عيسى الحلو

من المثیر للانتباه هنا أن وراء نص "مامبا سوداء " لأسامة رقيعة موهبة سردیة روائیة کبیرة تستحق القراءة والمتابعة، من مقوماتها الخبرة الوجودیة التي تنفذ لعمق الحیاة المعیشة، في إیقاعها الواقعي الیومي، وفي اطارها الوجودي العام، فهو یملک مناهج فکریة لعلوم النفس، والاجتماع، والسیاسة، والاقتصاد، یملک معرفة دقیقة للمکونات الجوهریة للوعي النافذ للإیقاع الحي، للوجود، والکینونة، وهو الفعل الذي یمثل الحس الإدراکي للوجود الإنساني، وکل إبداع أصیل أو نقد جاد یعرف هذه الحقائق.

ان روایة “مامبا سوداء” تشیر لروائي جدید قادم فیه شيء من(محفوظ) وشيء آخر من (الطیب صالح)، هو یبحث عن نصه الروائي الخاص (الجدید) عبر مغامرات إبداعیة خطرة ولکن بشجاعة کاملة!  هذة الروایة خطوة وقفزة نحو روایة عربیة جدیدة.

یملک الروائي أسامة رقیعه طاقة کبیرة من إبداع لغة تملك قدرة توصیل الجمال، وتوصیل الخطاب في وقت واحد، فهي تحمل الشعریة بید، والواقعیة بید أخري، وهي تأتي من خلال حیاة عميقة لکاتبها أسامة رقیعه، الروائي الذي یعرف موضوعاته، من حیاة تجول أقالیم ثقافیة متنوعة، تمثل المجتمع العالمي في تکامله وتعدده.

یبحث الفن الروائي لأسامة رقیعه عن الفضائل الأخلاقیة وعن الخیر، والجمال، والحق، والحریة، والعدل، والشکل الروائي عندة موضوع متأرجح ما بین الفنتازیا والواقع، والعالم هنا یضطرب بین الحب الجسدي والفضائل المقابلة وبین الأمانة والخیانة.

یمکن أن نقول إنه روائي یمتلك عالما متکاملا، ‌وسیدور حول مظاهر وخفایا هذا العالم باستمرار، تماما مثل کبار روائي العالم الذین یمثل إنتاجهم الروائي عالما متکاملا من البدایة حتى النهایة، حیث ینجز هذا الإبداع مضامین خاصة وأشکالا جمالیة روائیة خاصة أیضا.

السؤال المهم هنا ماذا فعل الروائي أسامة رقیعه بکل هذه الضرورات الفنیة الروائیه؟ وما مدى نجاحه في حل هذة المشکلات الجمالیة والمضمونیه؟

لقد تخلص أسامة رقیعه من قیود الکتابة الروائیة التقلیدیة بحثا عن روایة تستطیع التعبیر عن الواقع العربي الجدید في تحولاته السیاسیة والاجتماعیة التي استجدت، مع تأثیرات التحولات العالمیة الحاسمة في کل مجالات الحیاة، فکانت المواجهة الحضاریة الصارمة، بین الفکر التقلیدي والفکر الحداثي، وکانت هذه المواجهة بین الحداثة والتقلیدیة لم تزل ثابتة في مکانها دونما حسم فکري جاد، حیث ترتب على هذا الوضع کثیر من الظواهر السالبة.

هذه الروایة تغامر في کیفیة السرد خاصة في فصلها الافتتاحي حیث تصف لهفة  "مقصود" إلى لقاء "ملعوبة" وهو مشهد سینمائي صُوِّرَ ببراعة، وباستیهامات جمالیة باذخة، والبراعة السردیة ذاتها تتکرر في مشهد حريق المستشفي وتصویر "مقصود" وهو یعاني من هذا الحصار القاتل.

هنالك ملاحظات لابد من الوقوف حولها ومنها مجالات "الراوي العلیم)"، فتکرار تلك الحیلة لصناعة موقف لمقابلة بین شخصین "مقصود" وغریمه "جایکا" و"ملعوبة" و"سامیة إبراهیم)" في تلک الفصول الأخیرة ینقلب أسلوب السرد ویتحول إلى ما یشبه الفنتازیا فنجد مثلث بارمودا، وحکایات اللامعقول، ویبدو لي أن فکرة الراوي العلیم التي کانت تسیطر علي الروایة جعلت الکاتب یستغل سلطاته بوصفة کاتب الروایة ویستغل هذه السلطات الفنیة ویحولها إلى سلطات تتبع له.

وأخیرا أُشیر إلى مسالة الحب التي جاءت في المقدمة کما جاءت في فصل کامل حيث حصر الکاتب فکرة الحب في الحب الإیروسي، وتلک العاطفة الجسدیة بین الرجل والمرأة، حیث کان من المفترض هنا ان یکون الحب هو تلک العاطفة الإنسانیة التي تجمع بین الناس داخل المحیط الاجتماعي والسیاسي.

إن العالم الروائي هو یبدأ لینتهي ولیحکي في زمن عبر شخصیات تعبر عن دراما الحیاة أو تراجیدیتها وهو فن قدیم عرفته البشریة منذ همیروس حتى أیامنا هذه وهو یضيء للبشریة الطریق لجهادها وخوضها هذه الصعوبات، وقد تطور شکلا ومضمونا حتى أیامنا هذه بتطور الفکر الإنساني وبتطور الخیال المبدع فلیست هناک طریقة واحدة للحکي فآفاق کتابة الروایة مفتوحة لکل التجارب وروایة "مامبا سوداء" إنما هي واحدة منها.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم