"نسل الخطيئة"

عند العتبات تمكث الشياطين. هكذا تقول الناس..

لدى العتبة يقف العاشق والقارئ معا، الأول يلتهب تشوّقا تحت قدميه وصولا لقلبه الذي يحمل وردة والثاني ليكتشف الحديقة السردية بزاوية نظره بحسب اتساع قراءاته.

شيطان "الناص" باسم سليمان انتقل عبر "السارد" المساعد جميل, ليحكي تفاصيل الجريمة.

إرثنا جميعا منذ قتل قابيل لهابيل. ليقف بنا الروائي على عتبة حقيقته مابين "الحد والشبهة "

نظر الى دميته بحنيةهي الحب عينهوقال لهاالحد أقول لكِ لا الشبهة. 157.

طبقات سردية 

هنا ينتقل النص لمستوى عالٍ من التوظيف لا الوعظ الجاف.

يدخل عبر دمية يصنعها-المقتول- لتصنع منه صوتا ينخر رأس الجمود السردي، ليحرك المسرح بعين القارئ. الرواية تتحرك لا تتوقف. بحرٌ متلاطمٌ يبدأ من "العنف الذي هو واهبُ السلامالذي كان إهداءً للسوريين بكل مكان.

عبر المحقق "هشام" وصديقه المحامي هائل اليوسفي الذي عبره يقعّد الروائي "الواقع والتخييل" سرديا. يتسلم المحقق المتسائل بالرواية دوما بصورة داخلية عن الخطايا والذنوب والذبيح إسماعيل والقصة القرآنية الشهيرة. ليضع تأويله الخاص. هو اللامبالي بالسلك العسكري عموما لو أن الحياة كخزان المرحاض تفرغ بضغطةٍ من الإصبع الوسطىص12

تتكرر جمله اللاذعة اتجاه الحياة بالعمل. فهو القارئ لدوستويفسكي وغيره من الروائيين. ليقَع هشام-الذي يتقاطع اسمه مع شخصية برنامج المحامي اليوسفي- بشركٍ خطير وهو أن المشتبه بجريمة قتل "عبدالله بن أمة الله " -الزبال-هو ذاك بائع الكتب قريبٌ من المسرح_ مسرح الجريمة_ ذاته وهو الذي كان يشتري منه المحقق كتبا وكذلك ثرثرات عابرة لا تخلو من معنى ما.

"نشأت صداقتي معه... من اللحظة التي توقف فيها عن دفع عربة الزبالة أمام بسطة الكتب القديمة، وسأل عما أود التخلص منه" ص 21..ع لسان أحد جسر الرئيس "المشتبه به". يفاجأ المحقق بكمية ضخمة من الصور بغرفة "المقتول"- بطريقة درامية على المسرح- لأناس شتى كان ينتشل تلك الصور من الزبالة ويضعها على جدران غرفته بمزة جبل.

يحقق هشام حول الجريمة الغامضة بشكل كلاسيكي كأي محقّ قٍ التص قَت روحه مع اضبارات الجرائم فصار هو والمدينة بجانبها الأسود سواء.

المحقق.." ماالذي تستطيع أن تقوله عن المغدور عبدالله بن امة الله؟ 

الكرسون : مختصر الكلامكنت أجد فيه شخصا يبحث عن موته الذي فاته في تفجيرات الأزبكية ..ص 67 

الكرسون الذي يجمع "زبالة المثقفين" بمقهى الروضة الذي وجد ورقة على قفا ورقة الألومنيوم لعلبة دخان المغدور خطها قبل يوم من الجريمة, جلبها له اليوسفي المحامي الذي يتوق بدوره لمعرفة القاتل.


مسرحة السرد 

يأخذ السرد منحى عميقا للأسفل نحو استنطاق الأشياء, ويبرع الروائي هنا عبر جرد أوراق المغدور من قبل المحقق, وقبلها المسرحية المعروفة بالجثة التي كتبها المقتول.

هذا المنحى -السوداوي- يتيح لنا معرفة خلفيات كثيرٍ من الشخوص بصفحات قليلة, منذ تفجير الأزبكية وأحداث مايعرف "تمرد الأخوان" آنذاك بثمانينيات القرن الماضي بسوريا, للمشهد الأسود اليوم. كموتٍ يتناسل منذ القتل الأول للبشرية لليوم.

يحاول أن يقف الروائي عن الحدّ لا الشبهة, لننجو جميعا من محرقة الأثم الداخلي نحو التطهير الكلي. لاتبحث الرواية عن خيط الدراما , بل عن فكرة الخطيئة والحد والشبهة.. فهل نجحَت بذلك.. بصفحات أكثر عن 160 بقليل يقول الروائي الكثير. يؤلمنا ليطهّرنا جميعا.. أو يحاول ذلك.

_____

كاتب من السعودية


0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم