وجدتني وأنا أطالع الرواية، أذكر كلام رضوى عاشور: “عادة ما أشعر انى خفيفة قادرة على أن أطير وأنا مستقرة على مقعد أقرأ رواية ممتعة"، وأتساءل أين الإمتاع كي أطير؟

حسنا، إنه غائب تماما وإن حاول الكاتب جاهدا أن يرص صفوف العبارات الساخرة ويستحضر مواقف يعتقد أنها مضحكة، وأتحدث في هذا السياق عن القصة التي أحسن التقدير أنها لا تستحق سوى الحذف ( قصة البز) إلا أنه أوردها في عملية حشو كمن يجاهر بالهذر المزعج ويقدم برهانا ملموسا أن الكاتب الذي حظي اسمه بالاعتراف فالشهرة يحق له أن يعتبر كلامه العادي إبداعا، واثقا أن كل ما سينطق به سيجد الحظوة، وينهمك ناقد فذ في استقراء الغث تأويلا وتهويلا، فتكتسب الفكرة الهزيلة معان قادرة أن تستعرضها في كمال الإبداع، وهو ما جسده ما استعرضه في "ملحق حقوق الإنسان" وبعض جمله المفرغة من المعنى مهما قلبها التأويل.

إذا غاب الإمتاع فكيف يدافع نص عن وجوده وقد افتقر إلى الإقناع أيضا..آه يا رضوى، لو تعلمين كم تثقل الروح هذه المسماة مأساة..
تعتقدين أنه علينا أن نكون "واقعيين ونحقق المستحيل" كأن نزحزح هذا الجبل من الكلام المعاد المرصوف في سطور تتكدس كي لا تضيف شيئا إلا مزيدا من الامتلاء بالعبث، ما رأيك أن نشق الجبل بمشرطه؟..
نعم..هي عملية قيصرية فبعد أن تلاقحت التجارب ابتداء بالملهاة وأبنائها وصولا إلا الشرفات وإطلالاتها، تمخضت عن مأساة لا علاقة لها بالأسى وإنما بالفعل العبثي للأبطال في الأساطير..أستفهم في هذا الإطار: ما الرسالة التي يريد الكاتب أن يبلغها بنص قائم على التجميع دون جهد التدوير على الأقل فقد استند استنادا كليا على مواد أولية متوفرة من حيث المواضيع بل ولم يغير فيها شيئا وعرضها كما هي ونقدها بذات الطريقة المتداولة، فلم يضف لمسته الخاصة؟
ما الجدوى من محاولة التجميع في علبة أسلوبية سميت على سبيل استغباء القارئ ما بعد حداثية كأن من يخزن فيها فكرته سيقوم بعمل ليس في متناول إلا من يتسمون بروح التجديد والابتعاد عن الكلاسيكي والحال أن مشاركة الكاتب لشخصياته وحضوره العلني نجده منذ التجارب الأدبية السابقة للحداثة؟

ما المبتكر في فكرة أن النص تكتبه شخصية نسائية وبطلها هو السارد الذي تختار له قدرا كتابة القصص القصيرة مثلها، لتؤول القفلة أنه ليس كاتبا وإنما يتمنى القيام بالفعل، وحين تدور في مربعها ولا تجد منفذا بارعا وقفلة تفتح آفاقا تختار أيسر الطرق السردية وهي إعلان موت الشخوص متخذة أي سبيل من قتل وسكتة قلبية وغيرها.."وإن أسباب الوفاة كثيرة ومن بينها وجع الحياة"..حين قال درويش ذلك، لم يكن يبرر للاستسلام، وإنما على العكس، فحتى إذا تكالبت الأوجاع، لا بد من المواجهة والمقاومة وإلا لتضاعف ضحايا الوجع وسقطوا بالضربة القاضية منذ لكمته الأولى..

ورد في الرواية: نص "لا مفاجأة فيه لا يعول عليه"..إذن فليكن هذا المشرط الذي سنشق به صدر الجبل لنتعمق في جوهره، وفي التنقيب عن المفاجأة وترقبها، تحضر جملة تخنق أملا ما زال يمني النفس أن الرواية لا بد تخفي لقارئها الكثير، فلا يجد إلا الخيبة بالتصريح أن هذا النص خيالي صرف تكتبه شخصية من شخصيات إبراهيم نصر الله الذي أعلن هدنة كتابية بسبب كورونا..هل أعلنها حقا أم هي طريقة للتبرئ من نص يخلو من الفكرة المبتكرة فحتى مربعها خاض فيه حكيم مدن الملح "صبحي المحملجي" الذي على الأقل لم يسهب في شرح نظريته إلى درجة الإضجار..هل هي حيلة للتخلص من هذا النص في حال لم يعجب القراء، وتم الانتباه إلى عدم إجادة السبك حتى لا تبدو الذرائع مختلقة (ذهب البطل إلى موعد مع حبيبته في مطعم الطريق إليه صعود مسلك في الجبل، وجد عجوزا وقرر أن يشد أزرها معنويا فتباطأ فملت الحبيبة وقررت عدم الانتظار وهو لم يعتذر بعدها مقتنعا بسلامة حجته والحال أنها متى قررت المغادرة ستسلك ذات الدرب نزولا وستجده جوار العجوز..إلا إذا كانت حمامة أو بجعة وقررت الرحيل تحليقا)

في هذا السياق، تطرح مسألة شهرة الكاتب التي تجعله -مهما حبر- يجد من يلهج بالثناء، وإن كان نصه هذا لا يعول عليه..لا لحرمانه من فرصة الثراء بأكثر من مفاجأة ممتعة تروح عن القارئ وتعوضه عن صبره وهو يقرأ كلاما فقد نضارته وطعمه سواء ارتبط ذلك بالمواقف الحياتية من آراء وعلاقات مباشرة أو افتراضية أو في طريقة عرض وجهة النظر في مسألة ما في تعبير تشوبه البلادة لأنه لفظ يصدر من عقل لا يفكر ذاتيا فيستنبط مفاهيمه من رؤيته الخاصة، ويكتفي بإعادة الكلام في شكل خطابي غير مقنع.

حين يتربع الكاتب على عرش الشهرة، هل يخول له احتلاله موقع الملك تجاهل احتمال خسارته لإحدى معاركه السردية معتقدا في حصانة ثابتة من "كش" ما دامت دوائره تذود عن مربعه؟

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم