يرتكب الروائي هيثم حسين في روايته "كريستال أفريقي" أكثر من مغامرة، أحدها الرواية نفسها بذهابها إلى مناطق لم تعبر إليها الرواية إلا نادراً، فما بالنا بتقصير رواياتنا الصادرة بالعربية.

يغامر حسين برزمة من الموضوعات الحسّاسة واللافتة، التشويق والإثارة كفيلة بتمريرها بسلاسة، سيلهث القارئ وراء الأموال المنهوبة، يتقصّى مصيرها ويتتبعها حركتها من حدث إلى حدث، تشدّه اليها دراماتيكيتها في نشدان أبطالها الكبار والصغار السلطة بحثاً عن المال في دروب الهلاك، تبدأ في بلداننا؛ بلدان الشرق الأوسط، ثم أكثر ما تتركز في بلدان أفريقيا القارة السوداء، وتنتهي في أوربا السعيدة، عبر كواليس الفساد المتشابهة والخطرة، فالموت بالمرصاد.

عامل التشويق ليس للتشويق فقط، وإنما في الاطلاع على مسالك الفساد، آلياته، أساليبه، مكامنه، تتبدى بأعمق وأجلى صوره المتنوعة، الشرهة والبذيئة، في شراء عملاء وتجنيد حكومات وسلطات وجنرالات وقادة خانعين لسلطان دكتاتوريات رثة. ليس في هذا العالم الموبوء ما يشذ عن هذا المنطق، حتى في بلدان الحكومات الديمقراطية، هناك مسارب الى قلب الرأسماليات الجشعة، وهناك متنفذون ورجال أعمال في الخطوط الخلفية يمكن التعامل معها، بلغة واحدة، لغة المال والجريمة والجنس، لديها غرفها السوداء التي تفوق قتامة أفريقيا التعيسة بمرتزقتها المسلحة بالقتل والاغتصاب، وإذا كان هناك قانون في أوربا، لكنه في الواجهة، بينما هناك لا قانون تسري مفاعيله في الخلفية، يتم من خلاله التعاون والتفاهم بين أنواع وتنويعات الجريمة المنحطة والشرهة، يُشترون بثمن باهظ لا يزيد عن حفنة من ملايين الدولارات، فهم لا يقنعون بالقليل، طالما الغنيمة كبيرة جداً.

يغوص في هذا المستنقع مغامر كردي يحلم بالتقاعد المريح في منتجعات أوربا، لا يخفي سعيه نحو ثروة العمر من الأموال المهرّبة بعد سقوط صدام حسين، يأخذ على عاتقه، إيصال مليار دولار إلى أوربا ليجري غسيلها في بنوكها، يعرف المفاتيح المختلفة إلى مراكز القوى الفاعلة، اذ لكلّ مركز منها مفتاح، ومثلما هو مقدام هو متطير، رجل حقيقي ليس على نمط جيمس بوند، متخيّل ذو قدرات متخيلة، يقتحم الأخطار بقلب قوي وخائر، يتغلب على مخاوفه بتحمل خيباته المتوالية، والنهوض من كساح الهزيمة، والتجرؤ على إعادة الكرة تلو الكرة.

يكاد في كل خطوة يلاقي حتفه ليس تمثيلاً وإنما حقيقة، فالموت مزروع في كل مكان يقصده. ينجو من الألغام، يخرج من وكر إلى وكر، تحت قبضة العسكر وحصار الدبابات، وما كان أهونها بالمقارنة مع كوابيس الرعب، تبددها  الآمال بالمليار دولار، وإن من فرط ما سيدفع من رشاوى ووعود بعمولات وتقاسم الدولارات الهائلة لدى كل دولة، لن يبقى منها شيء، طالما أنها في تسرب مستمر، وقد لا تصل إلى مثواها الأخير في بنوك أوربا... لكن لن يُعرف حتى اللحظات الأخيرة من نهاية المغامرة القسرية مصير المليار دولار، فهي ما زالت في مكان ما، او في اللا مكان من مآلاتها المجهولة، تنتقل من جحر إلى جحر تحت الحراسات المشددة بالأسلحة الثقيلة، فالعسكر لا يتورّعون عن القيام بمجازر وانقلابات في سبيل حيازتها كمكافأة على حيازة السلطة المطلقة.

رواية فضيحة، جريئة ممتعة ومثيرة، لا تحاكي الخيال ولا روايات الغرب، تجري على أرضية واقعية صلبة، وتخصنا نحن، إنها ثرواتنا في البداية والنهاية تسلب منا، رواية كاشفة، محاولة تفتقد إليها ليس الروايات الكردية التي تتدفق بجدارة الى أسواق الكتاب ومعارض الكتب، وانما أيضا الروايات العربية.  

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم