"الإزعاج الوحيد في التوقف عن الإيمان بأن البياض للفل، مشكلة تخص أهل اللغة، فليُحَدِثوا قاموس تعريفات الألوان، إن جُنت الطبيعة فلنجردها مما خلعناه عليها من أوصاف. سياسة التكبر والتجاهل المتبعة مع تغيرات المناخ إلى أن طال الشتاء مبتلعًا خريفه وزحف الصيف على ربيعه."
طروحات جريئة، قوية ومختلفة أطلقها الكاتب الأديب ياسر عبد الحافظ في روايته الأحدث “رماد العابرين" الصادرة عن دار الشروق بعد تسع سنوات من "كتاب الأمان" الفائزة بجائزة ساويرس الثقافية 2015، سبقها “بمناسبة الحياة” التي وصلت القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2007.
نصٌ متمرد، يحمل أفكارًا خارجة عن المألوف، ما يدعونها النقاد بالتجريبية ربما، فمن ريبة عن واقعية الحكاية، إلى خيال جامح عن الحياة الأخرى، ما بعد الموت، الرحلة ما بين العالمين، العبور الى النعيم، وتساؤلات ذكية مبهمة بآن واحد فيما يخص المصير والذاكرة، الطبيعة والمناخ، الأنبياء والبشر!
سرديةٌ مُلغزة، تمتد سبع ساعات منذ ال ٥:٤٥ م “كل ما نحن عليه مجموعة من الصور معلقة في أذهاننا، إن سقطت سقطنا”، وكل ساعة تشكل فصلًا مكوناً من سبعة أجزاء، ما يحيل القارئ لتتبع زمني خاص، بحثًا عن رمزية العدد سبعة في الرواية، لدى المؤلف ومغزاه في حياتنا.
حبكةٌ ذكية، مابين المدينة والصحراء، مابين الحياة والموت، مع شخوص في ثنايا أرواحها بحث مضني عن الحب، خوف مربك من الحقيقة.
"عندما تختار الخيالي أسلوبًا ونمطًا للحياة، فأنت تسلم نفسك إلى عالم أول بنود قانونه أنه لا ضمانات لأحد مهما بلغت قدرته على التخييل. والبند الثاني أنه من حق ما ومن تخلقه التلاعب بك مثلما تتلاعب به."
حكايةٌ لغتها فسيفساء ملونة، بسيطة غنية، عربية متقنة، ما أكسبها رفعة مجدت مفرداتنا التي بتنا نتوق إليها، كدنا ننساها لو لا أقلام ذهبية كمؤلف هذا الرماد.
أي عابرين عنى؟ نحن يومًا ما أم أبطال الرواية؟ أي جوهر في الحياة أراد عبد الحافظ لفتنا إليه؟ أي خطيئة نرتكب توصلنا لمتاهة لا رشد فيها؟ أي الإرادات نمتلك كي نعبر الطريق؟ ماذا لو استأثر الانسان قدرات على الطبيعة؟ هل في الموت حياة ثانية؟ ما معنى الخلود؟ هل الجنة مكتبة؟ ماذا عن كتاب يميننا؟ ولو خيرنا بين الواقعي والخيال ماذا نختار؟
بضع أسئلة ستتباين مع كل فرد، وأثناء مطالعة ثانية لنفس القارئ، فهل استنطق ياسر عبد الحافظ الخيال ليروي عن الغيب؟ أم تتبع الحقيقة ليحكي قصة غامضة؟
"كنت نبيًا، أو على الأقل أوشكت أن أكون، والكل كان كذلك بطريقته، لديه افكاره عن الحياة ودوره وعما ينبغي أن يكون عليه هذا العالم، أي شخص يمكنه ببساطة أن يكون قديسًا أو مؤلفًا أو مخترعًا، العاديون والمتشابهون أقلية لأن النجاح أشبه بالثمرة الطازجة على غصن لم يعد يحتمل ثقلها، يكفي مرور أحدهم أسفلها لتقع على رأسه."
"رماد العابرين" من النصوص العربية التي أتمنى لو يُظلل اسم كاتبها، أو يخفى كي يحظى الثناء والتقدير اللائق الذي ليلقاه لو بان اسم المؤلف أجنبيًا! روايةٌ وجودية فلسفية تحتشد في سطورها مقومات الادب الرفيع بدءًا باللغة الى قصة منسوجة ببراعة فائقة، وعلى من ينوي مطالعتها التحلي بالتخلي، بمعنى ترك أي معتقد مهما كان أثناء الاعتكاف لقراءتها.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم