▦ في هذه الرواية تجد نفسك في مواجهة ، استكشافية مباشرة للتاريخ، ولكن بنكهة روائية إشارية تَنـْتَسجُ بمعطيات تاريخية مضيئة من حضارة اليمن القديمة؛ مُحاوَلةً من المؤلف إنارة عالم حضاري غابر (مجيد)، غايته إثارة الحاضر، نـُزُوعاً إلى تشكيل وعي مستقبلي. إلى جانب ما تقوم به من دور وظيفي معرفي، وتعليمي من خلال استحضارها لنماذج، وشخصيات، ومعالم حضارية شامخة تُعمَّق دلالاتها في وجدان القارئ .

حيث تَلتقِط الأحداثُ- كما سيرى القارئ- كل ما هو إنساني ، وحضاري، وأثري وأصيل، وصادق، وتُرسَمُ من خلالها صورة للحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والعمرانية (في زمنها، ومكانها)، مرتبطة بحقائقها دونما تحريف، أو تزوير للتاريخ الخارجي، مع عدم إغفال المؤلف للشخصيات الروائية، التي تم استيعابها فنيًا، كضرورة فرضتها الحبكة المتخيلة للرواية المسرودة حكائياً..

▦ اشتغلت رواية "قوافل البخور" مكانياً في نطاق جغرافي حدوده ماكان يعرف قديمًابـ(طريق البخور)، أو طريق ( البخور والحرير)، أو طريق ( اللبان)، وهي طريق تجارة القوافل المعروفة قبل أكثر من (4000) عام تقريباً، ذلك الطريق الدولي الذي كان يعد أحد أهم الطرق أهمية في العالم، وأقدم شبكة طرق تجارية برية، وكانت إحدى طرقه تبدأ من اليمن ، وتنتهي بالشام وفلسطين على البحر الأبيض المتوسط .

▦ يستغل المؤلف هذه الرحلة تاريخياً، ليقدم لنا معلومات معرفية، وعلمية، وحضارية - في سياق تاريخي محكي- عن كل منطقة استراحة تمر بها تلك القوافل " والتي جعل خط سيرها يبدأ تاريخياً من " "حريب"، ثم "تمنع"، "قنا" ،"مأرب"، "هجرن سمعن"، "ظفارذي ريدان"، مروراً بـ(هجرن نشق)، ثم "براقش"، ومنها إلى "نجران"، فـ(العقبة)، فـ(غزة الشام) .

وفي كل محطة استراحة، يتوقف السارد بشخصية الرواية، ليقدم لنا معلومات تتعلق بالمكان، وأهله، وخارطته السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياحية.

فقد تجد نفسك مواجهةً مع سد مأرب، وكيف بني..؟ وتتعرف إلى الخط المسند، وحروفه، وكيف يكتب..؟ وتزور المعابد مثل معبد "أوام" (محرم بلقيس) ، ومعبد "بران" (عرش بلقيس)، وتتعرف على بعض الآلهة مثل (المقه)، وتشاهد نماذج من التماثيل البرونزية، والأعمدة الحجرية المنحوتة على صخور الجبال، وترى القصور مثل " قصر سلحين" ، وتسمع بأسماء مثل: المثامن، والأذواء، والأقيال، والدادانيون، وتقرأ لأول مرة قصة "عمرو بن مزيقيا" ، وعن التشريعات، والقوانين المكتوبة التي سنها حكام تلك الفترة الحضارية، ويحدثك السارد عن: "كيف قامت حضارات هنا، أوهناك، وكيف انهارت؟! وكيف ظهرت على إثرها حضارات أخرى؟!"

إلى جانب كثير من المشاهدات والقراءات والمكتوبات التاريخية، والحضارية، التي تدور، وتُحكى على ألسنة شخصيات الرواية؛ حيث يسهب الكاتب كثيرًا- على ألسنة شخوصه- في سرد الأحداث؛ رغبةً منه بتقديم وصف تفصيلي لمعطيات تاريخية معينة، وأخرى تتعلق بالمتخيل السردي للشخوص، وذواتهم، وحيواتهم الخاصة، والعامة.

▦ الرواية اعتمدت فنياً على بنية السرد الدائري، بحيث بدأت الرحلة بأمكنة تصاعدية بدءاً من (حريب.....الشام)، وانتهت بنفس الأمكنة دائرياً (الشام......حريب) أي العودة لنفس المركز الذي انطلقت منه رحلة القوافل، واعتمدت في حكيها على خطية تسلسلية، ونمطية، تقليدية في تتابع الأحداث.

▦ الرواية صادرة عن دار "عناوين بوكس" في القاهرة، وتقع في (274) صفحة، من القطع المتوسط، وتعد الأولى للدكتور، صالح علي السحيقي، المتخصص في الهندسة المدنية، والتاريخ القديم، وله عدد من المؤلفات، نوردها كالآتي :

- التخطيط التنموي بين استغلال الموارد والحفاظ على البيئة 2004م .

- الريف المدني، 2006م

- تاريخ الملك أبى كرب أسعد الكامل، 2006م.

- هندسة البناء والتشييد في حضارات اليمن القديم، 2011م.

- تاريخ الملك السبئي شمر يهرعش، 2012م .

- قوافل البخور، رواية، دار عناوين بوك، 2022م .

........... ..............

من أجواء الرواية :

.." تنهار الأمم والحضارات عندما يتوقف كل شيء إيجابي ويبدأ التطور السالب يأخذ مكانه بأن يفقد الإنسان بالتدريج ثقافته الراقية ويسوء تعامله مع كل شيء من حوله ويفقد حبه للعمل والإنتاج والتعلم وكسب المعارف الجديدة حتى يسيطر الجهل على عقله ويتوقف إنتاجه وإبداعه ويتحول إلى مجرد آلة خراب وتدمير لكل ما هو موجود من حوله على الأرض حتى علاقته مع نفسه ومع مجتمعه وكل قادم الى أرضه، دون مراعاة لأي قانون أو عرف، فيغادرها الناس ويبتعدون عنها باحثين عن أرض جديدة يعيشون عليها . حينها تهدم الصروح العمرانية بدون اكتراث وتتصحر الأرض وتدب الفوضى وتنتهي حضارات كانت موجودة..."


0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم