جوان يوسف

رواية (Vîna Evînê) والّتي تعني باللغة الكردية إرادة الحب لكاتبها لقمان سليمان رغم بساطتها وبساطة شخصياتها، تسكنها الحيرة والدهشة، حيث يجد القارئ نفسه غارقاً فيها منذ البداية وحتى النهاية. فيها كل شيء، لقاء، فراق، هروب، عودة وموت. وكل شيء من بين هذه الأشياء يتحول إلى الممكن دون مقدمات أو تعقيدات أو تكلف من الكاتب ويظهر بعد الانتهاء أن لا شيء يمكن تغييره، فهو حدث كما كان يجب أن يحدث.

صدرت الرواية عام 2019 باللغة الكردية عن دارٍ Ser Sera "سَر سَرا" وهي دار تهتم بنشر الأدب والثقافة الكردية ويديرها الطبيب الكردي بشار مصطفى المقيم في المانيا.

أحداث الرواية تقع في كردستان الشمالية في منطقة بوتان وتمتد إلى سهول روجآفا، حيث الجزء الكردستاني الملحق بسوريا إثر اتفاقية سايكس بيكو.

الرواية تكشف قصة حب حقيقية كما يروي الكاتب بين فتاة مسيحية (كردية ) وشاب مسلم (كردي ) وهي قصة غرام تقليدية مثلها مثل مم وزين ، وجيم وكل بري ... تختلف بعلاقاتها وشخوصها ونهايتها المأساوية، فهي مشحونة بالمأساة والمثابرة وقلة الحيلة، والتعلّق الذي لا ينتهي، والتحديات التي تواجه أبطالها في البيت والمحيط الاجتماعي والسلطة الدينية.

وفي إرادة الحب هناك سلطتين متناقضتين، السلطة العسكرية والسياسية العلمانية (اتاتورك )التي تقوم بإذلال جتو(Çeto ) قومياً والسلطة القضائية التي لم تتحرر بعد من الهيمنة الدينية فتناصر جتو باعتباره مسلماً في مواجهة أهل شنكه (Şengê) المسيحيين وهي النصف الثاني من الحب.

وتأتي أحداث الرواية لتظهر بلغة مباشرة وصريحة بعيدة عن التعقيد أو المواربة أو الرمزية التي تكاد تكون قد خلت منها، باستثناء رمزية عابرة متعلقة بإعدام الشيخ سعيد بيران حيث يمررها الكاتب بذكر تاريخ إعدامه في 30 مايو 1925 من قبل حكومة أتاتورك.

ربما أراد الكاتب أن يقول إن الأمر لا يحتاج الى الكثير من التفنن وأعمال الذهن لأن الواقع لا يمكن اخفاءه فوحشية السلطة الكمالية وتمزيقها للمجتمع الكردستاني وتعميق الاختلاف الديني ليصبح تناقضاً رئيسياً بين الكرد على حساب الانتماء القومي الذي يجمع الكرد بمختلف دياناتهم لا يحتاج الى الكثير من الرمزية أو إعمال الذهن، فالكرد مثلهم مثل كل شعوب الأرض متنوعون بدياناتهم ومذاهبهم وحتى لهجاتهم ويختلفون عن الآخرين بأنهم مقسمون بين أربع دول تمنع كل ما يتعلق بهويتهم القومية.

الكاتب لم يغفل دور الاحتلال في تمزيق المجتمع الكردستاني باسم الدين حين استخدم مصطفى كمال أتاتورك الكردَ المسلمين ضد الأرمن وضد الكرد المسيحيين والسلطة الفرنسية في سوريا شجعت المسيحيين للانتقام من الكرد وهي علاقة لا تخلو من السياسة ولم يغفل الكاتب علاقة ذلك بالوعي المسطح الذي يمثله الملا حسين وهو يبرر قتل الشيخ سعيد بيران باعتباره كافراً وخارجاً عن الدين والعقيدة الإسلامية.

بينما الملا حسين نفسه (الشيخ الذي عقد قران جتو وشنكه) لم يكترث كثيرا بوضع "شنكه" وهي امرأة متزوجة ولديها أطفال ولم يسأل ما إذا كانت عزباء أو مطلقة، يكفي إنها مسيحية فهي مستباحة للمسلم...!

نجحت الرواية في نقد السلطة الدينية ودورها في دمج الهوية الدينية بالهوية السياسية للسلطة الحاكمة، يقول جتو للكاتب في نهاية قصته "أنظر لقمان ماذا فعل بنا الدين عندما خطفت شنكه وذهبت بها الى الملا حسين لم يقل لي لا يجوز زواجك من امرأة متزوجة ولم يسأل عن اطفالها بل لم يسأل اطلاقاً عن حالتها الاجتماعية، يكفي انها اسلمت وأصبح اسمها أمينة، والكنسية طلقت شنكه دون أن يسألوها عن رأيها وفي النهاية قريبي الملا فندي طلق شنكه مني دون ان يسألني!".

على عكس الكثير من الروايات سارت الأحداث في إرادة الحب بخط مستقيم ومستمر دون أن تقلقها الذكريات أو بعض الأحداث التاريخية التي استحضرها الكاتب والتي أطفت على النص صفة الرواية.

ويمكن القول إن الرواية بشخصيتين فقط فرغم وجود عدد من الشخصيات الثانوية في النص إلا انها لم تساهم أو لم تكن فاعلة في نمو بطلي الرواية، بدأ بحب مفاجئ، غير منطقي وانتهت الرواية بموت مفاجئ للبطلة، لم تساهم الشخصيات الثانوية في انزياح أو تطور الأحداث عن مسارها الأساسي، فهي شخصيات منفعلة مع الأحداث ومتجاوبة معها حتى بالنسبة لأحمد الذي رافق جتو في مسيرة هروبه من التجنيد الاجباري بقي سلبياً خاضعاً لسير تلك الاحداث.

الرواية تجعل القارئ متعلقاً بها منذ الصفحات الأولى ومتعاطفا مع مأساة جتو وشنكه فكلما شارفا على اللقاء تهب ريح عاتية تعيدهما الى الحافة، لا هو يسقط فينتهي، ولا هي تنسى فيستمر لوحده، تعلّق يجعله يفكر بجدية أن الحب له قانونان متناقضان إما الموت أو أن لا تباشر الحب بالأساس.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم