثلثا  مآسينا من الغباء و الخبث الشري».

تترأس الوردة وبناتها سوق الجنس عبر الدعارة. و تجارة الوردة من الجنس ليست مستقلة كليا عن النظام لأنها توفر  المعلومات لل"مساعد أول" عن أهل البلدة"المساعد أول" الذي كان يقوم بجولة صباحية يزور خلالها الوردة، ليستقصي منها بعض اخباره".كذلك تستقبل من يلحق الأذى بالبلدة . الوردة تقيم سوق الجنس في بيتها للحصول على معلومات تنقلها  لل"مساعد أول " و تتحصل بذلك على مكسب مادي من الوشاية و تقديم خدمة جنسية لزبائنها. و قد وصف بريندار بيتها بأنه سوق  و أن الوردة ترى الجنس مثل  تجارة ، «فالجنس لديها سوق قوامه العرض و الطلب ،و مصدر رزق و بوابة للمصالح». بريندار يعرف قانون السوق و ما يحتاجه التاجر لربح الصفقة لذلك   يتجنب الخسارة للفوز بالصفقة مع الوردة و بناتها ، «الاسعار معلومة، و المساومات ممنوعنة .. وكل طرف يعرف حدوده ، وما له و ما عليه.سوق يحتاج الى معرفة و خبرة و تجربة و مغامرة، و الا ستخسرون كثيرا و قد تحل عليكم كوارث قاتلة» . هوسه بالربح  المادي جعله يعرف المتعة الجنسية  بصفقة تجارية، «طالما هو لذة متبادلة لا يتأذى منها أحد،وطالما هو اتفاق بين طرفين راغبين في اتمام الصفقة». و للوصول  الى هدفه و هي الوردة استعمل كل الطرق التي  يستعملها التاجر للظفر بزبونفاشتغل على كسب ثقتها عبر هدايا بسيطة مثل ، «أكياس من الخضار و الفواكه، و علبة عطر بدت غالية الثمن،تلاها زوج من الملابس الداخلية المثيرة». ثم لجأ الى  وسيلة أخرى متداولة في السوق و هي الغش عبر الاغراء. اذ استعمل بريق السعر بالدولار ليقنعها أن زجاجة العطر من النوع الغالي ، «قصد بريندار محل العطور الوحيد في البلدة. لن تكلفه تعبئة زجاجة العطر سوى مبلغ صغير،لكنه أبقى سعرها المكتوب بالدولار ، عليها. رمز الدولار يغري ، يعمي، يلهب ، يثير، و يفتح الأبواب المغلقة». حيلته نجحت مع الوردة و لم تصمد أمام اغراء السعر، «كان الرقم كفيلا بتأكيد فرادة العطر و قيمة الهدية. أهداها اياها بلا تغليف كي يستمتع بتأثير السعر الغالي المثبت عليها».

الزواج يفقد قيمته الاجتماعية و الانسانية ليصبح سوق للصفقات.  فقد مثل أسهل سوق للربح المادي و المعنوي لجيمي . عندما أرادت أن تتمرد و تغير حياتها بعيدا عن الفقر و التهميش الذي عاشته في عالم الأكراد ، التجأت للجنس لتحقق أحلامها.  قدمت  جيمي المتعة الجنسية لزوجها لتصنع حياة مختلفة عن عالم العتمة . جيمي لا ترى زوجها الا سلما أو عكازا تستعمله لتمر الى الحياة الجديدة .  تتحول  ممارسة الجنس بين زوجين مثل صفقة بين شخصين في السوق. تتقن جيمي فن الاغراء مقابل ثمن مادي تتحصل عليه من زوجها.  و أبو مأمون ، أيضا، يدفع الثمن للحصول على بضاعة جيدة ، «كانت تدرك انها ستحتاج الى أبي مأأمون ليلبي لها طلباتها، و يؤمن اتمام مخططها نحو شهادة الباكالوريا،  اكتشاف العالم الجديد الذي وجدت نفسها في بحره.و بحسب نظريتها الجديدة التي تقتضي منها التعكز عليه ، لا بد من ابقائه في دوره عكازا لها، و هو أيضا يتعكز عليها ، يستمتع بجسدها و يستعيد شبابه». الصفقة تجعل من كليهما لا يرى الواحد الآخر زوجا و انما  عاهرة و عكازا ،«يعتبرها عاهرته التي يمضي برفقتها أوقاتا محدد و يعيش معها متعه المجنونة و رغباته الغريبة، و بدورها كانت مسرورة بهذه الحالة... لأنها  تعتبره درجة في السلم الموصل الى احلامه، و عكازا مرحليا ستتخلى عنه  بعد مدة، و تعتمد على ما تقوده اليها رحلتها و عكاكيزها».   أضواء سوق الفن جذبت  اليها جيمي . و  غالبا ، عقد الصفقات في هذا السوق يتطلب اقامة علاقات جنسية مع المتحكمين فيه مقابل الصعود الى الأضواء و الشهرة، « ثمة من تتسلل الى هذا المجال عبر سلسلة من الأسرة ، تعبر من سرير الى آخر في طريقها الى الشاشة و الاضواء ، رأسمالها جسدها، توظفه في طريقها الى سوق الفن»  . جيمي قبلت شروط قانون السوق بعبورها لسوق الفن. جيمي لا يهمها كيف ستمثل الشخصية الكردية و ماذا ستضيف الى الأكراد عبر الفن. قبلت دور نمطي للشخصية الكردية لتحقق الشهرة و تواصل تمردها على عالم الأكراد رغم امكانية  الفن على التعبير على  رفض الظلم و التهميش. لكن هدف جيمي الأساسي هو الوصول الى مصالحها الشخصية.

جيمي كانت أهم صفقة قام بها موروي الأعمى و بهو للحصول على مكسب مادي بتزويجها من

أبي مأون . لم يستطيعا رفض العرض الذي قدمه أبو أمون مقابل أن يتزوج جيمي « يعطيهم أرضا و يعمر لهم فيها غرفة و دكانا». موروي الأعمى يعرف جيدا الشخصية الكردية  و احترامها للمال.  قانون السوق في عالم الأكراد  ينسي الناس مساوئ و عيوب  من يملك المال ، «مؤكدا أن المال كفيل بمحو أي ماض مهما بلغ من القذارة».  و هو ما شجع موروي على دخول سوق السمسرة. استطاع أن يغير نظرة الناس إليه  من شخص محل ازدراء  الجميع إلى شخص ذي أهمية ،«كان كل من حوله يشعره بنقصه و دونيته،وفي المنارة بات كل ماحوله يشعره بالرضى عن ذاته و انجازاته». في المنارة تغيرت حياة موروي من رجل أعمى و محتقر من أهل بلدته و محتاج لمن يقوده الى صاحب السوق الذي يعتمد عليه كل النازحين في المنارة،  «انتزع احترام النازحين رغم أنوفهم ، تفوق عليهم و هو الأعمى، قادهم في رحلة نزوحهم، صمم لهم بيوتهم، أقرضهم الاموال، و رهن لهم البيوت ، ساهم في تشغيل أبنائهم و بناتهم». بهو، أيضا ، كسبت الكثير من زواج ابنتها بأبي مأمون و ازدهار سوق السمسرة الذي يتحكم فيه زوجها. فحققت متعة لمس النقود و عدها  ،« بهو التي باتت تسكر بمجرد ان تشم النقود، و تنتشي بأن تنشرها على جسدها، ترقص صدرها و تغني لنفسها و هي تمارس متعتها في لمس النقود و عدها. تقول ان لذة النقود تفوق لذة الجنس» . كما أصبحت سيدة محترمة في أعين النساء الأخريات . نساء الحارة نسين عرجها وهروبها مع خورتو. المال الذي تكسبه جمل صورتها أمامهن  ،«حققت أمي بهو في المنارة حضورها المنشود. لطالما اعتبرت نفسها سيدة راقية،ذات مال و جمال، في حين كان يتم التعامل معها بوصفها العرجاء زوجة الاعمى». لم يرد موروي فقدان هذا  السوق  الذي حقق به التقدير و الاحترام و لم يكترث لما يحصل للأكراد في البلدة أو المنارة .المظاهرات ضد النظام و رغبة النازحين مغادرة المنارة خلخلت عالم موروي لتحكم  الربح المادي  في سلوكه. مصلحته  الشخصية   تتطلب بقاء النازحين و مجيء الأكثر ليحافظ على ما حققه من عالم السوق من مال و احترام الناس له.

 

هوس الأكراد بعالم السوق و البحث عن الصفقات التي ،غالبا، ـترجع بالأذى  على البلدة لم يجذب منجونة راوية القصة. إذ بقيت خارج دائرة منطق أولوية المصلحة المادية. و قد يفسر اختلاف منجونة عن غيرها من الشخوص الأخرى كونها مثقفة و دارسة للفلسفة ،«بدا عالمي يتبلور تدريجيا بعيدا عن المنارة، و عن ابي و امي المشغولين بمتاهاتهما،و بالمهاجرين الجدد ». منجونة تقف متأملة لحياة شخوص ضعفاء أمام إغواء الصفقات. دراستها للفلسفة  و المطالعة جعلت من منجونة  تتقمص دور الفيلسوف الذي لا يستجيب لاهتمامات العامة ، «و بتمكني من قراءة الجريدة المرمية هناك. اقضي الساعات ... في قراءة ما يقع تحت يدي.و اكتشف في تلك الاخبار عالما رحبا غير عالم البلدة». عدم الانصياع  الى اتباع سلوك أهل البلدة  مكنها من الفوز بحريتها لبقائها خارج شبكة السوق  الذي تتحكم فيه أيدي خفية تجعل من يقترب منها عبدا تحركه و تبعده متى تشاء. بقائها بعيدا عن  عالم الصفقات  يمثل نوع من المقاومة لأنها لا تقدم   خدمة للنظام مقابل الربح المادي بعقد الصفقات.  كما يقول بيسوا :« لا أخضع للنظام و لا للرجال: أقاوم بخمود . النظام بامكانه فقط أن يحتاج الي  في فعل من الأفعال. و ما دمت لا أقوم بشيء، فلا شيء بمقدوره أخذه مني».  لم ينتبه أحد لوجود  منجونة لأنها تنصاع لشبكة عالم السوق  . الجميع يعتقد أنها خرساء و هو ما يعني أنها لا تبدي رأيها في شيء . منجونة  مقصية و بلا صوت  ما دامت خارج عالم السوق. تبحث عن نفسها في عالم الخيال و الفن غير عالم المصالح المادية. السوق لا يقدم فضاءا  رحبا لخيالها ، «لم اكن أتأسف على تساوي غيابي و حضوري لدى اسرتي,. كل واحد عثر على ما يبقيه مشغولا عن ذاته و محيطه، و أنا بدوري عثرت على ما كنت ابحث عنه. عثرت على صوتي الذي ينبغي أن اكتبه،والدرب الذي يفترض ان أسلكه للتعبير عن حكايات المقبرة، و عن صور ما انفكت تداهم الذاكرة». اختلاف اهتماماتها عن العامة يحقق لها ذاتها رغم اهانة أهل البلدة لها و السخرية منها . تبعت طريقها لاكتشاف ذاتها رغم المعاناة التي تواجهها . مشاركة العامة هوسهم و اهتمامهم بالسوق يعيق رحلتها في الوصول الى أحلامها. يقول نيتشه: « أتبحث عن حياة سهلة؟ امكث دائما قرب القطيع و انس نفسك فيه».  المكوث بعيدا عن القطيع و العامة  أنتج حياة من الوحدة و العزلة  لمنجونة . بعزلتها رفضت العلاقات المبنية على الأنانية و الخيانة من أجل المصالح الفردية.».  يقول روسو: « لقد أصبحت وحيدا، أو كما يقولون، منطو على نفسي و كاره للناس ، لأن الوحدة الأكثر وحشية تبدو لي  من مجتمع الأشرار الذي لا يتغذى الا على الخيانات و الكراهية» .العزلة و رفض التأقلم مع حياة أولئك الناس دفع منجونة الى اختيار الانتحار  . يقول سارتر : « أحسست  بنفسي في وحدة مخيفة جدا الى درجة أني فكرت في الانتحار» . فضلت منجونة الانتحار على مواصلة العيش في دائرة العتمة التي كانت تعيشها في عالم الأكراد العلقين في عقد الصفقات،« لا أريد أن ينتشلني أحد من قعر حياتي، فلا شك أن العتمة التي عشتها أقسى من تلك التي أنا بصدد المضي اليها و الغرق فيها». الانتحار يمثل الانعتاق و الحرية لمنجونة من عالم كان يخنقها و ولد فيها الاحساس بالغربة ، «"لا أريد أن ينتشلني احد من الغرق.

هذه لحظة الإنعتاق المطلقة  التي ضللت أرنو إليها، أستمتع بهذا الغرق، بهذه العتمة الجديدة. أحضي بحرية ما فتئت أحلم بها». في الغرق و جدت منجونة ذاتها و استردت صوتها  و أفكارها، «طيلة سنوات كان الصمت ملاذي ، و الحلم ملعبي، و هاأنذا في غرقي أغير عاداتي، و أكاد اصرخ بأفكاري. هل هذا الغرق مرآة لاكتشاف جوانب خفية من ذاتي؟».

تتطابق القصة التي بنتها و سردتها  منجونة   مع عالم السوق . كلاهما لا يخضع لنظام ثابت. لان السوق متحرك و متنقل و غير منظم . كذلك سير  الاحداث في الرواية لا يتبع تسلسل زمني ،« أذكر أصداء الحكايات و بقايا القصص، نثار البدايات و سراب النهايات. لا أكترث لتسلسل منطقي، لا أتقيد بالزمن و المكان. انتقل من هذه الشخصية الى أخرى دون الشعور بالذنب او احساس بالغبن تجاهها ». القارىء لا يستطيع توقع ما سيحدث لاحقا.  توجه منجونة القارىء الى اخر الرواية . حبكة الرواية  تغرق في الفوضى مثلما يغرق الكردي في لعبة السوق. عند الانتهاء من الرواية يعجز القارىء عن المسك بمنطق يربط الاحداث كاستحالة تنظيم شكل معين للسوق. جمالية عشبة ضارة في الفردوس تكمن في تحرر القارىء من البحث عن تركيب  الاحداث في الرواية . مهمة  القارىء  تقتصر ، فحسب، على التقاط ما يطفو على ذاكرة منجونة و ما تخلقه من تخييل  في صورة غير تقليدية . وهي تعي أن الأاحداث التي تسردها مبعثرة و نهايتها غير متوقعة، « لا ابحث عن بدايات محددة و نهايات معلومة، و لا عن خطوط مالوفة و مسارات مطروقة،امضي في المتاهة، اتنقل في جزر الخيال، اقتفي شياطين الذاكرة، اتبعها و هي تمضي بي الى ذاتي عساني ابدد عتمتي المديدة».

 

علجية حسيني (تونس)

 عن مجلة "الفصول الأربعة" الليبية 

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم