المركز الجامعي لعين تموشنت

تقديم الرواية : رواية "لاروكاد "للكاتب عيسى شريط* من منشورات دار " الاختلاف " الجزائرية سنة 2004 والحائزة على جائزة " مالك حداد "للرواية مناصفة مع رواية الكاتبة الجزائرية إنعام بيوض والموسومة بـ" السمك لا يبالي ". وهي تقع في 246 صفحة .

أحداث الرواية تدور في حي " لاروكاد" وهو حي قديم كانت تسكنه الجالية اليهودية ، غادرته بعد استقلال الجزائر ،وأطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى الطريق العمومي الذي كان يمر فيه ، تتجلى من خلاله خبايا المجتمع الجزائري والصراع الخفي الذي كان قطباه :المال والفقر والسلطة والظلم نقب فيه الروائي عن جزئيات يومية يعيشها أفراد حي شعبي: من المدرسة إلى المقهى ومن البلدية إلى قسم الشرطة ، ومن المسجد إلى الشارع ،حيث يسعى عبر ذلك " التهامي " وهو بطل الرواية إلى جمع المال في وقت وجيز باستعمال المكر والاحتيال وبالتحالف مع " سحنون " المسؤول بالبلدية ،ليكوّنا معا طبقة اجتماعية أضحت تملك نفوذا في كل دواليب المجتمع ، بل وتدوس على كل القيم الجمالية والعواطف الإنسانية ، مما ينجر عنها انحرافات في قيم المجتمع وأخلاقه ، إذ يتمكن "التهامي " من أن يتزوج " جميلة " وهو قد ناهز الستين من العمر وهي لازالت في مقتبل العمر إلا أن فقر أسرتها يرغم أباها أن يزوجها رغما عنها ،وكانت تمني نفسها أن تتزوج بـ "شويحة" معلم في المدرسة وهو على خلاف دائم مع المدير نظرا لعدم مواظبته وجديته في العمل ،إذ يصطحب معه إلى المدرسة- خلسة - حقيبة فيها من الألبسة والهواتف النقالة والأحذية والعطور ..فإذا ما رن جرس المدرسة إيذانا باستراحة التلاميذ أخرج حقيبته من تحت المكتب وبدأ يعد مبيعاته بآلة حاسبة صغيرة ..وتتطور الأحداث ويكشف الروائي بحس تصويري دقيق نبضات الحركة من كل مكان من أمكنة الرواية ..لتنتهي الرواية بإلقاء القبض على المحتاليْن " التهامي وصديقه سحنون وتبرئة ساحة " حسين المسرح " الذي لقي تعاطفا مع ضابط الشرطة المكلف بالتحقيق .

مدخل نظري : إن النص الأدبي يغدو أثرا ذا معنى عندما يتوافر على شبكة من العلاقات اللغوية تجعل نسقه يقول المعنى والمعنى الآخر ،ولا يعد المعنى مبتغى نهائيا فيه وإنما يتوارى المعنى لصالح النسق ويغدو المتلقي كاتبا آخر للأثر ،بل كاتبا مقررا لدلالة النص . إن ما استقر لدى نظرية التلقي الحديثة أن النص الذي يصل فيه نسقه اللغوي إلى حدّه الأقصى من الكثافة في التعبير والتنوع في التركيب ،يترك فجوات هائلة لكتابة النص الآخر نص الدلالة. و من ثمة لم يعد المعنى الذي يطفو على سطح الأثر الأدبي مزاحما حقيقيا للمعنى الذي يستقر في قعر الأثر، بل مع تطور مناهج تحليل الخطاب الأدبي تغيرت النظرة النقدية للنص الإبداعي ،وأضحى المسكوت عنه في الأثر الأدبي هو الذي يشكل العالم الدلالي الحقيقي للخطاب ،كما أن الإستراتجية السيميائية التي تأسس وفقها المعطى اللغوي للنص هي التي جعلت النسق يضطلع بخاصية المنبه لأسلوبية متميزة للأثر حيث أضحت اللغة تحيل إلى نسقها الداخلي أكثر مما تحيل إلى مرجعها الدلالي ..بل إن الوقوف على إحالة من ضمن إحالات يقتضيها النص هو إعادة لقراءة علاماتية وفق نظام قراءة يعيد العلامة إلى وضعها الطبيعي الذي تعلو فيه الوظيفة الإعلامية كل الوظائف الأخرى للغة الأدبية ويزيل عن النص ارتياده الجموح إلى عوالم دلالية بعيدة .

و مذ أن تأسست الأسلوبية التعبيرية على يد شارل بالي صار يُنظر إلى النص الأدبي على أنه نصٌ يشتغل كثيرا على اللغة وقليلا على المعنى ،ذلك أن التقسيم الذي خضع إليه الخطاب من قبل الألسنية هو الذي أفضى إلى التمييز بين نوعين من النصوص : نص فيه الخطاب مزدوج الوظيفة ،ونص آخر الخطاب فيه أحادي الوظيفة ،أما الخطاب الأول فاللغة فيه لا تحيل إلى المعنى مباشرة وإنما تحيل على نفسها أولا ثم على المعنى ثانيا، على نقيض الخطاب الآخر الذي تحيل فيه اللغة على المعنى مباشرة. وأضحى الاهتمام يتزايد بالخطاب الأول ، وتُطرح حوله جملةٌ من الإشكالات لا تكاد تنتهي حتى تتفرع إلى إشكالات أخرى ، وتبلورت رؤية نقدية تريد البحث عن ما يحقق للنص الأدبي أدبيته من خلال نسقه اللغوي،وبنيته اللسانية التي خرقت سنن التأليف المعتاد وسجلت فرادتها وتمايزها على مستوى البعد التعبيري .

فالبعد التعبيري إذن هو الشكل البنيوي الذي يسترعي انتباه المتلقي،ويقحمه كطرف مؤسس لنص الفهم أو نص الدلالة ،والوقوف على جمالية النص وامتاعيته التي تأتت من خلال الخرق المستمر لسنن التعبير المألوفة ،و القفز على كل معيارية نحوية أو بلاغية. فكان الأسلوب هو ذلك الشكل البنيوي الذي حقق صفة التمايز ،وتأسس على جملة من الخصائص تتفرع إلى كل ما يتعلق بالبعد التعبيري و يشمل مستويات عدة كالمستوى الصوتي والمستوى المورفولوجي والمستوى التركيبي النحوي والمستوى الوظيفي .وعلى ذلك تختلف دراسة الأسلوب في النص الأدبي تبعا لاختلاف المدخل المنهجي،فقد يُعتمد المستوى الأول فتكون الأسلوبية الصوتية ومع المستوى الثاني تكون الأسلوبية الإحصائية ومع المستوى الوظيفي تكون الأسلوبية الوظيفية ومع المستوى التركيبي تكون الأسلوبية النحوية...

ثم إن التحليل الأسلوبي للنص قد يربط البنية الأسلوبية في تمظهرها المتميز في الخطاب بمنحى تأويلي تتكرس معه خاصية الفرادة والإبداع ، وذلك باعتماد مسار التفكيك وبيان جملة العلاقات اللغوية المتعددة التي تثبت خصوصية الرؤية الفنية لصاحب النص الأدبي .و يرى محمد الهادي الطرابلسي أن التحليل الأسلوبي يختلف "باختلاف مداخل التحليل ، فقد يكون المدخل بنيويا بمعنى أن الانطلاق فيه يكون من مباني المفردات وتراكيب الجمل وأشكال النصوص وهندسة الآثار، أو دلاليا ينطلق فيه من صور معانيه الجزئية وموضوعاته الفردية وأغراضه الغالبة ومقاصده العامة وأجناسه المعتمدة، كما قد يكون المدخل بلاغيا ينطلق فيه من الظاهرة الأسلوبية أو مجموعة الظواهر المستخدمة ، كما قد يكون المدخل إليه من الباب التقني فتعتمد فيه المقارنة أو الموازنة .." 1 ومن جملة ما يسترعي التحليل الأسلوبي للنص ما يُعرف بالانزياحL , ECART ،وكلما تباعد الأسلوب عن مألوف التعبير كلما اتسعت زاوية الانحراف أو الانزياح ، وذلك مرده إلى خاصية الاختيار وهو يعني انتقاء المبدع لسمات تركيبية معينة وإقصائه لأخرى مع القدرة على الاستبدال ، وتفسير ذلك أن الاختيار هو ترجيح لإمكان تعبيري من ضمن إمكانات كثيرة توفرها اللغة ،إلا أن الإمكان المختار تقتضيه اللحظة الشعورية لدى المبدع. فالتحليل الأسلوبي يقوم على أساس إبراز المناحي الجمالية التي تحققت بفعل انزياح الأسلوب عن مألوف القول،وهذا ما يسمى بلا نحوية الخطاب وهو بحث يرمي إلى بيان أوجه الإبداع في المقول الأدبي ،وإلى تأسيس بلاغي لشعرية التعبير المنزاح. فإذا كان المظهر الإبداعي في النص الروائي يتأسس بداءة على ما يحقق متعة البلاغة البصرية ،كان اتجاه النقد الأسلوبي إلى استكناه البنى التي تمثل شكل الإبداع لا مضامينه ،وبالتالي ُينظر إلى النص الإبداعي ببعديه التعبيري والتأثيري ويغدو البعد الدلالي بعدا ثانويا ليس إلا .فإذا كان سؤال المعنى : ما ذا قال النص ؟ فإن سؤال الأسلوب كيف قيل النص؟ في هذا المجال سنقدم قراءة أسلوبية لنص روائي جزائري نستطلع من خلاله مكامنه الجمالية ،ونقف على منبهاته الأسلوبية . 2- التحليل الأسلوبي : أ- أسلوبية العنوان : الرسم العربي للكلمة الأجنبية "لاروكاد " ،تداخل المتخيل الاجتماعي الشعبي برمزية الكلمة الأجنبية التي تقف كمثير لساني وسط مدونة عربية – نص الرواية – وتغدو عتبة تستجمع إليها انتباه المتلقي الذي سيقع في دائرة الحيرة اللسانية ..إذ توقع الكتابة الحرفية للعنوان من لغته الفرنسية إلى اللغة العربية مأزقا في الرسم الكتابي إذ تقف أمامنا صيغة " لا" ثم صيغة " روكاد "، ليستدرك الأمر في الصفحة الثالثة من تقديم الرواية بـكتابة اللفظ الأجنبي La Rocade ومقابله الكتابة العربية للفظ .لتختتم الرواية في أواخر سطورها حاملة عنوان "لاروكاد " وهو اسم الرواية التي بعث بها "حسين المسرح " إلى الضابط الذي بدوره قدمها لزوجته التي قرأت اسم المؤلف ثم عنوان الرواية . ب- أسلوبية المعجم السردي : توظيف الرواية لمفردات معجمية بقدر ما تتحقق عبرها واقعية السرد تتحقق معها فرادة أسلوب السرد في إسقاط محور الاختيار على محور التأليف ،ويتجلى ذلك في تطعيم الرواية بالنصوص ذات البعد الأسطوري المشكل للثقافة الشعبية للمجتمع كان الأطفال قديما كلما رأوها – أي الريح الموّارة - هتفوا ( يا غبارة روحي لبيت السحارة )الرواية ص4 تصوير مدير المدرسة التي يعمل فيها " شويحة " أحد أبطال الرواية ص 5 و6 منها (أجلع الفم ،أدرد ،طشيش اللعاب ...) ولكن يلجأ السارد إلى أسلوب التفسير المعجمي بالوصف مثل قوله :أدرد قد سقطت كل أسنانه ) أجلع الفم شفتاه متخاصمتان لا تلتحمان أبدا )... ج- أسلوبية العرض : تخلل مقاطع لسانية تعبر عن تداخل نصي بين متن الرواية والنص المضاف بما يحقق متعالية نصية (paratexte ) ،لا تحظى بقدر من الاهتمام لدى المتلقي إلا أنها تمثل تمفصلا مهما في البنية السردية للرواية .( مشهد سعاد وهي تنظف الأواني بعد توبيخها من قبل زوجة أبيها لينتهي التصوير بالعبارة :أصوات احتكاك الصحون وتصادمها .. لتأتي المتعالية النصية (هذا وقد وافق المجلس الشعبي الوطني يأغلبية مطلقة على ميزانية التسيير الذاتي للمؤسسات .....) الرواية ص32 وكذلك ص 4،7،8،11، حيث تتخلل السرد متعاليات نصية وظيفتها " خلق" ممرات أو منعطفات جديدة داخل مسارات السرد . د- أسلوبية التصوير : إن قارئ رواية "لاروكاد" يجمح به عنصر التخييل الذي ركّب به الروائي أحداث روايته إلى تجاوز الوصف إلى التصوير ،حتى أن التتابع السريع في رسم الأحداث، تدفع الروائي إلى الاستغناء عن الروابط ،وكأننا أمام صورة مشهدية سنيمائية تهتم بتصوير دقائق الأمور بلغة تجلّي الحالات النفسية ،وتتفنن في نقل الصورة من الحس الذهني التخييلي إلى الحس البصري المرئي حتى ليغدو هذا العمل الروائي إخراجا سينيماتوغرافا أكثر من كونه سردا أدبيا ، من ذلك المشهد الآتي :كل ذلك تزامن ووصول "حسين المسرح" إلى قسم الشرطة بالحي الجديد للبلدة ..بينما يبحث عن مكتب المفتش أذهلته الحركة غير العادية بذلك الرواق الطويل ، زرعت في نفسه شعورا مريبا ،يوهمه بأن شيئا ما قد يحدث ،لم يزر هذا المكان إلا مرة واحدة حين أودع ملف استخراج جواز السفر ،واستُدعي للتحقيق معه .."مكتب التحقيقات" قرأ اليافطة التي تعلو باب المكتب ،دق الباب ودخل ،بعدما سمع صوتا أذن له بالدخول ..أشار له المفتش بالجلوس ،كان يبدو منشغلا بالهاتف .."الرواية ص169 إن هذا التصوير المتتابع يتحرك بصيغ معجمية أساسها " الأفعال "التي ينمو عبرها فعل السرد في سلسلة تصويرية مشهدية وكأنه فيلم تتزاحم عبره الصور لينحسر النص داخل الكتابة فقط ، ويتحول عبره الكاتب من السرد إلى الإخراج . هـ - أسلوبية التركيب : إن من خصائص اللغة السردية تحقيق البعد الانزياحي الذي يبتعد فيه الكاتب عن مألوف التعبير ، وكلما نحا الأسلوب إلى الاتكاء على التناص كثيرا وعلى اللغة قليلا جاء التركيب مكثفا كثافة المعنى المراد ،لأن المتلقي سيشارك في الارتقاء بالتركيب من الإسهاب إلى الاختزال ،وخاصة حين تتعالق البنية السردية بالبنية الميثولوجية التي تنقل الحدث إلى عوالم من العجائبية ،كما أن الكاتب حينما ينقل الحدث الواقعي إلى اللغة يبدو الأسلوب غالبا على الحدث لا يفهم مدلوله إلا من خلاله ،بل إن اللغة هاهنا لا تقول الحدث أكثر مما تقول نفسَها. لنتمعن قول الروائي :"...أصوات المخلوقات المندمجة في هذا الفضاء الفردوسي ،تنبعث من كل أوب ،تنسج لحنا سمفونيا تنتشي له الروح ..."الرواية ص4 إن الغرض المتوخى من هذه الدراسة هو تمكين الدارسين من معرفة الأسس النظرية للإجراء النقدي ، والتطبيقات العملية التي ترمي إلى البحث عن معادل موضوعي للنص في الواقع الاجتماعي ، أو في الواقع النفسي ،كما تستجلي مختلف التمظهرات الجمالية التي أسهمت بشكل فاعل في تحقيق أدبية النص،وأبرزت جوانب من إبداعية اللغة . * عيسى شريط عضو بالمجلس الوطني لإتحاد الكتاب الجزائريين من مواليد 1955 بعين الحجل –ولاية المسيلة- الجزائر . مساره الفني : كتابة وإخراج عدة مسرحيات في إطار المسرح الهاوي منها مسرحيات (البيت الكبيرة، ألعب لعبك، الفوحة ) .... نشر مسرحية بعنوان "التيهان" بجريدة الشعب ، 1983 ... نشر سلسلة من المسرحيات القصيرة ( مسرح الجيب) بملحق الشروق الثقافي ... الحصول على الجائزة الأولى للمسابقة الوطنية المنظمة من قبل مهرجان حسن الحسني- المدية 2003- مسرحية بعنوان "الزردة"- . السينما إخراج عدد من الأفلام السينمائية الهاوية ، فاز منها فيلم (نداء الأرض ) فائز بجائزة أحسن أداء بالمهرجان الثاني للسينما الهواة، بوسعادة ... شارك في العديد من المهرجانات السينمائية الهاوية حاص على الجائزة الثانية لأحسن سيناريو مسلسل تلفزيوني عام 1990، والتي نظمتها جريدة "المساء" بمساهمة مؤسسة التلفزيون، والمؤسسة الوطنية لإنتاج السمعي البصري . نشر الكثير من المقالات النقدية السينمائية بمختلف الصحف والمجالات الوطنية، وبعض المجلات العربية، كمجلة "العربي"، "الكويت"، " الرافد "... نشر كتاب "كيف نكتب سيناريو"، منشورات وزارة الشباب والرياضة والرابطة الوطنية لإطارات الشباب، الجزائر سنة 2000 ... كتابة سيناريو أفلام جزائرية عديدة حاصل على الجائزة الثانية لأحسن قصة للمسابقة الوطنية ابن هدوقة ببرج بوعريريج . نشر جملة من المقاربات النقدية الأدبية بالصحف الوطنية نشر رواية "الحواجز المزيفة"، منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين 2004 . نشر رواية " لاروكاد" الحائزة على جائزة مالك حداد للرواية 2004، من منشورات الاختلاف، ودار الفارابي اللبنانية ... نشر مجموعة قصصية "القرابين"، منشورات إبداع 2005 ... نشر رواية مسلسلة بيومية الشروق اليومي تحت عنوان "الجيفة"، 2004 .. الإحالات :

محمد الهادي الطرابلسي :خصائص الأسلوب في الشوقيات ص8 منشورات الجامعة التونسية 1981 عتبات جيرار جينات من النص إلى المناص : ص78عبد الحق بلعابد تقديم سعيد يقطين منشورات الاختلاف 2007 الملحق رواية لاروكاد المصدر: مجلة الرافد الإلكترونية

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم