نزيف مقبرة.. رواية اللامرئي من ضحايا الثورة السورية
زياد الأحمد
روايةُ نزيف مقبرة الصادرة حديثاً (3/2021) عن دار موزاييك للدراسات والنشر في إسطنبول – تركيا؛ هي الرواية الثانية للكاتب حسن الموسى بعد روايته الأولى (ولدت مرتين). وفيها يتابع الكاتب رصده لحكاياتٍ من الثورة السورية عايشها بنفسه، أو نقلها إليه أبطالُها الحقيقيّون؛ وذلك من خلال عمله التطوعي والإغاثي في خضم أحداث الثورة التي شهد بدايات أحداثها منذ تفتح بدايات شبابه.
الرواية تحاول تسليط رؤيتها السردية على جانب خفيّ من ضحايا الحرب التي جُرفت إليها الثورة السورية؛ وهم الأطفال واليافعون قبل الكبار، وعلى آثارها النفسية على تلك الفئة العمرية والتي قد تستمر معهم في سنواتهم القادمة حتى بعد انتهاء الحرب، ناهيك عن الآثار الجسدية المتمثلة في إعاقات دائمة ستسمر معهم مدى الحياة. وهذا ما جاء ملخصه على لسان سلوى إحدى بطلات الرواية:
"الناس في الحروب يتعرضون لنوعين من الإصابات، إصابات مباشرة كالإعاقة والجراح وما شابه وهذه إصابات مرئية، ويمكن معالجتها ويمكن الشفاء منها أو التأقلم معها، لكن النوع الأخطر من الإصابات هو إصابات غير مرئية تصيب النفس من الداخل، وخاصة الأطفال الذين ينجون من أهوال الحرب، وقد شاهدوها بأعينهم، وخاصة مَن فقد منهم أباً أو أماً أو أخاً أو عزيزاً .... هؤلاء الأطفال يعانون من شيء هو أخطر من إصابات الشظايا، وهم خارج إحصائيات المصابين... الإعلام يتحدث عن جرائم النظام المرئية، أما غير المرئية وهي الأخطر بكثير لأنها قد ترافقهم طوال حياتهم؛ إن لم ننتبه إليهم ونحاول معالجتهم"
يقدم الكاتب هذه الرؤى من خلال حكاية أسرتين سورتين ومن بيئتين مختلفتين ولكن الحرب وحدت مجرى حياتيهما وكبدتهما الخسائر ذاتها، ولعل هذا من فضائل تداعيات الحرب السورية التي وحدت مصير السوريين جميعاً، وصهرتهم في بوتقة واحدة من الألم والمعاناة، أمام عدو واحد؛ فأصبح لزاماً عليهم أن يتوحدوا في صف واحد وينطلقوا وفق رؤية واحدة على درب الخلاص.
في هذه الرواية سنتابع حكاية قلوب الأطفال التي اقتلعت، وتجرجرت وراء توابيت آبائهم وأمهاتهم وأخوتهم، على الرغم من بقائها ظاهرياً في صدورهم، ومنهم "ثائر" الذي رأى بعينيه استشهاد أبيه؛ لكن قلبه الطريّ كان عصيّاً على تصديق ما رأى .. فتابع حياته مرغماً على اليتم، ماضياً في دروب تترامى على حافة الجنون... كما أننا سنتغلغل في تفاصيل عقول الثكالى والأيامى، وكوابيسهن ودمعة عيونهن على وسائد آخر الليل الباردة.
سنقرأ عن الضحية العظمى التي ماتت مع وقف التنفيذ؛ الأمهات والأطفال وهم المخزون الأهم لمستقبل الوطن وهم مَن ارتكب النظام السوري بحقه أعظم جرائمه التي يندى لها جبين الإنسانية.
0 تعليقات