رواية كاشان لخالد الوادي عبر تناصها برواية النخلة والجيران إن طبيعة الحدث خارج سياق الزمن تمكنه من أن يكتب من جديد، رغم ما يجري عليه من تغيير في إطار الزمان أو المكان، ويمكن أن يستعيد زمنه عبر لحظة السرد أو الوصف، والوصف أسهل في استعادة زمن حدث مشهود سابقا أو مسرود ببؤرة ورؤية مختلفة عما تقصده بؤرة جديدة، وإن الرواية يمكن أن تحاكي رواية اجتماعياً، من خلال مكونها البشري وبنيتها الوجودية أو ما يسمى واقع الرواية، ولا يمكن أبدا ان تحاكيها فنياً، لأن ذلك استلاب على أداء ورؤية، وليس على مكان او شخوص، والبعض يخلط بين التناص الاجتماعي الذي هو مجريات احداث تاريخ بشري، فيها الكثير يتكرر في زمن لاحق، ومثال نوره لتحقيق الفكرة، فعلاقة حب بين شاب وشابة عوائلهم مختلفة ومتعارضة، فكم من قصة قد تناولت تلك الفكرة، وكم من أدب بلدان متعددة تناولها، وهناك الكثير من الاحداث تدور في مدار زمن معين، وياتي زمن لاحق لتجدها تدور في مداره، ولا يختلف إلا شكلها، وأعتقد ان هناك سوء فهم يتناول الفكرة من أفق المغالطة، وألحت علي كثيراً فكرة التناص الاجتماعي الواسع التشابه في واقع كيان رواية (كاشان) التي يعتبرها علي جواد الطاهر لو كتبت في زمن سابق، رواية قصيرة، ورواية (النخلة والجيران)، والتي يعتبرها علي الوردي أول رواية عراقية تامة، وأيضا قد أنهت مرحلة لم تبلغ التكامل، وقد بدأت مرحلة الرواية بها، وطبعا تلك امتيازات قل نظيرها من الاب الخالد علي جواد الطاهر، وأيضاً لابد أن نقر بصعوبة أن نبلغ بالتصورات عتبة الإقناع، للفارق الهائل بين الروايتين وعلى الأخص أن رواية غائب طعمة فرمان تعتبر أثراً أدبياً، فيما رواية خالد الوادي هي رواية جديدة وأولى، وهي بنصف حجم رواية (النخلة والجيران)، ولكن من الحق أن نقول إنها اختطت لها مساراً متفرداً تقريبا، من حيث انها عبر اللهجة تجاوزت افق الواقع المضبب، واستعارت من الماضي أوضاع اجتماعية، في تلك الاوضاع صراع طبقي بادي بوضوح، ورسمت ملامح قهرية، وتميزت بوصف موزع بشكل متناسب له دوره في انسيابية الاحداث وتناميها، وفي القصة كما يرى الطاهر شخصية محورية هادئة وليس بطل لما هو خارق او يصدم انسيابية الرواية، وقد شاركت رواية خالد الوادي في كثير من الملامح الاجتماعية رواية غائب طعمة فرمان، ولم يهتم غائب طعمة فرمان اهتمام أساس بشخصية بشكل تام ويتفاعل معها الى حد واضح وجلي، كان خالد الوادي على العكس من ذلك سعى أن يبث في كل فصل حساً أدبيا في كيان شخصيته، ولكن دون أن يستغرق عبر الوصف، وايضا تجلت لغة رواية (كاشان) في إطار قيمة اللهجة وضرورتها في ان تبرز هوية كيان الرواية الاجتماعي، وكما فعل غائب طعمة فرمان في روايته، حيث اكسب الرواية هويتها، التي تمتاز بالأصالة حينها، والقناعات الاجتماعية، ولكن ان الشخصية الاساس في رواية ( كاشان) سعدون بعمره الذي هو تام البراءة، يمنح الاحداث تميزا ولذة، وان العنوان يرتبط بسعدون مباشرة، ودلاليا يمثل الهاحس الاساس لدا سعدون، وكما ان (العربانه) في رواية كاشان ذات دلالة رمزية وهي تحمل الملح، أما في رواية (النخلة والجيران)، فهي وسيلة نقل ومعيشة ليس الا، وهذا الفارق كبير له تأثيره، واعتقد ان رمزية الملح كبيرة وواسعة، وطبيعي ان الرمز اهم من وسيلة نقل مدركة اساسا، وفي رواية غائب طعمة فرمان شريحة اجتماعية تعيش في مكان وظرفها الزمني محدد، ورواية ( النخلة والجيران) رواية شخوص على افق واحد يتحركون،وقد جعل غائب طعمة فرمان الفن عامل اساس في حركة الشخصيات، ولم يجعلم يتحركون عبر ما يرتضيه لهم، اما في رواية خالد الوادي، لاتوجد شريحة او شخوص متعددين على افق مشترك، بل هناك شخصية مركزية تصف لنا وهي مركز الاحداث بمجملها، ورواية غائب طعمة فرمان سهلة وتسترسل احداثها انسيابيا، وكذلك ايضا رواية خالد الوادي رواية واضحة وسهلة ولا عمق فيها يقلق القارى، وكما ان خالد الوادي، كان تماما مثل غائب طعمة فرمان بعيداً جدا، ولا تدخل لشخصه او اناه، فقد منج شخصيته المحورية الارسطية الطابع حرية ان تتبع فطرتها، وكان هذا الامر في غاية الاهمية، لان سعدون شخص بسيط تطورت حياته من حرمان عام الى حرمان خاص، وسخرت منه الأقداربشكل مرير، وبرغم انه لم يبرز لنا اثار العنف ضد الانسان مباشرة الا في حالة التعدي عليه على وجه الخصوص، او إنقاذه مزاحم من ايدي الثلة التي ارادت ان تبطش به، لكن مثلت السجادة التي تحمل اسم الرواية منعطفا لاطر عدة، منها ما هو يمثل تأكيد لوجود فوارق طبقية وحرمان حاد يعيشه افراد، وطبعا ليسوا كما سعدون تجكمهم فطرتهم، وايضا كان حسه البشري يتيح لسعدون أن يتجاوز حدود الواقع دون قصد، وفي رواية غائب طعمة فرمان لا وجود الا للعوامل الواقعية، وحتى فطرة العربنجي كانت غير ملموسة، لانها كانت ضيقة الافق، وهيمن الواقع الاجتماعي الجمعي عليها بشكله الارسطي وليس بمضمونه، او عبر وجدان الافراد بشكل منفصل، وقد حققت اللهجة في العملين مبتغاها على عكس ما يرى البعض، وعلى الأخص في التشخيص والتدليل المباشر، وبرغم الفارق الزمني بين الروايتين، وتغلغل كل منهما في فترة حساسة من فترات العراق، لكن بقي المضمون الاجتماعي عبر اللهجة يحجم المواقف، والتي كانت أسرع وأقصر في رواية (كاشان)، حيث كانت الانتقالات من حدث الى آخر سريعة، وكانت بعض الاحداث تنتهي كليا، ولولا وجود ارتباط للاحداث بمجملها من خلال شخصية سعدون، لبدت كما مقاطع ضعيفة الارتباط، وهذا لم تجده في رواية ( النخلة والجيران)، حيث كل حدث متين ومتلازم ووثيق الارتباط بالاحداث الاخرى، وهناك تشابك خلقه خيال غائب طعمة فرمان وصفا على الغالب، اثمر دلاليا من جهة المكن والشخوص، او سردا في مواقف زمنية محددة تشابه منها مع مواقف في رواية كاشان، حيث هناك امراة فاعلة في الروايتين، ولكن شتان ما بين ( سليمة الخبازة ) وبين امراة اب سعدون ( بسعاد)، فواحدة واسعة النظر بروح طيبة وحكيمة، والأخرى على العكس كانت تضمر حقدا وكراهية وغدرا لابن زوجها، برغم احتماله لها بفطرة وقبول انساني، وأعتقد أن التناص الاجتماعي لايحدده زمان ادبي، او يفرض عليه عمل ادبي معين التفرد به، وهذا ممكن اذا ما توفر فن يهله الى ذلك التفرد، وبما ان الرواية هي ظلال لوجودنا البشري، لابد ان تتكر صور ومشاهد واحداث واحاسيس حتى، وهذا ما كان في رواية (النخلة والجيران) ورواية (كاشان) من تناص اجتماعي بالرغم من وجود فارق زمني بينهما قد تجاوز خمسين عام. هناك ثمة مسألة تشكل اهمية كبرى في التمايز بين الروايتين، وهي تنحصر في بعد أساس هو يتمثل في عنصر الخيال الروائي، حيث فرمان تهيمن عليه ذاكرة، وتؤطر تلك الذاكرة ببعد ايدلوجي، جعلت نسبة الخيال وبعد المعالجة الفنية التي ترتبط به شحيحة، وما أغنت الحكاية بما تفقده من تميز وإدهاش وبريق ونفس حياتي مختلف، لكن شخصية رواية كاشان كانت أبلغ وبثت في كيان الحكاية تلك الصفات، وأيضا يتمثل بها عنصر الجرأة الادبية، سيان كان عبر فطرة شخصية الرواية المحورية، أو عبر قصدية الكاتب خالد الوادي في تمييز الخيال الروائي ببعد يندر استخدامهن وهو بعد التهكم والسخرية القدرية، وليس الكوميديا السوداء، لانها بعيدة عن غرضه الروائي، وقد تفوق بطل رواية كاشان حتى على نفسه في صياغة سخرية قدرية، تمثلت بإصراره في ظروف مختلفة ومتباينة البعد الاقتصادي والسياسي، حين صارت السجادة حلما ازليا، وببديهته يطالب بأستمرار بتملكها، فكان من جهة بعده الواقعي هو شخصية من لحم ودم، وتلك الجهة لم تتجاوزها شخصية غائب طعمة فرمان، ومن جهة اخرى صار انموذجا روائيا وهو هنا ليس من لحم ودم بتفوقه عبر بدهته وفطرته التي لا تميز بين ظرف سياسي وآخر، وتلك الشخصية تصاعد ايقاعها تدريجيان وصارت كما توصف في تحليل بنية الشخصية (أنموذج) روائي، وذلك طبعا احد ميزات رواية ( كاشان ) الأهم، والتي اعتقد ازاحت وجه التشابه مع رواية غائب طعمة فرمان (النخلة والجيران) الى مساحة كبيرة بعيدا عن سمة التناص، لكن مشترك بعض الادوات والشكل التاريخي المعاد انتاجه، هي وحدات تتصف شكلا بالتناص ن ويتحقق ذلك في اعمال عدة، لكن مضمونا يكون وجه الاختلاف هو واردا هنا، وقد حققه الروائي عبر غرض بقي تبئيره نسبيا، ولم تبديه فطرة شخصيته الروائية، الا اذا دققنا في تلك الفطرة التي بدت اصيلة وغيرمصنعة، وتلك ميزات تصنيف وتأكيد ورود افضلية لرواية خالد الوادي، لكن ليس عبر الفارق التاريخي، بل ربما لتوسع حرية الكتابة الى افاق ارحب، وهذا لايعني بخسان حق رواية (النخلة والجيران) لغائب طعمة فرمان الذي هو بحق احد اقطاب الرواية العراقية قيمة وليس كما، ولكن طبعا لغة الزمن المختلفة تفرض علينا تغيير نظرتنا، وان نفرق بين تاريخ ادبي واخر، ولا نفرق بينهما عبر لحظتنا الحاضرة، وهذا ما جعلنا نتاول ابعاد الاشتراك التناصي عبر تاريخين مختلفي الملامح، وطبيعي تتغير تلك الوحدات وعامل الزمن يتغير ايضا، لكن وجدنا حرية خيال اسوع قد اعطيت للشخصية في رواية (كاشان) مساحة اوسع من خلال اتاحت ذلك الى المضمون الروائي واخذ مفترقات عدة اهل بها مضامين ثانوية، حتى بلغ قمة استهكامه وسخريته القدرية وفرض نظرته الفطرية على الأشياء، فكانت الذائقة أعمق والمتعة أوسع والقيمة أبلغ.

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم