بهاء السرد ونضارته في مامبا سوداء لأسامة رقيعة
صديق الحلو
مامبا سوداء رواية لأسامة رقيعة صدرت في مائة اثنين وعشرين صفحة من القطع المتوسط عن دار فضاءات للنشر الأردنية، وفي حين أن المامبا السوداء هي حية أفريقية ذات سم قاتل تعيش فقط في التخوم الجنوبية لأفريقيا كتب أسامة رقيعة وكعتبه أولي لنصه الروائي فسلفة الرواية والمانفستو الحقيقي لها مقتبسا مقولة الكونت ليف تلستوى (أن الحقيقة تعلن لنا عن ذاتها عبر سبيل المحبة. واذا قتلت المحبة خسرنا جميعا الطريق الوحيدة لمعرفة الحق). لقد أهدى أسامة رقيعة الرواية الي أمه وجاراتها الطيبات كبادرة وفاء نادر وأصالة مستوفاه ، ثم قسم الرواية الي عناوين فرعية أولها كان البخور .
الرواية عن عالم الجن، عن مايكا وجايكا وملعوبة الإنسية، وهي رواية غارقة في الوصف الدقيق والتفاصيل الصغيرة و تدهشك عوالمها الزاخرة بخيال خصب ودفاق ، فقد انسربت ملعوبة في بداية النص والانسراب هو التسلل ليصبح بداية ناعمة قوية بما فيها من دلال وغنج وعدم مقاومة حيث لابد من التوتر ، ان كلمات الرواية وتعابيرها قد أختيرت بعناية فائقة حيث أن جايكا يتقلب في جحيم الانتظار ، فكان ذلك تمهيد ضروري لابد منه يهئ ذهن القارئ لما هو آت ، ثم يسوقنا الكاتب بمهارة فائقة الى فصول الرواية حيث زائر غريب ، غيرة ، ثم احضان مسروقة لنجد انفسنا في لب العمل.
مامبا سوداء رواية بها نفس صوفي وقد تطرقت للظرف التاريخي الذي يمر به السودان في آخر العقد الثاني من الألفيه الثالثة للميلاد و أستطاع رقيعة أن يمتلك ناصية أحداثها بحرفية نالها بعد طباعة سبع مؤلفات في مختلف المجالات الأدبية والقانونية مع موهبه ألتزم بتنميتها بتؤدة . لقد بدت ثيماته وأضحة وناصعة والموتيفات تعمل فعل السحر في المتلقي مما يشعره بالبهجة والامتاع دون تطرف.لقد طور رقيعة حسنا الأدبي برواية مامبا سوداء فهي ملحمة متنوعة في فن القص والحكي مستوعبا التراث ، فقد كتب أسامة رقيعة عن معاناة الأنسان مستتبعا ضوابط وشروط وآليات الرواية الحديثة لتوائم الحدث الذي تناوله، ان ذلك لم يأت من فراغ وانما نتيجة قراءات كاتبنا المتعددة وملاحظاته وخصائص نهجه الأبداعي الذي جعله يعتمد علي كتابه تطهريه وان خرج عن المألوف أحيانا حسب السياق ففي فصل أيام موجعة وعندما يختلط الشوق بالحاجة في مدينة الضباب لندن وتختلج كل المشاعر يصيح مقصود بأعلى صوته : أنها ملعوبة ، ثم وفي حضورها الطاغي يضحي كطفل غرير فيمر الوقت كنسيم ساحر أو كلمحة عطر عابرة ، فنتحول عن ماذا يقول النص الي كيف يقول النص مايقول.
مامبا سوداء نص مليء بالغايات العلمية والأخلاقية لا يتيه المتلقي في دروبه وانما يعبر حكايات شيقة يأخذنا عبرها أستاذ أسامة رقيعة الي مسارات جديدة ، فيها الكثير من العمق والدلالات ألتي تثير الجدل مثل المرئي واللامرئي ، المعقول واللامعقول في عالم الجن والسحرة والمردة دون أن يكون ذلك عبئا علي النص أو مقيدا لسلاسته الابداعية ، وها نحن نقدم العون لفنان متمرس وممارس لعمله الابداعي بكل جدارة ومهنيه وكفاءة ففي فصل صندوق الشهوات ، هل سيترك مقصود عمله ليتفرغ ، ولكنه لم يكن يعلم لماذا ومن أجل ماذا سيتفرغ ولكن مع كل تلك القبلات الالكترونية من ملعوبة كان لابد أن يتفرغ، ربما لزراعة الارض الخصبة ، وفي فصل السوس من له حيله فليتحايل ، وفي فضل الممشى الاخضر قبس من روح الكاتب ذات نفسه .
مامبا سوداء رواية دسمة يصعب سبر أغوارها بسهوله، انها عالية التذوق ولا شك أنها ستخلق الكثير من الجدل في مساراتها وسياقاتها ، وقد تفوق أسامة رقيعة في مامبا سوداء وصمم علي تخطي كل الحواجز فكان له ما اراد ، لقد أسعدنا بهذا العمل الكبير الذي ولاشك سيكون له ما بعده ، لقد أزاح رقيعة الغطاء عن عوالم الجن بمعرفة وأخرج المارد من قمقمه ليعرفنا باللامرئي مشككا في المرئي بألفه واثارة كبيرة ،لقد فتح بابا للدهشة ودخلنا معه في عالمه المدهش دون رجعة فقد أفرغ عالمنا الواقعي من محتواه ليؤكد بالضرورة حنين الانسان لمعرفة المخفي في قالب رومانسي رمزي مثير وواضح .
0 تعليقات