مقاربة لروايتَيْ: "امرأتان على شاطئ البحر" و"عذارى لُندنستان" للبنانية حنان الشيخ في روايتها "امرأتان على شاطئ البحر" ، تُقدم لنا حنان الشيخ هدى وإيفون، وإذ تُصر على منحهما هوية دينية وشكليّة، حيث هُدى السمراء النحيفة الطويلة والمُسلمة ابنة عالم الدين الذي توفي إثر إصابته بجلطة قلبيُّة عند رؤيته لها بلباس البحر، وإيفون الشقراء المعتدلة القامة المُمتلئة الجسم بعض الشيء والمسيحيّة التي تُعاني من عقدة الذكورة، بسبب التمييز الذي كانت تمارسه عليها أمها في طفولتها مُفضلةّ إخوتها الذكور عليها، فمنحتهم صلاحيات أمومتها أقصى ما حرمت إيفون من ذلك، وهما على البحر في مدينة إيطالية تسترجعان ذكرياتهما، فالبحر عند هدى يرتبط بمخاوفها وهي التي لم تزره منذ وفاة والدها لذا فهي تدخله بحذر وتخشى انكشاف أمر عجزها عن السباحة، بينما عند إيفون البحر يُمثل تحدياً محببا، فهي تقتحم عوالمه بكل ثقة وهو برهان انتصار أنوثتها المنبوذة على ذكورة إخوتها المحبّذة لدى الأم. هاتان المرأتان هما شخصيتان ناجحتان على المستوى الاجتماعي، فهدى تعيش في كندا وتعمل مخرجة مسرح، وإيفون تعيش في لندن وهي مصممة إعلانات ناجحة، ولكن نجاحهما لم يشفع لخوائهما العاطفي، فبينما تسعى إيفون للفت نظر لوتشو الأصغر منها، وتمارس انفتاحها إلى أقصاه حيث لا تردّه عن لمس أو حتى عن تصريح، كما رأينا في مشهد لاحق في رواية "عذارى لندنستان" بل تستسلم له وعندما يقضي مأربه يمضي غير آبه بها، بينما هي تلاحقه بسيل من الشتائم العربية. تتسم علاقة هدى بألبرتو بالرومانسية وتقوم على الإعجاب الحق، وتعمد المؤلفة إلى جعله يستغرب من أن هدى مسلمة وهي منفتحة في علاقتها الجنسية معه. الجنس وعُقد الطفولة: يستيقظ في الجنس الكثير من العقد، فإيفون تبدو شخصية مُستهترة وتسعى لأي علاقة جنسية وهي تتذكر سخاءها مع الرجال الذين مرّوا في حياتها، والذين لا يلبثون أن يقضوا مآربهم الجنسية منها ويبتعدون عنها، وتتساءل عن سبب بقائها بلا زوج رغم تخطيها الثلاثين، وترجع ذلك الى عقدة الأم التي لم تكن لتشعر بحبها بل بالمزيد من الكره والتمييز ضدها، حتى أنها تُرجع سبب فشل إخوتها إليها لأنها تحدّت أخيها الأكبر وقفزت من أعلى صخرة الى البحر، لذا عند زيارتها لهم نرى كيف أن الأم لا تقف شاكرة أمام عطايا ابنتها بل تقف مطالبة ابنتها بهدايا لإخوتها الفاشلين عمليا. أما عند هدى فنرى الكثير من العقد من عقدة الحجاب الذي فُرض عليها ارتداؤه في صغرها كونها ابنة شيخ إلى عقدة العلاقة مع الآخر في الصغر وما كانت تتلقاه من عنف من قبل والدتها وضربها لأنها في براءتها كانت تلتصق بظهر بنت الجيران وهي تلعب لعبة النحلة والدبور، وكان أكثرها قسوة هو قرن الحر الذي فركته الأم بشفتي ابنتها لأنها وفتيات الحي خلعن سراويلهن الداخلية أمام أحد الصبية عن براءة دفعن ثمنها بينما الصبي لم يتلق أي عنف وراح يضحك عليهن ويعيّرهن بذلك لاحقا، هذه القصة كانت تدفع بهدى المرأة الناضجة لتلتهم شفتي الرجل وتتخفف من أثر الحر هُناك كما تقول . في "عذارى لندنستان" تُكمل حنان الشيخ ما انتهت عنده في روايتها السابقة الذكر، فاسترجاع العُقد التي بلورت شخصية هاتين المرأتين ما تزال قائمة عند كل موقف يتعرضن له، وثيمة الجنس لا تغيب عن صفحات الرواية بل هي الموضوع. فالرواية طافحة بالجنس، وهو عند حنان الشيخ يتخذ أبعاداً تتخطى "الاحتكاك الميكانيكي بين جسدين والآني بين الرجل والمرأة.. وتوظيف الوصف الدقيق للقاءات الجنسية توظيفا عمليًّا لتلقي الضوء على مفاهيم حياتيّة،.. فهي تعرض لعلاقة الجنس ببقية عناصر الحياة،"* هي تُمعن في وصف اللقاءات الجنسية بكُل تفصيل، وتُصقل الفضاء الزمكاني بكل أبعاده الواقعيّة والرومانتيكيّة أيضاً، لينكشف عن حاجة غرائزية بحتة، فهما شخصيتين منفتحتين ومتخففتان من ثقل العادات والتقاليد العربية، وقد تخطتا حواجز الوصايا الدينيّة، فتبحثان عن علاقة عاطفية ولا يهم إذا كانت عابرة، فهل هما لا مسؤولتان أم مستهترتان بالنفس والجسد حدّ السخاء العاطفي؟! الجنس بين الخواء العاطفي والتصالح النفسي: إيفون الواثقة من قوّة شخصيتها ونجاحها العملي، تريد من لوتشو الأصغر منها بسنوات والذي يواصل دراسته في الطب، حبيبًا وتطمح لعلاقة دائمة وصادقة من لقاء عابر، ويداهمها الشعور بالذنب عندما تفكر في علاقاتها السابقة وكيف أنها كانت تدفع عن عشاقها وتغدق عليهم جسدها ومالها: "سرعان ما شعرت بالخجل من رواسب الماضي، وكيفية معاملتها للرجال . انها تحاول شراءهم بالولائم والدعوة المطاعم". تدعو لوتش إلى العشاء، وذلك لأنها تربت على قاعدة: "الطريق الى قلب الرجل تمر من معدته".. ولكن لوتشو الذي يأخذها الى مطعم تكاد مياه البحر حوله تلامس حذاءها، والذي بعد الانتهاء من المطعم والوصول الى حافة السُكر "النبيذ يتحول .. إلى حقن من البوتوكس .." يسير بها في طرق وأزقة يفوح من حدائقها عطر الياسمين والعويشقة.. صندوق كبير يستوي بين أغصان جميزو كل هذه الرومانسية هي مظاهر جوفاء يُعريها الموقف الجنسي عند الشجرة يُمارسان الفعل الجنسي أو يُمارس الفعل فيها وهي مُستسلمة ولا حول لها لتُشاركه المُتعة " أخذت تنخس.. ظهرها وتنهشه، ولوتشو يواصل شغله وكأنه يدق مسمارا بها.."، وقد " تظاهرت بأنها تأتي.." .."تشده اليها طمعا في أن تحمل منه، تريد أن تكسب منه شيئا"، إنّه الشعور بالخسارة ولكن خيبتها لم تقف هنا فهي تُمعن في التركيز على رغبتها في الاستحواذ أمامه وتدعوه الى غرفتها في الفندق ولكنه ينسحب منها مُدّعيًّا أنه يريد اللحاق بأصدقائه والسفر إلى مدينة أخرى.. ويهرب منها مدعيا السفر لتجده في اليوم التالي مع فتاة في مطعم، فلا تملك سوى الاعتراض والشتم قهراً.. هذا الموقف الجنسي يعكس خواء ايفون وشعورها بالفراغ، ويعكس شخصيتها الهستيرية التي تجمع بين تذلل الأنثى حتى الهبوط وفوقية الرجل حد التملُّك، فهي تريد رجُلا ولكنها لا تعرف إلا أن تتعامل بفوقيّة وهيمنة الرجل بما تعنيه من إغداق أموالها، وانفتاحها الجسدي على الآخر دون أدنى رادع منطقي .. أما هدى الواثقة من أنوثتها والمُتحررة من خلفيتها الدينيّة، في علاقتها مع روبرتو نقع على انفتاح وانسجام وتفهُّم بدى عند إخباره لها بأنه لديه صديقة دائمة تعمل في الهند، فلم تبدي تردُدًا أو تعلُّقا به، ففي مكان ساحر في الفيلا حيث يعمل مُهندسًا زراعيًّا يدعوها الى الطعام، يحكي لها قصّة الغطاء المطرز، "المطرزة انتقمت من الرجل الذي أخفى الغطاء تحت أحذيته بأن جعلت الملائكة تضغط على بيضتي الرجل"، وبعد توضيب السفرة، تسرع هدى لتُعري الرجل المُستهجن لموقفها وتُبادر فعل الحب معه يُدخلها الى غرفته.. فتكون العلاقة مُنسجمة بينهما، "لو أن المرأة التي ترتوي جنسيا هي التي تحبل ..لكان في أحشائي الان نُطفة عمرها دقيقتان"، فهي لا تطمع بعلاقة ثابتة كما رأينا عند ايفون "...جعلتني أشعر وكأنني الأنثى التي تود أن تتلقى بدلا من الشعور بالخوف.. بكيفية إشباعك"، هدى إذا امراة متحررة وواثقة بأنها لا تريد من الرجل سوى الحُب العابر، وهي قادرة على التحكُم بعاطفتها ومُتصالحة مع جسدها . قبل الولوج إلى شخصيّة هشام الشاب المُتعصب دينيًّا لا بُد من التمحوُّر حول الحكاية التي قامت عليها الرواية، حيثُ تكثّف فيها السرد وغاب في زمنيّة مُتأرجحة بين الإسترجاع وزمن الحكاية الآني، ليكون زمن السرد اكبر من زمن الحكاية . الحكاية : في هايد بارك لندن مدينة أوروبية، وفي قلب السبيكرز كورنر، حيث يجتمع بعض الشبان ليتداولوا آراءهم الدينية والسياسية، يلتقون بتأبط شرا كما أسمته هدى لجلفه وتعصبه الفكري، الموضوع ديني "مسلمون بمواجهة الانفتاح الأوروبي" ومصطلحات : (حلال ، حرام ، مكة الصلاة، القبلة الله ، الروح، الذبح،) الشاب بقامته الطويلة وخاتمه الفيروزي وسواره الفضي، يدافع ويفرض أراءه بجلافة قاسية.. هدى تتدخل في حوار ديني عن المساواة بين الأعراق في الإسلام وتأتي بأيات قرآنية بينما الشاب الصحراوي يُقاطعها "القران الكريم،.. عليك أن تصلي على النبي...هل أنت صمّاء.. على المرء الذي يتحدث عن الدين أن يُطهّر لسانه.." ولكن هدى تكتفي بالتحديق به فالصمت أبلغ من الكلام في حضرة بعض الناس.. في شقة ايفون التي تتحضر للذهاب الى عرس، تُخطط هدى للايقاع بالشاب الصحراوي، فتُعلقان على مُلصق من تصميم ايفون كتب عليه:" من قال شرف البنت ما يولعش إلا مرة واحدة"، لعلبة تحتوي حبات فراولة : "تحشر المرأة الفراولة هناك وحين يُضاجعها العريس تنفعص الحبة ويسيل عصيرها كالدم القاني.." هذه العلبة ستكون موضوع خطة هدى للإيقاع بالمُتزمت المُتعصب المتطرف الديني المكبوت جنسيّا كما أسمته، تذهب الى السفارة الأميركية حيث كان قد دعا الى مظاهرة لمناصرة الشعب السوري، وعدما تجده تدعي الإعياء، فيهرع هو لمساعدتها، اسمه هشام ، فلا بد أن فيه رواسب من الشهامة والإنسانية لمساعدتها لا يتوقف الأمر عند دعوته لها الى كوب شاي تشربه لوحدها في القهوة بينما هو يريد الذهاب إلى عمله، تقنعه بحيلتها بأن صديقتها أخذت مفتاح الشقة ولا مكان تبات فيه، فيأخذها حيث يعمل بوابا في الليل: يذهب الى عمله ويتركها في غرفته، يعود ليجدها في نفس الحال وهي لا تكُف تدلُلا وادعاءً بالدوخة يقترح عليها علاج الحجامة، أو كاسات الهواء كما تذكرت هي أمها وعندما تُغريه بجسدها في الارتماء عليه يحاول هو صدها بالبسملة والاستغفار ولكن المشهد لا يقف هنا فها هو ينتصر لنفسه وشهواتها فيعرض عليها الزواج في اللحظة أمام الله ورسوله، وعندما ترد عليه هي بـ"متعتك نفسي" تهيج عصبيته لأن العبارة تدل على شيعيتها، تتذكر والدها الشيخ والذين كانوا يأتون اليه ليعقد لهم عقد متعة وأنواع الزوجات الأخرى التي ظهرت: زواج المسيار، الويك اند، الزواج العرفي.. كلها أنواع زيجات غطاؤها ديني وجوهرها لا يختلف عن أي علاقة عابرة تقوم على متعة آنية، والدها الشيخ بعمامته الخضراء والذي كان يفتي في الناس، وعندما تواجه نفسها في الموقف وهي هدى المرأة الناجحة التي تحدت التقاليد والظواهر الفارغة، تُبرّر لنفسها : "لن أفكر الا في لعبة الفراولة ، فتأبط شرا هو الحائط، هو الممنوع وهذا ما يغريني ويحمسني"، في استرجاع مكثف تعود الى مواجهة هذا الشاب الذي يرى في العبارة شهوانية مفتعلة وهو ما يتناقض مع فعله وقوله الذي راح يجدده بعد كل معاشرة جنسية مع هدى في المرات الأربع وفي ليلة واحدة كانت كل منها تنتهي بفض غشاء بكارتها المكوّن من حبة فراولة، وهو الجاهل بحيلتها راحت تُقنعه بأنها حورية نزلت الى الأرض بعدما ملت من الجهاديين الذين يصلون مشوهين إلى السماء، ولكن هو يرى أن الله يعاقبه، ففي الجنس هو يهبط فوقها وكأنه يركب دراجة هوائية، تدّعي الألم ويحوقل هو، وفي كل مرة يغسل فيها آثار الفراولة لم يكن ليخطر بباله أنها ليست دماء، بل يُصاب بالهلع يرفع الفراش عن السرير ويرمي بها غضبا، فالجنس عنده إفراغ شهوة، وهي تحاول أن تعتاد وقع حركته، ولكنه لا يأبه لها، هو حتى يخاف من عريها، وهي تستسلم لجهله بجسدها وبأصول العلاقة معها وتستغل جهله فتحاول إقناعه بأنها حورية، ويحاول إجبارها أن يذهبا الى الجامع ليتزوجا، برغم فارق السن فالنبي محمد تزوج السيدة خديجة وبينهما فرق خمس عشرة سنة كما قال، وعندما تتيقن من حقيقة إلحاحه تهرب منه، وتخبر صديقتها بما حدث وتكون ايفون في هذا التوقيت تواجه فشلا آخر من وهم الحب، تُسافر هدى إلى كندا وتأبى أن تتواصل معه رغم إلحاح ايفون التي أتى اليها يسأل عنها، فهي ترى أن هدى أنانية، وهدى توقن بأنها لن تستطيع تغيير طباع هذا الرجل ، يأتي هشام الى شقة ايفون فيجري بينهما حديث عن عقد ايفون الطفولية من جهة أمها وها هو ينجذب اليها فيعانقها بحميميّة، ويكسب فيها أجرا وثوابا لأنه جعلها تعانق الإسلام للحظات قصيرة، فبينما تفكر هي كيف عليها أن تنطق بعبارة الزواج أمام الله ورسوله، لا ينسى هو بأن هذا العقد لا يُفعل مع غير المُسلمة، فكأن ذلك يُشير إلى أنه يعتبرها سبيّة أو مشاعًا لا إثم عليه فيها كما الجواري في العصر القديم، تصدمه بحيلة الفراولة في إمعان من المؤلفة للاستهزاء بلا عقل ولا منطق هؤلاء المتعصبين، فيكتفي بالاستغفار ما يبدو أنه قد اعتاد الأمر فلا يُمهل نفسه التفكير بما يجري، برغم أن هدى تركت علبة الفراولة تحت سريره، ويواعدها في الغد "فعذراء لندنستان في انتظاره" . هشام ، إماتة النفس الأمارة بالحب وسيطرة الغريزة: حنان الشيخ ترسم هشام شخصية مُتأسلمة متعصبة ومتطرفة، صحراوي الملامح بقامته الطويلة وبشرته السمراء، وعينيه السوداوين تقدحان شررا، وخاتمه الفيروزي والسوار الفضي حول معصمه، يشارك في حلقات النقاس في الدفاع عن الإسلام وعن تعاليمه وعن أهمية وجود المسلمين في أوربا، ويسمح لنفسه بالرد بعنف على كُل من لا يُعجبه رأيه: وقد جر الشاب الظريف من يده ووبخه لأنه يستهزء بكلامه عن الدين، يقاطع هدى وهي تتحدث عن الدين، "على المرء الذي يتحدث عن الدين أن يطهر لسانه"، يظهر كأنه يتعقبها عند كل موقف في الهايد بارك، فها هو يمد يده ليرمي الكتيب الذي قدمه شاب هندي لهدى وايفون ويصف الكتاب بالشعوذة والهرطقة، فلقائهما به لقاء تصادم وعُنف مفتعل "لا تتدخلي بما لا يعنيك ، لا أعتقد بأنك تميزين بين الحق والباطل،" يهدد ويقاطع ويضرب، وهاهو يعلن عن قيام مظاهرة من أجل سوريا أمام السفارة الأميركية، ما يوحي بأنه ناشط سياسي مُتأسلم، وهو ابنُ عصره، بما معناه أننا أمام شخصيّة من واقع الحدث المُعاصر ليومياتنا. تحكي هدى للإنكليزية قصة ارتداء البرقع كعادة ابتدت عند احد القبائل لتقلدها بعد ذلك قبائل أخرى، يتهم هدى بغير المعرفة لأنها ليست من أمه محمد، ولأنها سافرة مكشوفة الوجه "هل تعرفين أن الدجاجة تذبح اذا صاحت صيحة الديك "، تقرر هدى الايقاع به تذهب الى المظاهرة وعندما تلتقي به تلفت إنتباهه بعد انتهاء الاحتجاج لتلحق به الى موقف الباص وتدّعي الإعياء هنا يبدي شهامة ورأفة بها ويحاول مساعدتها حتى يأخذها لتستريح في مكان عمله، يعرض عليها علاج الحجامة، تحاول إغراءه يواجهها بالاستغفار والحوقلة يناديها بالأخت، يصنع لها الشاي، تقرر اطالة مدة بقائها تلتصق به فيبتعد عنها، يا أخت انك تفسدين وضوئي، لا أريد أن أندم على عمل المعروف، يخبط قبضة يده في الحائط اشارة لتوتره، يُظهر لنا هذا الموقف بأنه شخصية تُعاني من الكبت بحيث لا يستطيع مواجهة ما يعتمل داخل نفسه من تصوُّرات جنسيّة، ويُعبر عن صعوبة ما يُقاصيه أما رغبة الجسد، فا هو يدعي أنها شقيقته أمام الخادمتين اللتين مرتا أمام باب غرفته، يقفل الباب ويطلب منها الزواج بلا أدنى مقدمتها، فغريزته هي التي أنطقته وطلب الزواج هو الحل لإسكات ضميره الديني: يخبرها بأنه منجذب اليها، يتزوجها أمام الله ورسوله وعندما توافق على ذلك وترد بمتعتك نفسي يهيج هياجه، ويعرف أنها شيعية، يبرر غضبه "أحيانا لا أتمالك أعصابي"، لأن العبارة أوحت له في اعتقاده بالشهوة المحرمة، هدفها جسد المرأة وهو ما يمكن شراؤه بالمال، فيعتبر أن زواج المتعة حرام لأن غايته جنسية فقط، مما يدُل على تعصُبه وتحيُّزه الديني المُتطرف بحيث تثير انفعاله عبارة لا تختلف بمعناها عن ما يريده من هدى، وبمعاملة أكثر غريزيّة، بينما تتزاحم في رأس هدى فتوى إرضاع الكبير وفتاوى أبيها في زواج المتعة، وفتوى أن تجحش المرأة التي تريد العودة الى زوجها الذي طلقها ثلاثا بأن تُمكن نفسها لموج البحر، وفي الموقف الحاضر توافق وتتزوجه أمام الله ورسوله، فلا ممهدات ولا تقبيل يرتمي فوقها ويدخل فيها ويتحسّب أن لا يسمع صوتها أحد، وعندما يلاحظ دماء الفراولة يتهمها بالاستهتار بالدين، فهو يعرف أنّ المعاشرة في العادة الشهريّة تُعرّض لأمراض، وعندما تخاطبه بلهجة مؤنبة بأنه فض غشاءها يشكر ربه لأنه تزوجها وهي ما زالت عذراء، يخبرها عنه فهو يدرس الهندسة الكهربائية في معهد لندني، ويعمل بوابا، ويصلي صلاة ما بعد الجماع مما يعني بأنه حريص على أمور دينه وغارق في تفاصيله، تحاول هدى الدخول الى أفكاره عبثا، هبط فوقها كأنه يركب دراجة، وفي كل مرة تدهس الفراولة يصرخ ظانا أنها دماء العادة، يخبرها بأنه تائب حيث كان يشرب بقايا المشروب من كؤوس الزبائن في أحد المطاعم التي كان يعمل بها، ممّا يوحي ببراءته التي شوهتها عصبيته الدينيّة وأثقلته بقسوة زائدة، يحضر الطعام، يطلب منها الاغتسال، يعرض عليها لبس الخمار ويميزه عن النقاب بأن النقاب تكمن فتنته بإظهار العينين، ويكرر عبارتي الزواج بعد كل وقع جنسي، حتى أنه وصل الى أكثر من مرة مما يوحي بشهوانيته الزائدة، الخاليّة من أي حس عاطفي، مما سبب له عدم اكتفاء، فهو يتعامل مع جسدها كحاوية يُفرغ فيه شهوة فقط، ويخشى تأمل جسدها لأن احتشام المرأة واجب أمام زوجها... والنظر الى فرج المرأة يورث العمى، فهو يعتقد بأنه بزواجه بها أمّن لها الشرف والكرامة، ولم يتعامل معها كسلعة، لم يسمح لها بأن تخلعه قميصه، من عطشه للجنس البهيمي فجسده لم يلامس جسدها، وفي المرة الرابعة لانفعاص حبة الفراولة يُرجع السبب لأنه لم يحضر شاهدين، تتذكر هدى استاذ الدين وحديثه عن الجنة وحور العين التي وعد الله بها المؤمنين، فتحاول اقناعه بأنها حورية، فيطلب منها الزواج في الجامع بحضرة شيخ وشهود، فيصر عليها لأنه يريد أن يستغفر ربه بهذا الزواج تتهرب منه بحذر شديد وبخوف حقيقي تنفذ بريشها منه. يذهب الى شقة ايفون يحكي لايفون قصة امه التي اصيبت بالسرطان فتزوج أبوه امرأة أخرى، وبعد دفنها غادر الجزائر فهي كانت امرأة مؤمنة وهو عندما يشتاقها يصلي ويدعو لها فكأنه بموتها دفن الحُب في نفسه، ويشجع ايفون بالذهاب الى الكنيسة فالدين هو الوطن، يعود إليها، فهو لم يتزوج بايفون بل فعل معها دون شعور بالإثم لأنه ضمها للإسلام، فلأنها غير مُسلمة هي حلٌّ له. إن الأمر يبدو نكتة غير معقولة في نظر البعض ولكنه واقع الحال فهشام يجهل ما المرأة، هو يعرف فقط شهوته، كما أنه يجهل حقيقة الدين ويتمسك بعصبيته، ولا يترك للمنطق طريقاً، وهو الذي يتعارض مع اختصاصه الدراسي في الهندسة. إن التسلل الى الحياة الجنسية للمتعصب هو مرآة تصور مدى عجزه عن التفكير خارج إطار المقول، ففخره أن والده بفضله أصبح مؤذناً مما يدل على اعتداده بنفسه بكونه متدينا. حنان الشيخ تعكس في الجنس هنا ارتباطه بالعقلية المتطرفة وبالجهل، لا نجده يعبر عن مشاعره إلا لماما، حتى أن الكاتبه لم تتوغل به فهو الحائط والمستعصي، والذي يزم شفتيه عندما لا يعجبه السؤال ولا يجيب، فهي تخبرنا بين السطور وفي المشاهد التي تُظهر مواقفه المُتأففة بأنه منغلق على نفسه حتى أنه يجهل ما به، هل هو إماتة النفس الذي وجه كل وعيه نحو غريزته فقط لا شيء آخر..إلا حبه لأمه المتوفية ، في النهاية يهز رأسه بعنف وكأنه يريد أن يتخلص منه، يبتلع شفتيه ..يتمالك نفسه ، يقول بكل ثقة، أنه عليه الاسراع الى العمل هل نلتقي في الغد، سأتصل بك.، هذا الموقف يعكس أن هشام يستسلم ويقرر التخلص من كل تفكيره عن الأمر، فيتمالك نفسه ولا يغضب..هل يُشير ذلك إلى حدوث تطور ملحوظ على شخصيته الإنفعاليّة؟؟ أم أن ما يعنيه توقفّ على تحقيق الغريزة . كل المُعطيات تُشير إلى شخصيّة غير قابلة للتغيُّر بسهولة، فهو مُقتنع بتعصُبه واقتناعه بأن علاقته بالمرأة هي تحقيق لذة فانية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *ابراهيم صالح، الجنس والزواج في أدب حنان الشيخ، معهد الدراسات النسائية في العالم العربي، الجامعة اللبنانية الأميركية، بيروت ط1 .1997.ص7.

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم