بنت الكاتبة ”يوزوكي يوكو“ الحائزة على العديد من الجوائز سمعتها من خلال كتابة القصص القاسية الصارخة التي تصور عالم الجريمة البشع بكل تفاصيله الهمجية. حيث تتوغل لنا أعمال مثل ”كورو نو تشي“ (دماء الذئاب) في عالم الياكوزا العنيف، وتنسج لنا رواية ”بانجو نو هيماواري“ (عباد الشمس على رقعة الـ شوغي) قصة آسرة تبدأ باكتشاف مروع. وقد تم تحويل العديد من رواياتها إلى أفلام ودراما تلفزيونية ناجحة، الأمر الذي يوضح الجاذبية الواسعة لأسلوبها في سرد القصص والروايات.

وتعد روايتها الأخير، ”كازى ني تاتسو“ (ضد الريح)، خروجًا عن الأنواع القاسية التي اشتهرت بها. حيث تقدم لنا فيها قصة مؤثرة تستكشف مدى تعقيدات العلاقات الأسرية. التقينا مؤخرًا مع يوزوكي وتحدثنا معها حول أسلوبها في الكتابة وعن مصدر إلهمها في عملها الأخيرة.

الأسرة والتقاليد

اختارت يوزوكي محافظة إيواتى مسقط رأسها لتكون مسرحًا لأحداث روايتها ˮضد الريح“، والتي تتمحور حول ˮمسبك نانبو التقليدي للأواني الحديدية“ في مدينة موريؤكا والذي يديره أب وابنه. وتبدأ العلاقة بينهما في التزعزع عندما يقدم الأب على الاعتناء بأحد أطفال الأحداث، وهو طالب في المدرسة الثانوية يعاني من عادة السرقة من المتاجر والتي نشأت نتيجة لعلاقته المضطربة مع والده النخبوي. وتظهر الديناميكيات المعقدة للعائلات المختلفة مع تكشف أحداث القصة، ولكن على الرغم من كل هذه الصعوبات والاضطرابات، تنتهي الرواية برسالة مشرقة تترك القراء مع شعور دافئ وجميل، وهو أمر لم يتوقعه المعجبون عادةً من يوزوكي.

تمثل الرواية نهجًا جديدًا لسرد القصص بالنسبة للمؤلفة. وتوضح يوزوكي قائلة: ˮجاءت فكرة كتابة رواية عائلية من أحد المحررين في الطبعة المسائية لصحيفة يوميؤري شيمبون، التي قامت بنشر الرواية بشكل متسلسل“. حيث كانت الفكرة أن هذا النوع من الأدب سوف يجذب قراء الصحف أكثر من قصصها البوليسية المميزة. ˮإن عالم رجال الشرطة والأشرار بعيد كل البعد عن عالم معظم القراء، ولكن الأسرة هي شيء يمكن للجميع الارتباط به“. ومن هنا بدأت العمل على كتابة الرواية في محافظتها إيواتى، وهو أمر لم تفعله من قبل.

وتعترف يوزوكي بأنها كافحت في البداية للتوصل إلى قصة قد يجدها القراء مقنعة. ووجدت الإلهام في نهاية المطاف في رواية سابقة كتبتها والتي تضم شخصية لمحقق في محاكم الأسرة. وأثناء البحث في الكتاب، تعرفت على اتفاق قانوني للمذنبين الأحداث يسمى ˮهودو إيتاكو“. وتقول: ˮبموجب النظام، يعهد القاضي بإعادة تأهيل الحدث إلى مواطن متطوع يعتني بالشباب، بما في ذلك توفير فرص العمل أو ضمان التحاقهم بالمدارس. لقد انبهرت بالفكرة وعرفت أنني أريد أن أكتب عنها“.

ومع قانون ˮهودو إيتاكو“، يتم وضع الشباب عادةً مع عائلات تدير شركات عائلية صغيرة - غالبًا ما تكون شركات بناء ومطاعم ومزارع - أو في مرافق الرعاية. وبالنسبة لقصة تدور أحداثها في إيواتى، تقول يوزوكي أنه من المنطقي أن تشارك الأسرة في تصنيع أواني ˮ نانبو تيكّي“ التقليدية. ˮلقد شعرت أنها قصة أستطيع أن أرويها“.

التراكمات الصغيرة والصراعات الحتمية

من خلال التركيز على موضوع الأسرة، تجنبت يوزوكي جعل الحدث المؤلم هو القوة الدافعة للقصة، وبدلاً من ذلك اختارت استكشاف المطبات العاطفية الدقيقة والكدمات التي تسببها العلاقات. وتقول: ˮيمكن لأي شخص أن يتعامل مع الاحتكاك العائلي، الذي غالبًا ما ينشأ من اختلافات صغيرة في الوعي ووجهات النظر.“ لقد صورت هذا في الرواية من خلال الروابط المتوترة بين تاكاؤ وابنه ساتورو والعلاقة التي تربط بين الطفل الحاضن هاروتو بوالده. وتصر على أن ˮالآباء يتصرفون عمومًا بما يحقق مصلحة أطفالهم بناء على ما يعتقدون، لكن الأطفال قد لا يرون الأمور بنفس المنظور“.

لقد أرادت يوزوكي أن توضح كيف يمكن أن تتراكم حالات سوء الفهم الصغيرة هذه، مما يخلق انقسامات عاطفية عميقة فيما يبدو ظاهريًا أنها بيئة معيشية مستقرة. وتقول: ˮإن رفاهية الأطفال تعني أكثر من مجرد تلبية احتياجاتهم المادية“. لقد عبرت عن ذلك في القصة من خلال مشاعر هاروتو الذي كان يشعر بالاختناق على الرغم من أن مهنة والده القانونية الناجحة تعطي انطباعًا بحياة منزلية سعيدة.

والوضع مع تاكاؤ وابنه ساتورو محفوف بالمثل، فمع فقدان والدة ساتورو في سن مبكرة وطبيعة تاكاؤ المتكتمة وتفانيه في مهنته، أدى الأمر إلى صمت العلاقة بينهما. وعندما يظهر هاروتو في المشهد، تتصاعد التوترات لدرجة تصل فيها الأحداث إلى نقطة حرجة لابد فيها من الحسم.

وتقول يوزوكي أنها كانت متخوفة من كيفية استجابة المعجبين لرواية تدور أحداثها في البيئات العادية للمنزل وورشة العمل بدلاً من شوارع المدينة النابضة بالحياة والتي لا ترحم. وتعترف قائلة: ˮلا يوجد في الرواية أي أحداث مثيرة تقريبًا. وهذا يعني أنه كان علي أن أكون منتبهة بشكل خاص في سرد القصص لتصوير التغييرات البطيئة والدقيقة التي تحدث داخل الشخصيات“.

وتظهر مهارات يوزوكي ككاتبة غامضة بشكل كامل في هذه المهمة. فهي تشرك القراء وتثير اهتمامهم، وتكشف عن نقاط الحبكة بطريقة تجعلهم في حالة تخمين حول دوافع الشخصيات بينما تحرك القصة خطوة تلو الأخرى نحو ذروتها. وهي تجيب بدورها على هذه الأسئلة المُلحة مثل لماذا تاكاؤ يعتني بـ هاروتو، واتجاه علاقته مع ابنه ساتورو، ومصير هاروتو. ومع ذلك، فهي تقول إن تسليط الضوء على ماضي تاكاؤ في نهاية القصة يمثل تحديًا فريدًا. وتشرح قائلة: ˮتاكاؤ شخصية متكتمة، لذا لم يكن من المناسب أن تجعله يخرج كل ما في جعبته فجأة“. وبالنظر في أعمال الكاتب الشهير ميازاوا كينجي للبحث عما يلهمها، توصلت في النهاية إلى نهج ينصف الشخصية.

وجزء من جاذبية رواية يوزوكي للقصص هو قدرتها على إضفاء الواقع الملموس على العوالم التي تخلقها. ففي كتابها ˮضد الريح“، تصف عملية تشكيل أدوات نانبو الحديدية والجمال الطبيعي لإيواتى بتفاصيل رائعة، بالاعتماد على بحث مباشر وذكريات من شبابها. وتقول: ˮلقد قمت بزيارة ورشة صب الحديد التي استخدمتها كخلفية للأحداث في الرواية مراراً وتكراراً. لقد عشت أيضًا في مدينة موريؤكا لمدة ثلاث سنوات عندما كنت تلميذة واستعدت الذكريات من ذلك الوقت“. وتصف في الكتاب للقراء المعالم والصخب في موريؤكا، بما في ذلك مهرجان تشاجو-تشاجو أوماكّو والمأكولات المحلية، مما يوضح سبب صعود المدينة في تصنيف أفضل وجهات السفر اليابانية.

دروس في الكتابة

اتجهت يوزوكي إلى الكتابة في وقت لاحق من حياتها. حيث ولدت في مدينة كامايشي على ساحل إيواتى، واستمتعت بالقراءة منذ صغرها، لكنها لم تطمح أبدًا إلى أن تصبح كاتبة. وعاشت حياة نموذجية: حيث تزوجت في سن 21 عامًا، وانتقلت إلى ياماغاتا، وكرست نفسها لرعاية أسرتها الصغيرة. وعندما كانت في منتصف الثلاثينيات من عمرها، صادفت مقالًا في إحدى الصحف يتحدث عن دورة لتعلم الكتابة يُدرسه العديد من المؤلفين والمحررين المشهورين. وتروي قائلة: ˮتعرفت على اسماء المؤلفين من خلال تصفحي في المكتبات“. ولرغبتها في معرفة كيف كانوا في الحياة الحقيقية، قامت بالتسجيل في الدورة.

وانتهى بها الأمر بحضور الدرس الشهري لمدة أربع سنوات، وبدأت خلالها العمل بدوام جزئي في نسخ المقابلات وإجراء الأبحاث للمؤلفين. وتصف قائلة: ˮالاستماع إلى الناس وهم يروون قصصهم كان أمرًا مؤثرًا. لقد وجدت نفسي أبحث عن متنفس للمشاعر المختلفة التي أثارتها في داخلي، وبينما كنت أستمتع بقراءة الروايات، فكرت في استخدام يدي في كتابة إحداها“.

وقد حاز عملها الأول على إشادة شيميزو تاتسو وأوساكا غو، وهما كاتبان تعرفت عليهما. ˮلقد شجعوني على مواصلة كتابتي بشكل أكبر. لقد كانت لدي شكوك، لكنهما شجعاني على الاستمرار“.

ومنذ ذلك الحين، تقدمت مسيرتها المهنية ككاتبة بسرعة إلى الأمام. وبتشجيع من الآخرين في دروس الكتابة، دخلت قصتها في مسابقة للرواية القصيرة برعاية صحيفة ياماغاتا شيمبون، حيث حصلت على علامات عالية. ومدعومة بالنجاح الذي حققته مع الصحيفة، قدمتها إلى دليل مؤلفات الخيال الغامض الذي وضعته دار النشر الكبيرة تاكاراجيماشا. وتقول: ˮكان دافعي الأساسي للمشاركة هو الحصول على التعليقات، وهو ما كنت أرغب فيه بشدة لتحسين كتابتي. كنت آمل أن يقدم الحكام تعليقاتهم طالما تجاوزت الجولة الأولى من الاختيار“.

بناء مستقبل مهني

لمفاجأة يوزوكي، أطلقت دار نشر تاكاراجيماشا على روايتها لقب أفضل لغز لهذا العام، مما دفعها إلى الأضواء. وتعترف يوزوكي قائلاً: ”لم تكن لدي أدنى فكرة عما يعنيه أن تكون كاتباً. لقد كان هناك حديث عن رواية ثانية، لكني أتذكر أنني كنت مبتلاة بالريبة“. لقد انجذبت إلى الألغاز منذ صغرها من خلال تقديرها لأعمال ˮيوكوميزو سيشي“ وسلسلة شيرلوك هولمز بالإضافة إلى ميلها الطبيعي إلى حل الألغاز المعقدة. ومع ذلك، فإن احتمال اتخاذ الأمر كمهنة حول هذا النوع الأدبي كان أمرًا مختلفًا تمامًا. ˮحتى بعد كتابة العديد من الكتب، ما زلت جاهلة بشأن كيفية كسب لقمة العيش كمؤلفة“.

وتملأ يوزوكي قصصها بتفاصيل مقنعة، مما يترك القراء يتساءلون عما إذا كان لديها قريب في قوات الشرطة، وهو اقتراح ترفضه تمامًا. وتضحك قائلة: ˮليس لدي أي صلة بالقانون أو بإنفاذ القانون. في الواقع، عائلتي ليس لديها أي اهتمام بكتاباتي، إلا إذا كان هناك فيلم مقتبس عنها. عندها يريدون معرفة من سيظهر فيه“. وإذا نظرنا إلى الوراء، تقول إن ظهورها لأول مرة في سن الأربعين، على الرغم من تأخره إلى حد ما، كان أفضل. ˮإن أولويات الناس تتغير مع تقدمهم في الحياة. عندما كنت أصغر سنا، كنت مشغولة بكوني زوجة وأم. والآن بعد أن تزوج طفلاي، أصبح لدي الحرية في التركيز على نفسي“.

تجربتها مع الكوارث

كمواطنة من منطقة توهوكو، تأثرت يوزوكي بشدة بزلزال شرق اليابان الكبير عام 2011. حيث فقدت والدها وزوجة أبيها - والدتها توفت عندما كانت في سن صغيرة - في كارثة تسونامي الهائلة التي دمرت المجتمعات المحلية في إيواتى وغيرها من المحافظات على طول ساحل سانريكو. وقد جرفت المياه منزل والديها، الذي كان يقع بالقرب من شاطئ جودوغاهاما الخلاب في مياكو. وتروي قائلة: ˮمر أسبوع قبل أن أتمكن من الوصول إلى هناك من منزلي في ياماغاتا. لم يبق شيء من المنزل أو محيطه، ولم أسمع شيئًا من والدي.“ وقامت بزيارة المشارح المؤقتة تلو الأخرى، لكنها عادت إلى منزلها دون أن تعرف مصير أحبائها. ˮوبعد أسبوعين عثروا على زوجة أبي، ثم على والدي في الأسبوع التالي“.

وعند سؤالها عن تأثير هذه التجربة على كتاباتها، قالت يوزوكي إن حجم الدمار كان كبيرًا للغاية لدرجة لم يبق معها أي من التذكارات أو الأشياء التقليدية التي تستخدم عادة في التعبير عن الحزن والآسى. ˮلم يكن لدي سوى القليل جدًا من التذكارات الثمينة لأتذكر بها والديّ، حيث تم جرف كل ما كانوا يملكونه. ومع ذلك، عندما أتخذ قرارًا في الحياة، أفكر فيما قد يقوله والدي وزوجتة، الأمر الذي ساعدني في توضيح الاتجاه الذي أريد أن أسلكه“.

وبدلًا من التأسف على فقدان ممتلكاتها الشخصية، بحثت يوزوكي عن العزاء في الإرث العاطفي لوالديها. ˮلقد أصبحت العناصر غير الملموسة، وليست المادية، هي التي تحمل المعنى الأكبر“. وترى أن تجربتها أثرت عليها في تصوريها لروايتي ˮدم الذئاب“ وˮضد الريح“، في عملية الانتقال بين الإرث العاطفي من شخصية إلى أخرى. ˮفي النهاية، الشخصيات التي أصنعها هي امتدادات لأفكاري ومشاعري. وفي الواقع، يوفر هذا الخيال منصة رائعة للتعبير عن رأيي بحرية“.

وعلى الرغم من أن يوزوكي لم تكتب على وجه التحديد عن كارثة زلزال وتسونامي مارس/ آذار 2011، إلا أن العمل المتسلسل الجديد يضم شخصيات تتعامل مع آثار الكارثة. وتقول: ˮالشخصية الرئيسية تكون بحوزة الشرطة عندما يضرب الزلزال، وتتتبع القصة محاولات الشخصية للسفر شمالًا إلى موقع الكارثة. لم أكن أحاول إعادة إنشاء تجربتي الخاصة، لكن أفكاري ومشاعري بشأن المأساة منسوجة بالتأكيد في نسيج القصة“.

فالكاتبة المحترفة تفتخر باستخدام وسيلة الرواية لمشاركة الأفكار والمشاعر مع القراء، وتمنح يوزوكي محبي أعمالها مساحة كافية للتفكير في روايتها الأخيرة - والكثير مما يمكن التطلع إليه في السنوات القادمة.

المصدر: نيبون

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم