نوجيما تسويوشي  

منذ أن حصلت روايتها اليابانية الأولى هيتوريماي ”الرقص منفرداً“ على جائزة غونزو للكتاب الجدد في عام 2017، أصبحت كوتومي لي محط إعجاب النقاد في اليابان. ففي عام 2019 تم ترشيح عملها أيتسوتسو كازوئربا ميكاتزوكي جا ”عد إلى خمسة وهلال القمر سوف...“ لجائزة نوما للوجوه الأدبية الجديدة،  وأدرجت أيضًا في القائمة القصيرة لجائزة أكوتاغاوا حيث حازت لي على ثناء كبير من محكمين كبار مثل تاكاغي نوبوكو وشيمادا ماساهيكو.

لفتت لي الانتباه مرة أخرى بأحدث رواياتها هيجابانا جا ساكو شيما  ”الجزيرة التي تتفتح فيها أزهار زنبق العنكبوت الأحمر“ التي صدرت هذا العام، وكانت من بين الروايات المرشحة لجائزة ميشيما يوكيو المرموقة، كما اختيرت مع إحدى روايات  إشيزاوا ماي للفوز بجائزة أكوتاغاوا رقم 165. وبفوزها بهذا التكريم، تنضم لي إلى قائمة أعظم الشخصيات الأدبية في اليابان، بينما تصنع التاريخ أيضًا كأول كاتبة من تايوان تحصل على مثل هذه الجائزة المرموقة.

اللغة الثانية

تنتمي لي إلى مجموعة مؤلفين من تايوان يكتبون باللغة اليابانية من بينهم هيغاشياما أكيرا وأون يوغو، لكن ما يميز لي عن معاصريها من الأدباء التايوانيين هو أنها لم تكن تتحدث اليابانية وهي صغيرة مثل هيغاشياما وأون، وكلاهما يعيشان في اليابان منذ أن كانا طفلين. بدلاً من ذلك، أمضت سنواتها التكوينية في تايوان منغمسة في لغتها الأصلية الماندرين الصينية، وتعلمت كتابة الروايات باللغة اليابانية بعد سنوات من الدراسة والممارسة المتفانية، مما جعل من فوزها بالجائزة الأدبية الأولى في اليابان أمراً مدهشاً للغاية.

شغفها بالعروض الثقافية الشعبية المتنوعة في اليابان، دفعها إلى دراسة اللغة اليابانية في سن المراهقة. وبعد تخرجها من إحدى أفضل الجامعات في تايوان، جاءت إلى اليابان في عام 2013 للدراسة في كلية الدراسات العليا للغويات التطبيقية اليابانية بجامعة واسيدا. وبعد حصولها على درجة الماجستير، بقيت في اليابان حيث عملت في شركة يابانية بينما كانت تُصقل لغتها ومهارتها في كتابة الروايات.

سبق وأن فاز كتاب تايوانيون بجائزة ناوكي الأدبية الرائدة في اليابان. تُمنح هذه الجائزة في نفس الوقت الذي تُمنح فيه جائزة أكوتاغاوا، والتي تُمنح لكتاب الروايات الجدد، إنها جائزة اليابان الأولى للأدب الشعبي من أي نوع. حصل كيو إيكان على الجائزة في عام 1955، كما حصل عليها تشين شونشين عام 1968. ولد تشين ونشأ في كوبي بمحافظة هيوغو، ونشأ كيو متحدثًا أصليًا للغة اليابانية في تايوان عندما كانت تحت الحكم الياباني قبل مجيئه إلى اليابان. لكن الأمر مختلف بالنسبة إلى لي، فقد بدأت في تعلم اللغة اليابانية في سن الخامسة عشر حتى وصلت إلى مرحلة الإتقان التام، ناهيك عن موهبتها كمؤلفة. كل هذا جعل من إنجازها أمراً رائعاً.

كما إنها تظهر نفس الكفاءة عندما تكتب بلغتها الأم الماندرين. فبدلا من ترجمة رواياتها ”الرقص منفرداً“ و”عد إلى خمسة وهلال القمر  سوف...“ أعادت كتابتها باللغة الصينية بنفسها. وفي مقال نُشر عام 2019 على موقع Nippon.com، وصفت لي هذا العمل بأنه ”ربما ليس عملاً غير مسبوق، ولكنه بالتأكيد غير عادي“. ومع ذلك، فإن تركيزها الأدبي الرئيسي لا يزال على اليابان.

تعلم اللغة اليابانية

نشأت لي في بلدة صغيرة في وسط تايوان، بعيدة كل البعد عن تأثير الثقافة اليابانية. تقول إن لا أحد من أصدقائها ولا عائلتها يستطيع التحدث باللغة اليابانية، وأنها حتى المرحلة الإعدادية، لم تكن تعرف حتى حرف هيراغانا واحد، وهو النص الصوتي الرئيسي للغة اليابانية. الانتقال من الصفر إلى الفوز بجائزة أكوتاغاوا أمر لا مثيل له.

تتوفر الرسوم المتحركة والمسلسلات التلفزيونية والعديد من أشكال ثقافة البوب اليابانية الأخرى على نطاق واسع في تايوان. درست لي اللغة اليابانية عن طريق نسخ الكلمات التي سمعتها. ومع نمو مهارتها، بدأت تتحدث مع نفسها باللغة اليابانية، حتى أن أحلامها كانت باللغة اليابانية. لقد طورت لي اسلوبها الخاص في تعلم الكتابة اليابانية في وقت مبكر من دراستها، ووصفت هذا الأسلوب بأنه ”بحر من الهيراغانا مطعم بجواهر من الكانجي“.

لقد أتقنت الكاتاكانا قبل الهيراغانا الأكثر انتشارًا لسبب بسيط هو أن جميع أسماء شخصيات بوكيمون كانت مكتوبة في البرنامج النصي بالكاتاكانا. بهذا الأسلوب استطاعت لي أن تعزز مفرداتها اللغوية عن طريق مشاهدة الرسوم المتحركة، وتعلمت كلمات مثل كيمي ”أنت“ وشونين ”فتى“ وسوكي ”أحب“، ثم شقت طريقها نحو المرحلة الأصعب من تعلم اللغة من خلال أعمال معروفة مثل ”المحقق كونان“ و”إينوياشا“ و”هيكارو نو غو“ كما استمعت إلى مجموعة واسعة من فناني الجي- بوب، وبمجرد أن أشبعت اهتمامها بالعروض اللغوية للثقافة الفرعية اليابانية، قادتها رغبتها في فهم أعمق للغة إلى الروايات وكلمات الأغاني، حيث تعلمت التعبيرات الفنية التي تميز رواياتها اليابانية وكتاباتها الأخرى.

وعلى الرغم من أنها أصبحت أكثر ثقة في لغتها، إلا أن لي لم تكن مقتنعة بأنها يمكن أن تشق طريقها كروائية تكتب باللغة اليابانية. لقد تحدثت عن الإحساس الجوهري بعدم اليقين لدى المتحدثين غير الأصليين، وإدراكها العميق لكونها دخيلة على اللغة، قائلة ”إن أهل اللغة الأصليين دائمًا على حق، ولا يتمتع المتحدث الغير أصلي بأي مكانة لتفسير المعنى اللغوي على خلاف ما يعتقده المتحدثين الأصليين“.

أدى الفوز بجائزة غونزو للكتاب الجدد في عام 2017 إلى طرد هذه المخاوف من قلب لي من خلال التحقق من قدراتها ككاتبة للروايات اليابانية، وهي مكانة عملت بجد لتحقيقها. وتحدثت بعد قبولها للجائزة، وأعربت عن سعادتها قائلة: ” أشعر أنني أصبحت مواطنة يابانية من الناحية اللغوية“. ومع جائزة أكوتاغاوا، استطاعت التخلص للأبد من إحساسها بعدم الارتياح لكونها روائية تكتب بلغة أجنبية.

بصفتها مثلية جنسية، تمتلئ رواياتها بمجموعة من الشخصيات من مجتمع الميم. كما أن تركيزها على الهوية والتوجه هو انعكاس للانفتاح المتزايد للثقافة التايوانية، كما يتضح ذلك من شعبية أول عضو في مجلس الوزراء من المتحولين جنسيًا في تايوان، الوزير الرقمي أودري تانغ.

في روايتها ”الجزيرة التي تتفتح فيها أزهار زنبق العنكبوت الأحمر“ تستكشف لي موضوع الهوية من خلال عيون أبطال الرواية، فتاة لا تتذكر ماضيها وتجد نفسها عالقة في جزيرة غريبة. هناك تلتقي بالمقيمين الذين يتواصلون بإحدى اللغتين على أساس الجنس ”لغة ذكورية وأخرى أنثوية“. في النهاية سيطر المتحدثون باللغة الأنثوية على المجتمع، لكن الفتاة في طريق تعلمها استخدام اللغة الأنثوية تكتشف التاريخ المأساوي للجزيرة.

تأثرت الرواية برحلات لي حول أوكيناوا، بما في ذلك رحلات إلى يوناغونييما. ففي حين أن يوناغونييما جزءًا من اليابان، إلا أنها منطقة بعيدة جغرافيًا وثقافيًا، وهي أقرب إلى تايوان وحتى الصين من البر الرئيسي لأوكيناوا. يرتبط تاريخ الجزيرة وعاداتها ارتباطًا وثيقًا بتايوان، وتستعير لي بشكل خيالي من تجربتها أثناء سفرها حول أوكيناوا لتوضيح كيفية تأثير التقارب بين الحدود والتنوع على هوية الشخص.

وعلى غرار الفتاة بطلة الرواية، وسعت لي هويتها من خلال اللغة، وحققت في هذه العملية واحدة من أعظم درجات التكريم في الأدب الياباني. إن فوزها بجائزة أكوتاغاوا هو دليل على حبها للغة التي تبنتها، وعلى العشق والقبول الذي تلقته في المقابل.


تم اختيار لي كتومي إلى جانب إشيزاوا ماي كفائزتين بجائزة أكوتاغاوا الأدبية رقم 165. وتعد كاتومي أول كاتبة تايوانية تفوز بهذه الجائزة المرموقة التي حصلت عليها عن عملها هيجابانا جا ساكو شيما ”الجزيرة التي تتفتح فيها أزهار زنبق العنكبوت الأحمر“. بدأت لي دراسة اللغة اليابانية عندما كانت في سن المراهقة، ثم انتقلت بعد ذلك إلى اليابان حيث شرعت في الكتابة بلغتها الخاصة. في هذا المقال، نلقي نظرة على ما دفع لي إلى المجيء إلى هذا البلد والطريق الذي قادها إلى الفوز بأكبر جائزة أدبية في اليابان.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم