مصطفى عبدالله

ما هي فوائد الرواية؟ ولماذا نقرأ الروايات؟ ولماذا يكتب الروائيّون؟ وهل تهدر الرواية وقت قارئها؟ هذه الأسئلة وغيرها يطرحها الكتاب الجديد للروائي والناقد السوري هيثم حسين، المهاجر إلى بريطانيا منذ سنوات. وهو يقول إن الرواية الحديثة تفيد من تطوّر العلوم الاجتماعيّة والفلسفيّة والنفسيّة لدراسة المجتمعات التي تعالج واقعها، أو تغوص في دواخل شخصيّات منحدرة منها، وهو ما يسعى هيثم حسين لتأكيده في هذا الكتاب الذي عنوانه "لماذا يجب أن تكون روائياً؟!" الصادر عن دار نشر "خطوط وظلال" في الأردن، ذلك أنّ البيئة الاجتماعيّة تلقي بظلالها التي تتقاطع لتسهم في بلورة صورة المرء المنتمي إليها.

وهيثم حسين من مواليد عامودا في سوريا عام 1978، وقد ترجمت روايته "رهائن الخطيئة" إلى اللغة التشيكية، وصدرت في براغ عام 2016 بجهود المترجمة يانا برجيسكا، كما أنها تحولت إلى مسرحية باللغة التشيكية. وكذلك ترجمت روايته "رهائن الخطيئة" إلى اللغة الكردية، وصدرت في ديار بكر سنة 2018، ومؤخرًا قام التونسي منصور مهني بترجمة روايته "إبرة الرعب" إلى الفرنسية ونشرت عن دار" لارماتان" في باريس.

وله أيضًا: "آرام سليل الأوجاع المكابرة" دار الينابيع، دمشق، 2006، "رهائن الخطيئة" دار التكوين، دمشق، 2009، "عشبة ضارّة في الفردوس" منشورات مسكيلياني تونس 2017، "قد لا يبقى أحد" منشورات ممدوح عدوان دمشق، 2018.

وفي النقد الروائي له: "الرواية بين التلغيم والتلغيز"، دار نون4، حلب، 2011، "الرواية والحياة" منشورات الرافد، الإمارات. 2013، "الروائيّ يقرع طبول الحرب"، دار ورق، دبي 2014، "الشخصيّة الروائيّة.. مسبار الكشف والانطلاق" دار نون، الإمارات 2015، وفي الترجمة له: عن الكردية مجموعة مسرحيات "مَن يقتل ممو..؟" للمؤلف بشير ملا 2007، وقد أعدّ وقدّم كتاب "حكاية الرواية الأولى"، منشورات قنديل، دبي 2017.

وهو في تقديمه لهذا الكتاب يقول إنّ الرواية تساعد على تقريب الصورة العامة، من خلال التركيز بدقة على صور قريبة، ومشاهد محدّدة يتعمّق الروائيّ في تصويرها وتوصيف ملابساتها وتأثيراتها، الدوافع التي تقود أصحابها، والوساوس التي تسكنهم حين الرضوخ لدافع يتسيّد ويقود دون آخر قد يتراجع؛ وتقريب الصورة الاجتماعية والتاريخية يسهم في زيادة فهم المجتمعات التي تعالج واقعها وتاريخها.

ويلفت المؤلف كذلك إلى أنّ الرواية تكون بمعنى من المعاني العين الثالثة للقارئ وللكاتب وللباحث معًا، وذلك من تظهيرها الأفكار المطمورة في الدواخل، وكشفها أسرارًا لا يراد توثيقها وإشهارها، وكأنّ من شأن إبقائها سارحة ومتداولة بين أبناء المجتمع شفهيًا أن تنسى، في حين أن توثيقها روائيًّا يرفع عنها احتمال النسيان ويوطّنها كعلامة من علامات المجتمع الدالّة على ذهنيّته.

ويشتمل الكتاب على عدد من الفصول، منها: الرواية قضية إنسانية، الرواية والأوبئة.. كيف رسمت الفيروسات مسارات البشر ومصائرهم؟، الرواية والتغيرات المناخية، الرواية والهوية، أقنعة الأنا ومرايا الآخر روائيًا، الرواية وفن العيش، الرواية.. بناء على بناء، الرواية والزمن.. كيف يؤثّث الروائيون أزمنتهم المتخيّلة؟، الرواية والمكان.. مدن منكوبة وفراديس متخيّلة، ترويض الأزمات والحروب روائيًا، الرواية ولعبة الثنائيات، جماليات وفنيات.

ويقول المؤلف إن بعض القرّاء أو النقّاد يعيبون على بعض الروايات حجمها؛ سواء الكبير أو الصغير!

وكأنّهم يطالبون بصيغة مثالية لها، من دون مراعاة شروط الكتابة الروائيّة، ومقتضياتها، وما تفترضه من سعي إلى بلورة الصيغة التي يتخيّلها الروائيّ لعمله.

ويطالب البعض باختصار روايات أو إيجازها، ويطالبون بوضع ملخّصات لها، ويتساءلون ما فائدة كلّ هذا الحشو في الرواية؟ ولماذا يغرق الروائيّ في التفاصيل ويغُرق قارئه بها؟

وكأنّ الاختصار أو الإيجاز هو الغاية لإيصال المراد.. وما المراد هنا بالضبط؟ هكذا يتساءل هيثم حسين في كتابه، أهو رسالة سياسية أو تصوّرات محدّدة في قضايا بعينها!

ويشير هيثم إلى أنه لكلّ واحد منا حكايته التي يمكن أن يحكيها، ويمكن أن يتلاعب بها متخيّلًا وملفّقًا ومختلقًا عوالمه، وهذه الحكاية قد تكون الإطار الكبير المشتمل على حكايات فرعية تدعمها وتكمل تفاصيلها.

لكن ليس بإمكان كلّ إنسان كتابة تلك الحكاية ونسجها لتكون مقنعة، صورة متخيّلة عن واقع معيش أو ماضٍ، أو صورة واقعية عن عالم متخيّل أقرب للمعيش أو مستقى منه. . هنا تلعب الموهبة والبراعة والحرفة أدوارًا لتصدير العمل وبلورته.

ويكرّر بعضنا لبعض أحيانًا إنّ الرواية التي تكتب في خمسمِائة صفحة أو أكثر يمكن أن تختصر إلى النصف أو أكثر، وتكون محبوكة وأكثر قوة وتأثيرًا، وأسرع إيقاعًا، وقد يضيف آخر بأنّ الرواية التي تكتب في مئتي صفحة يمكن أن تختصر أيضًا، ويزيد ثالث، يزعم مواكبة السرعة والعصر، على الروائيّين تقديم ملخّصات لرواياتهم، أو اختصارها إلى قصص!

وقد لا يخفى علينا أنّ بعض الدعوات أو الآراء تصدر عن عشّاق للفنّ الروائيّ من منطلق الحرص على الجودة والقوة، ولكن هناك آراء أخرى متسرّعة، لا تنتمي إلى الموضوعية بصلة.

ولذلك فإن الروائي الحقيقي هو الذي يعي جيدًا الحجم الأنسب لنصه، وهل يكون رواية نهرية فائقة الطول أم نوفيللا. والوسطاء يمتنعون.

عن جريدة القاهرة

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم