اللازمة لغة مشتقة من فعل لازم يلازم أي داوم على الشيء و ثبت عليه، أما اصطلاحا فهي مقطع تتمّ إعادته حتى يترسًخ في الذهن ويكون عادة في الصدارة.

عرفت اللازمة منذ القدم في الشعر فهي ثابتة تتكرر بعد عدد معين من الأبيات الشعرية داخل كل قصيدة فتضيف اليها مسحة فنية تزيد من غنائيتها ثم عرفت  في المجال الموسيقي حيث اعتبرت من الجماليات التي تعتمد عليها السيمفونيات الموسيقية.

وهكذا بنيت رواية حرير لأليساندرو باريكو على سلم شعري موسيقي انعكس بدوره على القاعدة النثرية للرواية، فبتكرار المقطع الذي يصف الرحلة التي يقوم بها هيرفيه جونكر تظهر اللازمة النثرية في اربع مقاطع مختلفة طوال القصة.

تقع أحداث الرواية في اواسط القرن التاسع عشر حيث يضطر جونكر إلى قطع آلاف الاميال منتقلا من قارة الى اخرى بحثا عن بضاعة مميزة بعض الشيء، انطلاقا من هذه المقاطع يحيلنا الكاتب الى ادب الرحلة فبخلاف الرحلات التي كان يقوم بها إلى إفريقيا بحثا عن دود القز والتي تعتبر مهنة غير اعتيادية لرجل اراد له والده ان يكون جنديا في الجيش الفرنسي الى البحث عن مصدر ثان بعد أن أصابه الوباء، ومن هنا تبدأ الرحلة الحقيقية.

وزًع الكاتب المقاطع التي تصف الرحلة بشكل ذكي فأتت على شكل مقاطع نثرية تتكرر أربع مرات تتغير بعدها الأحداث و الشخصيات، فتبرز بعد كل سفرة اماكن و شخصيات جديدة.

الرحلة الأولى، لقاء: بعد ان اصابت العدوى الدود الذي يتم جلبه من إفريقيا وجد بالدابيو صاحب أهم مصانع صنع الحري رفي لافيل ديو أن الطريقة الوحيدة لإنقاذ القطاع هو السفر الى أقصى العالم لجلب الدود من جزيرة لم يطأها إنجليزي بعد، جزيرة في الطرف الثاني من العالم اي اليابان. سافر جونكر و هناك التقى بسيد القرية ، رجل يجلس على الارض ويرتدي ثوبا قاتم اللون تجاوره فتاة شابة بلامح غير آسياوية.

كللت سفرته بالنجاح وعاد إلى لافيل ديو في الأحد الاول من شهر أبريل أين وجد زوجته هيلين في انتظاره.

الرحلة الثانية، المنعطف: مثلت الرحلة التي قام بها جونكر منعطفا كبيرا في حياته فمنذ أن وقعت عيناه على الفتاة التي كانت ترافق التاجر الياباني انقلبت أحداث القصة فأصبح الذهاب لجلب الدود حجة يعتمدها البطل للعودة من جديد للقاء خليلة المزود. انطلاقا من قصة الحب التي نمت تحت وطأة الصمت اندفع جونكر من جديد إلى الذهاب الى اليابان.

الرحلة الثالثة، الصمت: انعكست بيئة المكان على العلاقة  بين البطل و الفتاة اليابانية، رغم أن ملامحها لا تدل على أنها من اليابان، فالمناخ هناك يتميز بالهدوء و الصمت، ليس بالصمت العبثي بل هو يعكس ثقافة شعب نرى هذا بوضوح في طقوس إعداد وشرب الشاي التي حضرها الضيف. تطورت العلاقة بين جونكر والفتاة دون أن ينبس أحدهما بحرف واحد فكانت لغة العيون هي السبيل الوحيد للحديث وكأنهما قد تبادلا مئات الكلمات، تواصل صامت  يجرف معه أحاسيس جونكر نحو المجهول.

الرحلة الرابعة، الخديعة: تواصل الصمت الذي غرق فيه البطل حتى بعد ان عاد من رحلته وكأنما نسي الحديث هناك فأصبح قليل الكلام مع زوجته التي بدورها لبست نفس القناع، اعتمادا على حاستها السادسة التي جعلتها تفهم التغيير الذي طرأ على زوجها  كتبت هيلين رسالة و حولتها إلى اليابانية ثم دستها في ثيابه، قالت الزوجة في رسالتها ما لم تستطع البوح به يوما لزوجها، تسترت خلف قناع العشيقة حتى تتمكن من الكشف عن رغباتها.

تميزت حركة السرد عند باريكو بالبساطة والابتعاد عن التبذير اللغوي فاعتمد على الاختزال في السرد والاقتصاد في اللغة فأتت رشيقة شفافة مثل قطعة حرير تتراقص في يد فتاة يابانية. هذا التقشف اللغوي عكس وفرة في مشاعر الحب والعشق والحنان والحزن فطغى الطابع الشعري والموسيقي عليه فكأنه سيمفونية كتبت على نوتات سحرية زادت من جمال النص السردي وسلاسته فأضافت الى بنيته التقليدية جمالية خاصة جعلته ينطق دهشة على امتداد 140 صفحة فقط.

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم