الشهرة التي حظيت بها رواية الروائية التركية إليف شافاق "قواعد العشق الأربعون" (ترجمة خالد الجبيلي – دار طوى)، وذلك الإنتشار الواسع لها بين القرّاء، والبعض من الكتاب والصحفيين العرب، تدفعنا إلى البحث عن سر هذه الشهرة، وعن ما يميزها عن غيرها من الروايات العربية الجيدة والتي لم تحظ بالنز اليسير من شهرة هذه الرواية. وهنا يمكننا الإعتراق بأن الرواية قد كُتبت بأسلوب سردي شيّق، بالإضافة إلى أنها تجمع بين زمنين، الفرق بينهما قرابة الثمانية قرون، كما أنها تمازج في أحداثها بين عوالم القرن الثالث عشر الساحرة بقصصها وأجوائها، وبين عالم الألفية الثالثة حيث أميركا والغرب ووسائل التواصل الإجتماعي. الرواية إذاً، تنقسم إلى قسمين، قسم تاريخي، كُتبَ تحت مفهوم "الرواية التاريخية" والذي يحدثنا عن العلاقة الخاصة التي جمعت بين شمس التبريزي، وشيخنا الجليل جلال الدين الرومي، حيث تدور أحداثها في نهاية النصف الأول من القرن الثالث عشر. أما القسم الثاني من الرواية، فقد جاء بشكل متخيل سردي تم بناءه على أساس الرواية المتخيلة بشخوصها وأحداثها، لتحاكي الواقع المعاصر الذي نعيشه حيث تدور أحداثها بين عامين (2008-2009). أما الرابط بين الروايتين أو الفترتين الزمنتين، فكان رواية "الحرام الحلو" التي كتبها عزيز ز. زاهارا الشخصية المتخيلة والتي تنتمي لأكثر من بلد وأكثر من دين. تصل الرواية إلى "إيلا" الأمريكية، بطلة القسم المعاصر من الرواية، التي درست النقد الأدبي، والتي عثرت مؤخراً على وظيفة محرر عند إحدى دور النشر، ولهذا فقد وصلتها رواية "الحرام الحلو" بغية تقييمها وإبداء الرأي حول صلاحيتها للنشر من قبل الدار. لذا نجد أن رواية "قواعد العشق الأربعون" قد بدأت سطورها الأولى في شهر أيار/مايو من العام 2008، عند عائلة "إيلا" وخبر حصولها على العمل، واستلامها رواية "الحرام الحلو"، وبهذه الطريقة من البناء الروائي، بتنا نقرأ أحداث ويوميات حياة "إيلا" وعائلتها، ثم ننتقل إلى قراءة أحداث رواية "الحرام الحلو" بصوت "إيلا"، أي أننا نقرأ الرواية متى ما قررت "إيلا" قراءتها، وهذه الطريقة من البناء في فن الرواية غالباً ما تكون مشوقة خصوصاً إذا كان المؤلف يتمتع بمهارة خاصة في طريقة السرد. لكننا، وعند منتصف رواية شافاق تحديداً، نقرأ بأن "إيلا" قد أتمت قراءة رواية "الحرام الحلو" وأنها منشغلة بكتابة تقريرها إلى الوكالة أو دار النشر، رغم أننا – كقرّاء - لم نكمل قراءة "الحرام الحلو"! وعلاوة على هذا فقد بعثت "إيلا" لمؤلف الرواية تخبره بأنها أنتهت من قراءة روايته، وهذا خطأ فادح من شأنه تفتيت البنية الروائية وتشتت القارئ، حيث نكتشف بأن هناك فصول أخرى من رواية "الحرام الحلو" علينا أن نقراها، دون أن ندري من الذي فتح لنا صفحاتها ووضعها أمامنا بعد أن انتهت "إيلا من قراءتها؟ فصارت عملية إطلاع القارئ على أحداث رواية "الحرام الحلو" غير مبررة. وهذا ما أصابنا بخيبة كبيرة نظراً للشهرة الواسعة التي حظيت بها هذه الرواية عربياً، والتي جاءت على حساب الرواية العربية، تماماً كشهرة المسلسلات التركية التي انتشرت على حساب الدراما العربية. الحقيقة، لم يكن هذا الخطأ، هو الخطأ الوحيد في تركيبة وبناء رواية "قواعد العشق الأربعون" بل هناك العديد من الأخطاء، نحاول أن نذكر أهمها، ويمكننا أن نبدأ عند الصفحة 108، التي جاءت تحت عنوان "بغداد، 18 كانون الأول (ديسمبر) 1243" وفيها يحدثنا شمس التبريزي، على أن بغداد كانت مغطاة بالثلج، وهذا أمر غريب جداً، حيث نقرأ... "وراء ندف الثلج الهاطلة، والدروب المكسوة بالثلج ظهر رسول من بعيد. (...) وخلال الشهور الثلاثة، لم أكلم أحداً، ودأبت على السير كل يوم لمسافات طويلة في الريف، آملاً بأن أرى شجرة مزهرة. لكن بعد الثلج، هطل مزيد من الثلج. لم يكن الربيع قريباً." وهذا الخطأ التاريخي، من حيث أهمية المعلومة ودقتها في بناء الرواية التاريخية، يعد ضعفاً واضحاً، فلو قرأت المؤلفة بقليل من الجهد عن تاريخ بغداد، لوجدت أن بغداد لم ترى الثلج بين الأعوام 1007م وعام 2008م حيث هطل القليل من الثلج على بغداد بعد مرور أكثر من ألف عام على آخر هطول للثلج على أرضها. ولم تذكر كتب التاريخ أية إشارة عن هطول الثلج خلال الفترة المذكورة في هذا الفصل، والغريب أن شمس يصف لنا أكواماً من الثلج، حيث يقول: "وفي صباح أحد الأيام، رأيت لوناً مبهراً، بهيجاً مثل أغنية جميلة، ينبعث من تحت أكوام الثلج..." وهذا يعني أن الكاتبة ربما تصورت بغداد هي استنبول، أو أنها لا تعرف بأن في البلدان الحارة، إن صادف ونزل الثلج، فإنه سرعان ما يذوب حال تلامسه مع الأرض، وهذا ما حدث بالفعل حين سقط الثلج على بغداد عام 2008. خطأ آخر، يخص البناء الزمني لرواية "الحرام الحلو" وبالتالي لرواية "قواعد العشق الأربعون" حين تحدثنا البغي "زهرة الصحراء" (صفحة 170) إحدى الشخصيات الثانوية في الرواية، عن بعض من سيرة حياتها، فتخبرنا بأن والدتها قد حملت حملها الثاني وكانت "زهرة الصحراء" في السابعة من عمرها... "عندما كنت في السابعة من عمري، حملت أمّي. (...) لكن لا بد أن الجنين الذي عجنه الله لأمي كان ضخماً، لأن بطنها سرعان ما انتفخت وكبرت..." ثم تخبرنا عن الولادة المتعسرة التي أودت بحياة أمها التي كانت حاملاً بثلاثة توائم، وكانت نتيجة الولادة أن تحظى العائلة بمولود واحد، وتموت الأم مع اثنين من التوائم، وتستمر "البغي تحدثنا" عن أخيها الذي كبر وصار مشاكساً، والذي كان والدها يكرهه لأنه كان السبب في وفاة زوجته... ثم يتزوج الأب من آخرى بعد سنة من وفاة زوجته الأولى، وتستمر الرواية حتى نعرف بأن الصبي صار.. "يهرب من البيت ليعود وقد اكتسب أسوأ العادات، ويصاحب رفاق السوء. (...) وذات صباح ربيعي، وجد أبي وزوجته ميتين، مقتولين بسم الجرذان، وعندما شاع الخبر، إرتاب الجميع في أن القاتل هو أخي. وعندما بدأ الحرّاس يبحثون عنه، هرب مرعوباً، ولم أره منذ ذلك الحين." ثم تنتهي القصة بقرار "زهرة الصحراء" السفر بعد أن أصبحت وحيدة، إلى إحدى معارفها في القسطنطينية، ولكن الغريب في الأمر، هو حين تخبرنا بأنها بعد كل هذه الأحداث، وحين قررت السفر إلى عمتها العجوز، كانت في الثالثة عشرة من عمرها!! أي أن أخاها الذي كان مشاكساً ومصاحباً لأصدقاء السوء، والذي هرب من الحرّاس، كان لم يتم السادسة من عمره بعد!! ورغم هذا فقد اتهمته مدينة بكاملها في قتل والده وزوجته وتمكن في النهاية من الهرب! هذا الخطأ في البناء الزمني والروائي، خطأ غير مبرر لكاتبة تتمتع بسمعة كبيرة في بلدها وبلدان العالم، وينم عن ضعف وتشتت المؤلفة وهي تتابع سير أحداث روايتها، رغم أنها تعترف في نهاية روايتها، تحت عنوان "شكر" بأن لها محرر يتابع كتاباتها واسمه "سلوفاكي بول"!!. أما الخطأ التاريخي الآخر، فقد جاء هذه المرة على لسان الشيخ جلال الدين الرومي، هذا الشيخ الذي عُرف بعلمه واهتمامه بالتاريخ كونه كان أحد أشهر خطباء وعلماء عصره، قبل أن يدخل عالم التصوف على يد صديقه شمس التبريزي. ففي موقف محيَّر كان يعيشه الرومي بسبب كثرة الأقاويل حول علاقته بشمس التبريزي، هذه العلاقة التي جلبت له بعض الخصوم والأعداء، حتى من داخل بيته، حين وقف ولده علاء الدين ضد هذه العلاقة، يقول الرومي (صفحة 283)... "منذ اللحظة التي دخل فيها شمس حياتنا، دأب الناس على سؤالي، ما هو الشيء المميّز الذي وجدته فيه، لكني لم أجد رداً على سؤالهم هذا. (...) تذكرني المشكلة التي أجد نفسي فيها بقصة ليلى وهارون الرشيد الخليفة العباسي المعروف..." وهنا يبدأ الرومي بسرد حكاية معرفة هارون الرشيد بحب قيس الجنوني لبنت عمه ليلى العامرية، فيطلب إحضارها أمامه، فيقول الرومي... "وذات يوم، أحضروا ليلى إلى قصر الخليفة هارون الرشيد، وعندما نزعت حجابها، ورأى وجهها، شعر بخيبة شديدة. فلم تكن ليلى عجوزاً أو عاجزة أو قبيحة، ولكنها لم تكن في الوقت نفسه على تلك الدرجة من الجاذبية والفتنة، بل مجرد امرأة عادية، لها عيوبها، امرأة بسيطة..." وهنا، كان على المؤلفة أن تفكر ملياً بهذا الخطأ الشهير، الذي يعد أحد القصص التي ابتدعتها مخيلة القصصاصون والتي نسبت إلى هارون الرشيد مثل آلاف القصص التي لو جمعناها وحسبنا زمنها، لوجدنا أن هارون الرشيد بحاجة إلى أن يعيش أربعة أضعاف عمره، وهذه القصة بالذات قد دحضها الكثير من المؤرخين، وأشهرهم الدكتور طه حسين، وكان ذلك عام 1925 حين نشر مقالاً بعدة حلقات تحت عنوان "الغزلون" (أنظر كتاب "حديث الأربعاء" لطه حسين، دار المعرف بمصر، الطبعة الثانية عشرة 1976). حيث وبحساب بسيط نجد أن ليلى العامرية مولودة عام 648م حسب ما تذكره لنا كتب التاريخ، وبالتأكيد هناك بعض الكتب تنفي وجود هذه الشخصية وتعتبرها من نسج خيال القصاصون، ولكن لنفترض أنها حقيقة بالفعل، ونذهب إلى هارون الرشيد، لنجده قد ولد عام 763م، أي بعد ولادة ليلى العامرية بمئة وخمسة عشر عاماً، ولو فرضنا أن هارون الرشيد الذي حكم بين الأعوام (786–809م) قد قابل ليلى العامرية في سنة حكمه الأولى، لوجدنا أن عمر ليلى العامرية آنذاك، قد شارف على 138 سنة. وهذا خلل كبير أجده قد أضعف الرواية كثيراً، فلا يمكن لرواية تاريخية أن تتضمن مثل هذه الأخطاء، كما لا يمكن لرواية تاريخية أن تعتمد على الطبيعة السردية المشوقة فقط، دون أن تكون متماسكة البناء والمعلومة. أعلم أن بعض القراء سوف لن يعجبهم هذا الرأي أو البحث البسيط الذي أكتبه، نظراً لشغفهم في الرواية، وحبهم لها، ولكن ليمنحوا العذر لقارئ مثلي ربما أكون مختلفاً عنهم بعض الشيء في طريقتي بالقراءة، خصوصاً البعض من الزملاء الذين كتبوا بحب وبإعجاب عن هذه الرواية دون أن ينتبهوا إلى ما أشير إليه في مقالتي هذه. ولكن كيف لنا اتخاذ جانب الصمت أمام هذه الأخطاء، وأمام هذه الهبة العظيمة والشهرة التي حظيت بها الرواية رغم أخطائها؟ فكيف نلتزم الصمت ونحن نقرأ بأن القاتل "رأس الواوي" وفي ليلة تنفيذه الأوامر الخاصة بقتل شمس التبريزي، كان يحمل سيفاً ثقيلاً، وكان يتمنى لو أحضر معه خنجراً... "كان السيف ثقيلاً وبارداً في راحة يدي، وكنت أشعر تحت أصابعي بالخرزتين المرجانيتين اللتين تزيّنان مقبضه. تمنيت لو أني أحضرت معي كذلك خنجراً صغيراً في غمده." (ص475)، ولكن وعند لحظة شروعه بقتل شمس التبريزي، تصف لنا المؤلفة مشهد القتل وعلى لسان القاتل "رأس الواوي"، فيقول... "بسرعة البرق، وضعت سيفي جانباً، وسحبت خنجري من حزامي، واندفعت إلى الأمام. والقينا نحن السبعة الدرويش على الأرض، وبسرعة واحدة طعنته في قلبه...". ثم تؤكد المؤلفة بأنه كان يمتلك خنجراً حين يخبرنا "رأس الواوي" بما حدث بعد مقتل شمس التبريزي... "وتسلّق الرجال الستة جدار الحديقة واختفوا في ظلمة الليل. وظللت واقفاً، أبحث عن خنجري الذي عثرت عليه أخيراً تحت أجمّة، مكسواً بالطين." (ص479) ومن الممكن أن يكون هذا خطأ في الترجمة، حيث كان الأجدر بـ "رأس الواوي" أن يبحث عن سيفه الذي رماه أرضاً وهو يهمّ إلى طعن شمس التبريزي بعد أن استل خنجره من حزامه، فقد وجدنا أيضاً أن المترجم قد استبدل كلمة "مقتل" وهي الأصح بكلمة "موت" حين جاء على لسان علاء الدين ابن الرومي وهو يصف حيرته بعد مرور ثلاثة أسابيع على مقتل التبريزي. وبالعودة إلى الأخطاء التاريخية، نجد أن من المهم أن نشير إلى خطأ تاريخي كانت المؤلفة قد ارتكبته، بشكل واضح، حين يخبرنا القاتل (ص33) كيف تلقى الأوامر بقتل شمس التبريزي، حيث يحدثنا تحديداً في تشرين الثاني (نوفمبر) 1252م أي بعد مرور أربع سنوات على تنفيذه جريمة القتل، فيقول أنه تلقى رسالة تهديد مكتوبة وهذا نصها.. "لقد عرفنا من مصدر موثوق، من أنتَ، ومن أين أتيت وأين تعمل. عضو سابق في فرقة الحشاشين! نعرف كذلك أن الفرقة لم تعد قوية كما كانت بعد أن مات حسن الصباح وسجن زعماؤك. ونعرف أنكَ جئت إلى قونية هرباً من القصاص، وأنك تعيش متنكراً منذ ذلك الحين". انتهت الرسالة التي تشير بأن القاتل قد هرب وترك العمل بفرقة الحشاشين بعد موت حسن الصباح، ولكن، لو نظرنا قليلاً إلى تاريخ موت حسن الصباح لوجدناه أنه قد حدث عام (1124م) أي قبل 124 عاماً من تسلم القاتل "رأس الواوي" هذه الرسالة التي يخبرنا بأنه تسلمها عام (1248م)، وهذا خطأ تاريخي كبير آخر، ولكن مهلاً، نحن نعرف أن فرقة الحشاشين قد استمر عملها حتى بعد موت حسن الصباح زعيمها ومؤسسها، ولو كان المقصود بإنيهار فرقة الحشاشين، هو إنهيار وسقوط "قلعة ألموت" وقتل العديد من الحشاشين، فهذا قد حدث عام 1256 حين اقتحمها المغول بقيادة هولاكو، أي بعد 8 سنوات من تسلم "رأس الواوي" الرسالة، أما آخر عهد بالحشاشين، فكان عام 1273 حين قضى عليهم الظاهر بيبرس. وبعد كل هذا يمكننا أن نوجه سؤالنا: ما فائدة أن تكتب رواية "تاريخية" بأكثر من 500 صفحة وأنتَ غير متأكد من صحة المعلومات التاريخية التي تتضمنها، وأنكَ قد اعتمدت على معلومات إنترنيتية خاطئة؟ أو ما فائدة أن تكتب رواية بهذا الحجم، وأنتَ تنسى أحداثها وشخوصها وتواريخها كلما مر الوقت وتعددت المشاهد؟

كاتب وناقد عراقي halsagaaf@hotmail.com

المصدر: كيكا

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم