على نحو مفاجئ، وصادم، وموجع تجد الأم نفسها، وقد فقدت أعظم رجل يمكن أن تستند إليه أي امرأة.. لا تجد إلى من تلجأ، وقد تعطلت كل إمكانيات، وأسباب وجودها وبقائها، في المنزل، والمجتمع القبلي.
تحمل بندقيتها، وبعض زاد لها ،ثم تغادر هاربة، وبين يديها أربعة أطفال، خامسهم  في أحشائها، لا تدري إلى أين تذهب، أو تتجه بهم؛ خوفاً عليهم من المجهول، ومن غدر أهل المكان. 
تقطع بهم الفيافي، والجبال، والوديان، في رحلة بحثٍ عن الذات.
وعلى نحو غامض، ومريب تجد نفسها في مدينة غريبة، وبين مجتمع جديد،
وغريب، تحاول أن تكون شيئاً بينهم، وفي وسطهم، لكنها تظل تعيش خوفها، ورعبها، ورهابها من شيء ما يكبر، ويعترض، وجودها، وأحلامها.. يمتد، ويتطاول أمام عينيها، كلما رأت أطفالها يكبرون، ويأخذ بهم العمر لمواجهة الواقع .
تنقضي خمسة عشر عاماً، تعيشها الأم في شد وجذب، بين خوفها، ومصادمات المجتمع الجديد من حولها، لتجد نفسها أخيراً محاطة بخمسة أبطال : شجعان، بواسل، مغامرين، لايشق لهم غبار، ولا ينهزمون أمام المعارك، والجولات، والصولات التي يخوضونها مع الخصوم،  المتربصين بهم على الدوام في مضمار الحياة .
- حان الوقت يا أولادي الآن لنستعيد الحق المسلوب، ونجسد العدل، وننصف المظلوم، ونكف يد الظالم، ونعيد الأشياء إلى نصابها. فاستعدوا للمهمة الكبرى ..!!!

▦ بهذه المقدمة التدوينية (التشويقية) نلخص الجو السردي لرواية" عيال قوتة" لكاتبها د.عبدالله الربادي، والصادرة حديثاً عن منشورات عناوين بوك 2022 ، والتي استطاع من خلالها الكاتب أن يصنع ملحمةً اجتماعية، أبطالها امرأة( بعشرة رجال من هذا الزمان)، وخمسة أبناء تضعهم الظروف- جميعاً- في مواجهة مباشرة مع صراعات الحياة، واحتمالات الموت، وتضعهم مع تحدٍّ مباشر لنظام اجتماعي يقوم على مفهوم القوة، في نيل حقوقه المسلوبة، وعلى مفهوم الثأر كقاعدة مرتبطة ببناء تلك القوة المستندة لأعراف وتقاليد القبيلة، والبيئة المجتمعية بوجه عام ..

▦ إنها رواية الألم، وجلد الذات، وصراع الحب، والعاطفة، والثأر، والقيم النبيلة .
رواية تمنح كل شخصية دورها، وواقعها الذي يوائمها في سياق بناء الحدث المحكي، وجميع الشخصيات الروائية الرئيسية نجدها تتشابك وتندغم فنياً، وحبكياً، وحياتياً مع الأحداث، بشكل شائق، وجاذب للقراءة؛ ففيها تتجسد قيم الأمومة، والرجولة، والبطولة، والشجاعة، والحب، والفتوة، والبذل، والتعاون، والسماحة، متفوقة بذلك على قيم الانتقام، والقتل، والكراهية، والحقد، والحسد، والظغينة.

▦ رواية "عيال قوتة"، وإن كانت تقوم على فكرةٍ مثخنةٍ بظلال ثأر قديم يتحرك في مرآة محدبة، تعكس مشاهد أحقية الانتصار للظلم، بسيف اليد؛ لكن عامل الحب يتغلب على جانب الكراهية، وينتصر ختاماً .
وفي امتداداتها الحكا ئية، ذات الـ(17) فصلاً، نقف على مضمون سردي شائق، ولاهف: فكلما انتقلنا من فصل لآخر أعادت فينا القراءة تدوير اللهفة؛ لمعرفة ما سيؤول إليه الحكاء في بقية الفصول، بسبب من تغليف الأحداث بنوع من الغموض، وحيوية الدهشة، وعاطفية المفاجأة،  والجمع بين مشاهد الحب، والصراعات الحياتية اليومية على نحو محفز، وعاطفي، وماتع ..

•••••••••••••••

عن الكاتب :
- د. عبدالله الربادي
- حاصل على بكالوريوس تاريخ، كلية التربية، جامعة ذمار بتقدير جيد.
- ماجستير إدارة وتخطيط، تربوي  كلية التربية جامعة ذمار  بتقدير ممتاز.
- دكتوراة إدارة وتخطيط، تربوي كلية التربية، جامعة تعز بتقدير ممتاز .
- له عدد من  الروايات :
• رواية" ذئاب بشرية" 
• "كنوز الملكة بلقيس"
• عسكري من ذمار"  
• "اللقيط" "دحباشي"
• "عيال قوتة" ، صادرة عن عناوين بوك القاهرة، 2022 . 

•••••••••••••
أديب وناقد من اليمن 

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم