في رحلة طويلة ومتأملة تسير الرواية من منتصف الأربعينات في القرن الماضي وحتى الوقت الحاضر وما بعد الثورات العربية، تقدم رؤية للأحداث السياسية الداخلية في الكويت والخارجية في الدول العربية والغرب بشكل عام، ناسجة هذه الرؤية السياسية برؤية اقتصادية من الطبيعي أن تؤثر وتتأثر بالسياسة. تبدأ الرواية بلا حدود سياسية، بل تحرك سهل ما بين الكويت والبصرة بغرض التجارة، وتنتهي بتفتت كثير من الدول، حيث يتصارع أبناء الدولة الواحدة في حروب طائفية بشعة. تدور الأحداث على لسان الراوي العليم، تحكي عن صالح الشاب الكويتي الذي يذهب للدراسة في أمريكا ثم يعود لوطنه بعد زواجه من زميلته الأمريكية كاثي، يبدأ في العمل في إحدى شركات الاستثمار العقاري والتي أقامتها وزارة المالية مع شركاء من القطاع الخاص بهدف الاستثمار داخل البلاد وخارجها.. تتأثر قرارات الاستثمار في أغلب الأحيان بالأوضاع السياسية مما يجعل قرارات البدء في المشروعات لا تعتمد بشكل كامل على رؤية اقتصادية مهنية وواضحة: " لم يخرج صالح من عند جاسم راضيا بشأن الحديث حول مصاعب الاستثمار ومخاطره، حيث تبين له بأن هناك قرارا سياسيا بشأن الاستثمار في الدول العربية، وهو قرار قد لا يرتبط بمعايير الاستثمار واقتصاديات المشروعات ومدى جدواها، ولكنه نوع من ترضية البلدان العربية " يستعرض أيضا الحالة السياسية الداخلية، من انتخابات مشكوك في صحتها، وتكرار حل مجلس الأمة، والأمل الدائم في وجود تشريعات منصفة للجميع، وتمكين المرأة من القيام بدور أوسع واكبر تأثيرا، بل تمكينها من تحرير عقلها أولا بدلا من الرغبة في مجرد نيل وظيفة مريحة ذات عائد مادي كبير إلى الرغبة في القيام بدور تنموي في المجتمع، هذا الدور الذي تمثله شخصية موضى المثقفة والفاعلة طول الرواية، والتي تلقت تعليمها في مصر حيث ارتبطت عاطفيا بزميل فلسطيني، مما جعلها مهتمة بحقوق أبناء المرأة الكويتية من زوج غير كويتي . تمر الرواية بأحداث الغزو العراقي للكويت، والصدمة التي تلقاها القوميون والذين تربوا على وحدة الشعب العربي، تطور المفاهيم والأفكار حسب المعطيات الجديدة. ثم غزو العراق وتفتته والحرب الأهلية التي وقع فيها " الكويت لم تكن تملك سوى مراقبة الأوضاع العراقية بقلق مشوب بالأمل بتطور الأوضاع نحو الاستقرار وإمكانات إقامة علاقات طبيعية بين البلدين، لكن مثل هذه الآمال تبدو بعيدة المنال في ظل الفوضى وبروز أطراف متطرفة في الساحة العراقية " تصل الرواية لانتصاف العقد الأول من القرن الجديد حيث لاتزال الحياة السياسية متذبذبة "عهد جديد في الكويت وأوضاع سياسية قد تكون مختلفة. عدد من اعضاء مجلس الأمة من الوجوه الجديدة، كثير منهم شباب في ثلاثينات أو أربعينات أعمارهم. الوزراء أيضا بدا كثير منهم من الشباب. استمرت الاختيارات للوزراء على أساس انتماءاتهم القبلية أو الطائفية بما لا يعير أهمية للخبرة والمؤهلات التعليمية أو القدرات الذاتية، ما أصبح مقلقا لصالح، وكذلك موضى " تستعرض الرواية أيضا بعض ما جرى في الثورات العربية خاصة الوضع في مصر وغياب الأمن وركوب التيار المتأسلم على الثورة ثم الإطاحة به.. " لكن هناك الكثير من الملاحظات من الجمعيات الحقوقية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية بشأن تعامل النظام الجديد مع المعارضة، سواء كانت من الإخوان المسلمين أو حركات شبابية عديدة. حتى بلدان الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة أبدت امتعاضا من سلوك النظام الجديد والقوانين التي أقرت على عجل بحجة مكافحة الإرهاب.. لا شك أن الإرهاب يهدد مصر، ولكن هل ستتمكن الحكومة الجديدة من ضبط الأمن وتوفير الاستقرار وتنشيط الحياة الاقتصادية وفي الوقت نفسه إنجاز التحولات التي حلم بها المصريون عندما نهضوا لثورة 25 يناير 2011؟ " تتوقف الرواية أيضا عند نقطة هامة وهي دور تنظيم الدولة الإسلامية داعش في العديد من المجازر التي حلت بالوطن العربي، وأيضا الحوادث الدموية في الغرب.. تطرح الرواية سؤالا هاما، قد لا يشغل بال الكثيرين، فالكل تقريبا يتحدث عن مواجهة التنظيمات المتطرفة والقليل يسأل: لماذا؟ لماذا يتورط فيها الشباب بالذات؟ " لماذا يخزن مواطنون كويتيون ينعمون بالخير والرفاهية هذه الأسلحة والمتفجرات؟ هل يريدون الاستيلاء على السلطة أم هم بيادق بيد إيران وغيرها من جهات أجنبية؟" والسؤال الأهم "كيف سنحمي أبناءنا وأحفادنا من هذه السموم؟ هل يمكن الاعتماد على السلطة السياسية لتحصين المجتمع؟ ولكن هل يمكن للسلطة أن تعدل من منظومة القيم الحاكمة ومن ثم بناء مجتمع متآلف ومتسامح وبعيد عن الانقسام والاستقطاب المقيت؟" لم تكتف الرواية بطرح التساؤلات، بل قدمت رؤية عملية ونموذجا للحل "لوكان هناك نظام اقتصادي مختلف يعتمد على المبادرة والمهنية والعمل الحر لكان لدينا الآن مجتمعات مسؤولة ومنظمة، كما حدث في كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وماليزيا وأندونسيا. الاقتصاد المبني على حسن الإدارة وتوظيف الموارد البشرية والمادية بطرق مهنية لابد أن يمكّن من بناء مؤسسات سياسية عصرية.. في نهاية المطاف ستكون الصراعات سلمية وتتمحور حول مصالح فئات مهنية وليس بين الطوائف والقبائل والأعراق" قدمت الرواية رؤية توثيقية مناسبة، وإن كان يؤخذ عليها الإسراف في تناول العلاقات الجنسية لبطل الرواية "صالح " وتعددها دون مبرر درامي مقبول في كثير من الأحيان، ووجود بعض الشخصيات التي لم تضف للأحداث مثل شخصيات ربى وسعاد وكلوديا.

كاتبة مصرية

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم