كه يلان محمد لانبالغ في القول بأنَّ ثيمة الحب محور لمعظم الأعمال الروائية أيا كان انتماء المؤلفين ومنهجيتهم في التأليف. فهم يراهنون على قصص الحب لإضفاء التشويق إلى وتيرة سير أعمالهم غير أن طريقة وأسلوب مقاربة هذا الموضوع تختلف من كاتب إلى آخر، وذلك ما يُوفرُ الفرصة لظهور هذه الثيمة في حلة جديدة مع كل عمل روائي،ولولا الاختلاف في آليات عرض وتناول الموضوع من مستويات جديدة لبدت الروايات في صورة واحدة،غير أن ما يعول عليه فن الرواية هو تناسل وتفرع قصص أخرى من رحم القصة الأساسية وذلك ما يزيدُ من زخم الأحداث ويولدُ رغبة المتابعة لدى المتلقي،وهذا الأسلوب هو ما يسير عليه الكاتب الإيراني بزورك علوي في روايته (عيناها) الصادرة من دار المدى. إذ يتجاور في هذا العمل جملة من القصص مع أنَّ ماهو أساسي ويشدُ كل وحدات الرواية هو العلاقة الغامضة بين الأستاذ ماكان وفرنجيس.فالأخيرة نشأت في وسط العائلة الأرسقراطية وتمتع بقدر كبير من الجمال كما أن أباها من أصحاب الأراضي أمير هيزار كوهي مازندراني شخصية معروفة،بعدما تتخرج إبنته من دار المعلمات يوصيها بتدريس فن الرسم طالما لديها اهتمامات بهذا المجال فلاضير بتغذية وتنمية قدراتها لذلك يرشدها إلى الأُستاذ ماكان فهو قد طبقت شهرته الآفاق ومن ثُمَّ فإن ماكان إضافة إلى اهتماماته الفنية فناناً فهو بل تنطبق مواصفات المثقف العضوي حسب ماقدمه غرامشي كونه منخرطاً في الحراك الثوري، وهذا ما يكشتفه القارئ في شخصية ماكان مع تعاقب وحدات الرواية التي جاءت في تسعة أقسام دون وجود عناوين داخلية كأنَّ ما تقرأه على الغلاف يكفي لتغطية مفاصل العمل بأكمله،يأتى اللقاء بين فرنجيس وماكان في زمن الغليان الثوري،تحملُ من يصفها الراوي بالمرأة المجهولة معها حزمة من الرسوم التي خطتها إلى الأستاذ ماكان لكن مايراه في تعامل الأخير معها يزلزلها حيث تفاجأُ بتصفح الأستاذ لرسومها بطريقة تنم عن الاستخفاف بما قدمته له فرنجيس. من هنا تتخذ فرنجيس قرار الرحيل إلى الغرب.غير أن ماتبحث عنه لاتجده إلا عند ماكان.

لغز اللوحة لاينحصر عُنصر الشخصية في أشكال إنسانية داخل أعمال روائية بل قد تنهض الأشياءُ أو الأغراض المنزلية بوظيفة الشخصيات وما يسوغ ذلك الأمر هو ذكاء المؤلف في إسناد أدوار ذات حمولة دلالية إلى هذه الأدوات،وبهذا ينشىء نظام الشخصية متدرجا في سياق النص الروائي،هنا في رواية (عيناها) تتخذ اللوحة التي رسمها الأستاذ ماكان في منفاه صفات البطل ومايعزز هذا التصور أن الرواية تحمل اسم اللوحة التي ستصبح محركاً أساسياً لوقائع العمل، وما يعطي الأهمية للوحة أنَّ الأستاذ رسمها هو قيد الإقامة الجبرية وبعدما يغيبه الموت في العقد الرابع من عمره ستظل تلك اللوحة مَوضعَ إهتمام الجميع خصوصاً عندما يبدأُ الصحفيون بكتابة قصص غريبة عن علاقات الأستاذ الغرامية،كما ادعت بعض النساء أن الاستاذ رسم لوحة(عيناها) بإيحاء حبهنَّ منها (شكوه سلطنة) كل النساء استجوبهنَّ الراوي حول صاحب اللوحة أسرفنَ في تضخيم ذواتهنَّ بمن فيهنَّ المرأة المجهولة، يحرصُ الراوي المراقب تقديم معلومات عن شخصية ماكان فهو يتحدى النظام الاستبدادي بمواقفه وباعتداده بنفسه ولايعجبه لقاء ذوي النفوذ بمن فيهم شاه إيران محمد رضا، فهو ليس فناناً فحسب بل مناضل سياسي، حين تستقر فرنجيس في فرنسا وتلتحق بمعهد e.d.b.aالفنية تدرك تأثير جمالها على الأستاذة الأجانب ولاتلمس اختلافاً بين حياتها في طهران وما تعيشه في باريس إلا أن هناك فرصة لزيارة مدن أوروبية والاختلاط بجنسيات مُختلفة هكذا ترى أن مفاتنها الجسدية هي ما يجذب الشباب حتى من زعمت بأنَّ أسلوبه مغاير ينساق أيضاً وراء الغريزة كما حصل مع الشاب الإيطالي دوناتللو الذي كشفت حقيقته لفرنجيس، وبذلك تكتشف فرنجيس أن الوحيد الذي لم ينظر إليها بنظرة شهوانية هو ماكان، مع أنَّ الأخير كان قاسياً في تعامله معها،وفي أوروبا تتعرف فرنجيس على وجه آخر للأستاذ وذلك بعدما تلتقي بخداداد وحبيبته مهربانو كما أنَّ ما تسمعه من الرسام الإيطالي إستفانويُعَظمُ لديها الإعجاب بـ(ماكان) إذن تعددت وجهات النظر حول الاستاذ كما هناك أكثر من المستوى في تركيبة هذه الشخصية.وما يفصح عن أبعاد شخصية ماكان هو وجود شخصيات مناقضة له مثل الجنرال آرام. عودة الثائرة لاتفهمُ فرنجيس كنه تصرف ماكان معها إلى أن يضعها خداداد أمام حالتها الحقيقية واستحالة تحولها إلى الفنانة لأنَّ الفن كما يقول تمليذً ماكان هو وليد المعاناة قبل أن تكونَ مجموعة من النظريات يمكن تعلمها،خداداد طالب إيراني قطعت سلطة طهران منحته عِقاباً على نشاطاته السياسية وتوزيعه لصحيفة بيكار التي تصدر باللغة الفارسية في برلين،على رغم ضيق المساحة التي يشغلها خداداد في فضاء الرواية لكن لايمكن تصنيفه إلا ضمن الشخصيات الأساسية نظراً لدوره في الانتقال بفرنجيس إلى مستوى جديد،فالأخيرة تعيش بلا بوصلة وما تختبره من حياة ممتعة قد ملَّتها لكن يبدأُ فصل جديد من حياة فرنجيس بعودتها إلى طهران وتصبح حلقة الوصل بين الطلاب المُعارضين والأستاذ ماكان،إذ سيلتقي الاثنان في السينما للاستماع إلى توصيات البعض،ومن هنا ستتخذ فرنجيس صورة المناضلة ولكن تختفي وراء تلك الصورة عاشقة فهي مستعدةُ لكل المجازفات ليس إيماناً منها بالقضية بل ليظفر بقلب ماكان فالأخير يتقن التكتم على مشاعره ولايهمه أن يخسر كل مكاسبه الشخصية من أجل القضية الكبرى وهي مناهضة الظلم وتحرير المقهورين،بالمقابل تضحي فرنجيس بكل شيء لتظل بجوار الأستاذ لاتساوم مع رئيش الشرطة الجنرال آرام عندما تقصي السلطات والدها قسراً إثر إكتشاف وصول الرسالة إليها من خارج إيران لكن تتودد إلى آرام عندما يطلب منها الأستاذ إنقاذ محسن كمال المعروف بفرهاد ميرزا،فعلا تستجيب لتوجيهات ماكان غير أنه يقع ماهو الأخطر بإعتقال ماكان ومداهمة معكتفه في شارع لاله زار، من هنا تتصاعد المواقف إذ تحاولُ فرنجيس إقناع رئيس الشرطة آرام وهو من أقاربها بحماية الأستاذ من ضيم السلطة مقابل موافتها على عرضه بالزواج منها،كما تشجعه على مغادرة طهران ويكشف للرأي العام العالمي ما يعانيه الشعب من القهر في ظل حكم الشاه لاتنتهي الأمور هنا بل يعلم ماكان عن طريق مهربانو بزواج فرنجيس من آرام وذلك ما جعله يُصور عينيها الماكرتين الموحيتين بشخصية غانية وهذا مايعذب فرنجيس التي تخلت عن كل شيء من أجل الأستاذ،هذه القصص تسردها فرنجيس وهي تتكفل برواية الحكاية حيث يكون الراوي الذي يفتتح الرواية وهو مشرف على متحف الأستاذ في موقع المروي له.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم