أحمد السماري

رواية (سيدات زحل) سرد موجع لوقائع الحياة العراقية، وقد استخدمت الروائية المبدعة لطفية الدليمي تقنيات السرد الروائي باقتدار، كي تتمكن من تقديم عمل روائي جميل، يقرأ بمتعة وشغف، ممتزجة بالدمع الهتون، ويمتد إلى اكثر من ثلاثمئة صفحة، استخدمت الروائية فن تيار الوعي، كما أنها زاوجت بين سرد الواقع، وبين الفانتازيا والغرائبية السحرية، ترى أليس الواقع العراقي يشبه الفانتازيا والفانتازيا الفاجعة تحديداً؟ كما أنها استفادت من قراءات معمقة في التأريخ العراقي الموغل في القِدَم والحديث والمعاصر وحيوات متصوفة بغداد عبدالجبار النفري وأبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج وعوالم السحر والأبراج وانعكاساتها على حياة البشر، أو ليس اسم الرواية سيدات زحل؛ برج النحس والشؤم؟ .
جاءت روايتها سيدات زحل لتكون رواية الوجع النسوي بامتياز، فضلا عن وجع الرجال ونكباتهم، إذ خصصت الفصل الثامن الذي سمته (كتاب البنات)، لأوجاع ونكبات وخيبات البنات، راوية، منار، هالة، شروق، لمى، آسيا كنعان التي تغادر العراق بجواز مزور باسم حياة البابلي، فضلاً عن الأمهات الخائبات والزوجات المهجورات، تحطم منظومة القيم الحياتيه في العراق، صيرت الطبيب الجراح المختص بالأنف والأذن والحنجرة، صيرته قاطعاً لآذان وألسنة الرجال، هذا الذي يفترض به أن يكون مداوياً وآسياً لأوجاع الناس، يتحول إلى قاطع لصيوان البائسين، ليشوه الخلقة التي خلقهم الله تعالى عليها، هو جراح التجميل الذي يكثر من رسم طائر الشؤم الغراب.
ترتقي هذه الرواية إلى مستوى الكارثة العراقية التي حلّت بالعراق إثر انهيار الدكتاتورية وسقوط بغداد، ليس بأيدي القوات الأنكلو - أميركية فحسب، وإنما بأيدي المتشددين والظلاميين والمليشيات الدينية ورجال القاعدة ومجاميع الجريمة المنظّمة والذبّاحين واللصوص والسلابين والمبتّزين وقُطّاع الطرق .
رواية سيدات زحل وثيقة حية للحزن العراقي المستديم وللفجائع التي لفت حيوات العراقيين، مزجت الفن بالواقع بعيداً عن التسجيلية الفجة، وستكون مرجعاً لمن يريد دراسة الحياة العراقية من الاجيال التي تأتي مستقبلاً، ولن يكتفي القراء والدارسون، بالاستعانة بالتأريخ، بل سيستعينون بالفن الروائي في درس تلك المرحلة من الحياة العراقية، ورواية سيدات زحل ستكون في مقدمة من يرجع اليه.
هي ملحمة روائية تكشف عن جذر الخراب وتلملم شظايا الواقع لتعيد بناء الإنسان بالحب واسترداد قدرة الحلم، فبقدر ما تمتلك خصوصيتها العراقية الساطعة، تتجه بقوة إلى كونيتها لتكون حكاية الجميع وحلم الجميع وتاريخ الجميع قتلة ومقتولين وعشاقا وحالمين و مقاومين للشر ومحبين للحياة و الجمال.


مقتطفات من الرواية :


- " إن فسدت روحك صار جسدك إلى عدم وقلبك إلى ألم وعشقك إلى ندم وعقلك إلى وهم "
- "حكمة الإمبراطور الشهيرة التي كانت تُدرس في دور العلم ( السكوت مقدس والنطق مدنس، والرؤية إثم والشم محظور والفكر كفر والسؤال زوال والحلم خيانة )"
- " الوسط الذي نعيش فيه وسط سكوني منشغل بماضية و مقلد و عاجز عن الابتكار .."
- " لا تأخذي كل قول على محمل الصدق، فالألفاظ بها لبسٌ والمعاني بها اشتباة والألفة استوفت معاني المدركات وهي لغة جوهر الروح وصفو القلوب، وأنا مرتاب بكل حرف ومؤداه مما يدعيه غير العارفين بالحق ."
- " الجمال ليس شأنا مستقرا، هو كالماء أو الروح، ليس هو الشكل الثابت والأنموذج، إنه الوجه الممكن للبحر والحالة المستحيلة للضوء، المفردة اللامنطوقة لوصف الحب، الجمال ليس حكماً منسوبا للفضيلة أو الخير وإن كان ينطوي عليهما، إنما هو كل ما يتمرد على أي قياس، إنه الحب في أعلى تجلياته .."

من صفحة الكاتب على الفيسبوك

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم