كان الروائي فلاديمير نابوكوف ( 1899-1977) يتحدث اللغتين الإنجليزية، والفرنسية، وشيئاً من الألمانية، إلى جانب اللغة الروسية الأم، وقد جرب العيش فترات طويلة في عدد من دول أوروبا، لكن الثقافة الروسية كانت غائرة في عقله، وكان والده يشغل وظيفة مرموقة في عهد القيصر ألكسندر الثاني الذي استمر في الحكم من عام 1868 حتى عام 1881 وفي أعقاب اغتياله تعرضت روسيا للضياع.
ورغم فجاجة شعر نابوكوف في مقتبل شبابه، فإنه اكتسب النضج في ما بعد، وهو نفسه يقول إن اللحظة التاريخية التي ولد فيها كان لها أبلغ الأثر في إنتاجه الأدبي، فهي التي أوحت إليه بكل ما كتب، وقد ارتبطت بطرسبورج في ذهنه بالمدرسة والنظام الصارم، وقسوة الشتاء، وفي تلك الفترة كتب عدة قصائد عن تجربة حب مرّ في حياته، وكان يستعد لإصدار ديوان عنها بعنوان «النوافذ المفتوحة» قبل هجرته من روسيا.
وكان نابوكوف يرى أن شعره يفوق شعر جميع الشعراء الكبار، ولم يكن يحترم منهم غير الشاعر الرمزي ألكسندر بلوك، رغم انضمامه إلى صفوف البلاشفة بعد اندلاع ثورة 1917 وكان يتمتع بهواية غريبة هي «صيد الفراشات»، وبحلول عام 1916 قرر قطع دراسته في روسيا لمدة عام يقضيه في جمع الفراشات في سيبيريا، قبل التحاقه بجامعة كامبريدج بإنجلترا، وتتضمن روايته الروسية «الهدية» إشارة إلى هذه المرحلة التي سافر بعدها، ليتقدم بأوراق التحاقه بجامعة كامبريدج.
وأثناء وجوده في منطقة القرم، وجدها صالحة لصيد الفراشات، واعتقدت دورية سوفييتية كانت تمر بالمنطقة، أنه جاسوس، ما عرض حياته للخطر، وقد ضمن هذه المغامرات في روايته «المجد»، واستطاع في رحلة الصيد تلك أن يجمع ما لا يقل عن 77 نوعاً من الفراشات، وأكثر من 100 نوع من الطحالب، التي استفاد منها في إعداد أول بحث علمي له نشره عام 1923 في مجلة إنجليزية اسمها «عالم الحشرات».
وفي ألمانيا، وقعت حادثة اغتيال أودت بحياة والد نابوكوف، في أحد الاجتماعات، وفي عام 1923 ظهر ديوانان يضمان شعر نابوكوف، وقد أهدى الديوانين إلى والده المتوفى، وكان الأب قبل اغتياله رتّب قصائد الديوانين.
وفي برلين، اضطلع نابوكوف بأداء الأدوار الثانوية في بعض الأفلام، وأثناء انتهائه من تأليف إحدى الروايات، استبد به الحنين إلى اصطياد الفراشات، لكنه قاوم هذا الإغراء، وكان يجيد قراءة أعماله أمام الجمهور، حيث قرأ النص الكامل لروايته «العين»، ويبدو أنه كان يدرك قدرته على التأثير في المستمعين.
وفي عام 1931 كتب نابوكوف أول هجوم على المذهب الفرويدي، ونشره في صحيفة يصدرها المهاجرون الروس في باريس، ونشرت هذه الصحيفة استبياناً عمن يعتبرهم القراء أهم الكتاب الروس المهاجرين، فجاء اسم نابوكوف في طليعتهم.
وفي عام 1934 غادر نابوكوف برلين، ليتخلى نهائياً عن الكتابة بالروسية، وذهب إلى فرنسا قبل سقوط باريس أمام النازية، بثلاثة أعوام، وعندما رأى نذر الحرب العالمية الثانية تلوح في الأفق، قرر الرحيل عن فرنسا، وعندما وطئت أقدامه الأراضي الأمريكية، كان يحمل في حقيبته مخطوطة أولى رواياته الأمريكية «الحياة الحقيقية لسباستيان نايت».
وفي السنوات العشر الأولى له في أمريكا، نجح في اصطياد مجموعة رائعة من الفراشات، وظل يسافر بالقطار من مكان إلى آخر بحثاً عن الأنواع الجديدة من الفراشات، إلى أن انزلقت قدمه من قمة جبل فسقط، ورغم ذلك كان يشعر بالسعادة لأنه اصطاد الفراشة، التي يبحث عنها.
وفي عام 1951 اضطلع نابوكوف بتأليف عدد من الكتب منها «لوليتا»  التي تأخر صدورها أربعة أعوام، وحين صدرت اختلف الجميع حولها، وفي عام 1959 هبطت الثروة الطائلة على نابوكوف، بسبب تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي، وأخيراً قرر مغادرة أمريكا إلى سويسرا، ويُعتقد أن مؤلفنا أصيب بالسرطان في أيامه الأخيرة، وتقول أوراق المستشفى إنه أسلم الروح في الساعة السادسة والخمسين دقيقة، من مساء يوم 2 يوليو/ تموز 1977.

الخليج

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم