أحمد السماري

حين أعدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قائمة تضم أفضل عشرة كتب فى عام 2015 كانت رواية «الباب» للروائية المجرية «ماجدا سابو» فى طليعة المؤلفات التى نالت إعجاب القراء، وتتناول الرواية العلاقة العميقة بين الكاتبة وخادمتها والتى تعلمت من خلالها الكثير عن الناس والعالم بشكل عام أكثر من الفترة الطويلة التى أمضتها وحيدة أمام الآلة الكاتبة.
نُشرت رواية «الباب» للكاتبة «ماجدا سابو» عام 1987، (ترجمة: أسماء المطيري) أي فى السنوات الأخيرة للحكم الشيوعى، لتبين لنا أن القصة تصلح فى أى وقت وفى أى مكان. وقال عنها ‏هيرمان هيسه :-‏(بإمساكك كتابًا لسابو تكون قد أمسكت بالسمكة الذهبية ، سمكة الحظ . إشتر كل رواياتها تلك التي كتبتها، وتلك التي ستكتبها.)
تتمحور الحبكة حول شخصيتان متناقضتان (كاتبة وخادمتها إيمرنس) ولكنهما تتكاملان. واحدة تعيش مع الكلمات وبالكلمات ومن أجل الكلمات وتنتج الكلمات في الكتابة وتستهلك الكلمات في القراءة. وثانية تمارس العيش من يديها وبيديها. تنهض صباحاً فتشمر عن زنديها وتكشط وتنقش وتخيط وتقوم وتقعد واضعة كل شيء في مكانه وعاملة كل شيء بيديها. لا مجال هنا للخيال أو الصور أو التعابير المنمقة. الأشياء هنا عارية وصارمة ومباشرة.
الكاتبة تتصرف كامرأة متعالية تحاول أن تظهر للخادمة مكانتها وعلو شأنها في الوسط الثقافي. غير أن الخادمة لا تقيم أي وزن لهذا. بالنسبة اليها ليس ثمة ما تمتاز به المرأة المثقفة سوى تلاعبها بالألفاظ وتصنع وضعيات طريفة في الجلوس والتكلم. لقد عاشت الخادمة، وهي امرأة كبيرة في السن، في ظل حكومات مختلفة وعايشت أنظمة تسوسها إيديولوجيات كارهة للبشر كالفاشية والشيوعية. وقد حفظت ذاكرتها صوراً لجماعات وأفراد تمارس قساوة غير مفهومة على الإطلاق بحق ناس لم يستحقوا أبداً ما حل بهم.
لقد نمت فيها إرادة صلبة ضد أشكال السلطة القاهرة بتلاوينها المختلفة ولو تم ذلك على يد فرد واحد. وهي باتت تنفر من كل من وما يمت بشيء إلى السلطة، أية سلطة. هي تكره الأساتذة والقساوسة والأطباء والرؤساء على السواء. وفي نظرها، فإن السلطة الرمزية، والفعلية في حالات كثيرة، التي يمتلكها الكاتب لا تختلف في العمق عن سلطة هؤلاء.
كان لها تساؤلاتها الفلسفية حين تخاطب الكاتبة بالقول: "لا أعرف كيف كونت لنفسك إسماً معروفاً، ولكنني أعرف أنك لا تعرفين الكثير عن الناس العاديين". او "كيف تظهر الرواية من العدم ؟ من مجرد كلمات ؟ لم يكن في استطاعتي تفسير سحر الخلق اليومي و المألوف بالنسبة لنا. لم يكن هناك من سبيل لإخبارها كيف تولد الحروف " .
شخصيتين عنيدتان وعنيفتان في ردود الفعل ولكنهما تحترمان بعضهما بعضاً احتراماً صامتاً كأنهما لاعبتان في مبارزة سرية تتعادلان فيها في القوة والمهارة. هما متنافستان تمارسان النزال ولا تستهين الواحدة بقوة الأخرى،وهكذا إستمرت العلاقة عشرون عاماً.
"الباب"، عنوان الرواية، هو الباب الذي يفضي إلى المنزل المتواضع التي تشغلها (إيمرنس إيميرينتش) في الحي . و الخادمة تحرسه كما لو كان قلعة حصينة، وهي لا تدع أحداً يدخله بمن في ذلك الكاتبة نفسها، و برغم حب وثقة الجميع بها، كان لديها أزمة ثقة مع الآخرين.
"كان الجميع يثق يإيمرنس، ولكنها لم تثق بأي منهم، أو بمعنى أدق وزعت فتات ثقة للقليل منا ".
الرواية هي لوحة من اللون الداكن ترسمه المؤلفة لوصف صراع خفي على السلطة بين إمرأتين تختلفان في كل شيء ولكنهما تنجذبان إلى النقطة التي تربطهما معاً كما لو كانتا قطبين مركزيين لقوة خارقة تندفع في اتجاهين. عند النقطة المركزية تجتمع القوتان وتتبدل طاقتهما التدميرية لتتحول إلى طاقة خلاقة تثمر صداقة وتفاهماً وإثراء.
مقتطفات من الرواية:

  • "كل باب مقفول هو حد فاصل بيننا وبين الآخرين, وقد نفتحه بحسب أولوية الحب والاهتمام"
  • "إن الكتابة ليست ربة عمل متساهلة ؛ فالجمل التي لم نكُمل، لا يمكن أن تنتهي كما بدئت بجمال و سلاسة . والأفكار الجديدة تثني جذع النص ، فلا يستقيم تماماً مع منبته ."
  • "لا معنى للحياة ،إذا لم يكن هناك من يِسّعد بنا حين نعُود الى بيوتنا."
  • ‏" كلما سمحت لأشخاص أكثر بالاقتراب منك، ازدادت نقاط ضعفك."
  • " كنت أود أن أبين لها أنه رغم عدم علمي سر كل حزنها هذا، إلا أنني شعرت بالأسف من أجلها. ولكن تلاشى كل هذا حين وقفت أمامها. لا أجيد الكلام سوى على الورق، وأما في الحياة فلا قدرة لي على تقصي الكلمات المناسبة والإمساك بها. "
  • ‏"لا بد أن أدفعها للكف عن التعبير عن تعلقها بي، بهذه الطرق المجنونة. ولكن أدرك الآن، بعد مرور كل هذا الوقت، إن التعبير عن الحب لا يقتصر على الطرق المتزنة والواضحة، وأنه لا يمكن لأحد أن يلزم غيره بالطريقة المناسبة، كما لو كانت وصفة دوائية"
  • " ذلك الشعور في أن تحمل خبراً مهماً في حياتك ولا تجد أحداً من حولك تخبره به يقف قلبك مكشوفاً في الفراغ، أعزل، في تحدٍ بائس مع الزمن والبرد والألم."
  • " لا نموت بكل بساطة وسرعة، ولكننا نقترب منه صدقيني، ويجعلك ما مررتِ به أكثر ذكاء وفطنة، حد أنكِ تتمنين أن تصبحي غبية وساذجة من جديد. لقد أصبحتُ أذكى، وينبغي أن لا تستغربي من ذلك."

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم