«رحلات تاكاؤكا».. رواية تحكي عن رحلة مثيرة في قلب آسيا مليئة بالمغامرات والمفاجآت
رحلة إلى المجهول
كان الأمير تاكاؤكا ابنًا لأحد الأباطرة الذي أصبح فيما بعد كاهنًا. وفي الستينيات من عمره، انطلق في رحلة بحرية إلى الصين ومنها إلى بلاد أخرى، وبينما هو متجه بسفينته إلى الهند، اختفى في الطريق. إن تاريخ القرن التاسع هو الأساس الذي يتمحور حوله كتاب ”رحلات تاكاؤكا“ الخيالي، وهو النسخة المترجمة لكتاب ”تاكاؤكا شينو كوكايكي“ للكاتب شيبوساوا تاتسوهيكو الذي عاش في القرن العشرين، وقد قام بالترجمة ديفيد بويد.
يقوم تاكاؤكا ورفاقه برحلة رائعة لزيارة الممالك القديمة في جنوب شرق آسيا، الواقعة فيما يعرف الآن بفيتنام وكمبوديا وتايلاند وميانمار ويونان (جنوب غرب الصين) وسريلانكا وإندونيسيا وماليزيا. حيث يقابلون كائنات غريبة مثل باكو، وهي مخلوقات تشبه التابير تأكل الأحلام، ورجال العسل، الذين لا يأكلون في أيامهم الأخيرة سوى العسل، وتعد جثثهم قيّمة نظراً لخصائصها الطبية.
لكن عقل تاكاؤكا يظل متعلقاً باليابان وبزوجة والده كوسوكو، التي سرقت قلبه عندما كان صبيًا. فلقد سمع لأول مرة عن أرض هندوستان الغريبة من كوسوكو، حين ادعت أنها رأته يستقل سفينة هناك في المستقبل. إلا أنها تورطت بعد بضع سنوات في صراع على السلطة مما أدى إلى انتحارها فضلاً عن عزل تاكاؤكا من منصبه كإمبراطور مستقبلي للبلاد.
وكانت كوسوكو تظهر في أحلام وكوابيس تاكاؤكا وتتجسد في الشخصيات التي يلتقي بها. كما ظلت تطارده صورتها وهي ترمي كرة من الضوء باتجاه هندوستان - حجر أو بيضة تقول إنها ستولد من خلالها من جديد كطائر. بالإضافة إلى الشخصيتين التوأم أكيمارو وهارومارو اللتين تتحولان بين هيئة الإنسان والطائر وبين الذكر والأنثى، وقد يكونان نفس الشخص، أو تجسيداً لزوجة والده كوسوكو.
اختلاط الأحلام بالواقع
ولأن جزءاً كبيراً من أحداث الرواية يدور في الأحلام، فمن الصعب تحديد ما يحدث بالضبط. إذ قد يستوعب القارئ أن فصلاً من الأحداث الخيالية غير القابلة للتصديق قد انتهى عندما يدرك أن تاكاؤكا وحده هو الذي اختبر تلك الأحداث. وهنا يتعمد الكاتب شيبوساوا أن يزيد من الغموض من خلال مفارقة تاريخية، حيث تتحدث الشخصيات عن مسافرين مستقبليين مثل ماركو بولو، لكن آكل النمل الذي يقابلونه يعترض على الرأي القائل بأنه لا يمكن العثور على نوعه في آسيا، ولن يتم ”اكتشافه“ إلا لاحقًا بواسطة كريستوفر كولومبوس.
وهكذا، في حين يمكن للقارئ أن يشعر بالبحث المضني الذي أفضى إلى إحياء هذه الخلفية التاريخية (وقد يشعر بأنه مجبر على البحث عن العديد من أسماء الأماكن غير المألوفة)، فإن شيبوساوا يبادر دائمًا إلى قلب الأحداث والتأكيد على أنه غير ملتزم بالمنهج الأكاديمي الصارم. بدلاً من ذلك، فهو قادر على إعادة تعريف مفهوم الغرابة من خلال أسلوبه الأدبي الفذ، حيث قد تكون كل وجهة جديدة مختلفة بطريقة سحرية في السرد، أما الحقيقة العارية فهي غير مهمة.
أهمية الترجمة في عملية التبادل الثقافي
فضلاً عن كونه أديباً، اشتهر شيبوساوا كناقد أدبي ومترجم، وقد أدين في محاكمة سيئة السمعة بسبب إحدى ترجماته للروائي الفرنسي ماركيز دي ساد. كانت ”رحلات تاكاؤكا“ أول رواية كاملة له، وقد كتبها قبل وقت قصير من وفاته وفازت بعد وفاته بجائزة يوميوري. كما حازت الرواية على إعجاب الأغلبية الساحقة من القراء وتم تحويلها لاحقًا إلى مانغا بواسطة كوندو يوكو.
نظراً لإشاراته العديدة إلى التاريخ الياباني والآسيوي غير المعروف، لم تكن ترجمة هذا الكتاب مهمة يسيرة. حيث يمكنني تخيل العقبات والصعاب التي واجهها المترجم للحفاظ على ذهن القارئ الإنجليزي حاضراً مع الحفاظ على روح النص. وكمثال صغير على ذلك، يشار عادة إلى الهند القديمة باسم ”تنجيكو“ باللغة اليابانية، وهي كلمة مشتقة من ”تيانتشو“ باللغة الصينية، ولكن بويد اختار كلمة ”هندوستان“ لنقل نفس المعنى دون تعقيد.
لا شك أن بويد مترجم ماهر، لكن قراره بترجمة ”رحلات تاكاؤكا“ إلى اللغة الإنكليزية كان قراراً جريئاً، ربما كان الدافع وراء ذلك هو ترجمة الرواية إلى الإيطالية والفرنسية في السنوات الأخيرة. وكما سلط شيبوساوا الضوء على الشخصية التاريخية الغامضة للأمير تاكاؤكا بجعله بطل روايته الصادرة عام 1987، فإن ترجمة بويد تنقل قصة الحلم والذاكرة والترحال بين البلدان الغريبة إلى القراء المعاصرين باللغة الإنكليزية.
0 تعليقات