يحمل عنوان رواية "المفترسون" للكاتب الأنغولي بيبتيلا سخرية لاذغة لسلسة (جيمس بوند) البريطانية ولجهاز استخباراته، وهي قريبة جدا مما تعيشه بلدان تشهد حروبها العلنية و الصامتة..

شارك (بيبيتيلا ) بنشاط في حرب العصابات لتحرير أنغولا من الاستعمار البرتغالي، (كان قلمها، و لسان أدبياتها دون منازع) الذي استغرق وقتا طويلا حتى استقلال أنغولا عن البرتغال في سنة ١٩٧٥..

يعتبر كارلوس موريسيو بيستانا دوس سانتوس الملقب (بيبيتيلا) بمثابة أحد منظري الثورة الشعبية لأنغولا وواضع برنامجها السياسي في شقه التقافي تحديدا مع رفاقه السود الذي تشربوا من مبادئ الاشتراكية والشيوعية مدعومين بالسوفيات والكوبيين خصوصا في مواجهة القوى الاستعمارية المشكلة من البرتغال المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا وجمهورية افريقيا الجنوبية التي كان يحكمها النظام العنصري (الأبارتايد).

رواية ( المفترسون) تقدم صورة ساخرة عن كل ما حدث للثورة في أنغولا، حيث أدى الفساد والبحث عن السلطة إلى العديد من الحروب الأهلية والعنف والبؤس لشعبها.

(المفترسون) هو عمل أدبي سياسي، توثيقي وتاريخي في قالب روائي، يعبر عن خيبة أمل الكاتب (بيبيتلا) في المقام الأول، نظرًا لصدوره متأخرًا (٢٠٠٥) وكأنه يشي بنقد ذاتي لتلك التجربة الثورية في أنغولا.

ما يلفت الانتباه في الرواية/ السرد أنها تحمل قضية مهمة لفهم الواقع الاجتماعي لجمهورية أنغولا، والسارد (بيبيتيلا) استخدم تقنية السرد الجديدة التي لا تعبر عن السرد التقليدي السائد آنداك في حقبة السبعينيات في حقل الأدب الأنغولي الناطق بالبرتغالية، كما جاءت به الروايات الأنغولية المكتوبة في ذلك الزمن السبعيني من مختلف المشارب الادبية والتيارات الفكرية آنذاك.

بحيث ان السارد استغل (مجيء وذهاب) ابطاله في ذلك الوقت، وجعل من استخدام تقنية الحوار ، تقنية غريبة عن واقع انغولي وهذا ربما راجع لطول الفترة الفاصلة عن زمن الحكاية او ربما متأثرا بالادب البرتغالي الحديث حيت يعيش الان وسطهم كأستاذ في علم الاجتماع بجامعة لشبونة.

رواية (المفترسون أو ليبريتادور) تحكي قصة (فلاديميرو كابوسو): رجل أعمال لا ضمير له، تسلق اجتماعيا وانتهز فرصة انتماءه لحركة تحرير أنغولا المعروفة إختصارا بالبرتغالية بـ MPLA (حركة تحرير أنغولا )، التي قادت حرب الاستقلال في أنغولا، وحكمت البلد بعد ذلك لكن في ظل حرب أهلية طاحنة بين لاعبين دوليين في إطار الحرب الباردة بين الشرق والغرب.

القارئ يتبع مسار شخصية بطله الاساسي (فلاديميرو كابوسو) منذ أن كان شابا من أصول متواضعة، مع حرص السارد مرارا، على تبيان شخصيته الانتهازية حين يؤكد (بيبيتيلا) من خلال العديد من مقاطع حوارات بطله عن كيفية البحث عن " الفرصة" كي يبني ثروته مهما كانت الطريقة.

كان (فلاديميرو كابوسو)، بعد الاستقلال واندلاع الحرب الأهلية يحتل مكانة قيادية ومهمة لدى رفاقه في حركة تحرير أنغولا واصبح أحد مموليها ونائبهم في تحصيل وتحويل الأموال المتخصل عليها من الضرائب والأتوات المفروضة على الشعب داخل المناطق التي تسيطر عليها قوات تحرير أنغولا.

ظروف الحرب عجلت بالاتجار في النفوذ، ودفع الرسوم لتمرير البضائع والاشخاص، الخ.. ولتجعل (فلاديميرو كابوسو) يتستخدم انتهازيته كما سطّر بعض ملامحها الأسلوبية المثيرة للاهتمام والتي وجد منها (بيبيتيلا) مجالا للسخرية طيلة السرد الخطي، ذهابا وإيابا على امتداد ٣٠ سنة وهي المدة الزمنية لأحداث الرواية، مع وضع خلفيات مختلفة في التاريخ الحديث لأنغولا، و تقاطعه مع دول الجوار وتحديدا لواندا.

شخصية (نسيب) بطل آخر يرد اسمه على لسان السارد (بيبيتيلا) في جميع أنحاء روايته (المفترسون) وهو موظف، ناشط سياسي، مثالي، شاب طموح، بسبب فقره واحتياجاته الضرورية يرعى أعمال (فلاديميرو كابوسو) الذي وضع تحت مسؤولياته، باعتباره أحد المنحدرين من إحدى القبائل الكبيرة، ونظرا لسذاجته أيضا، كل الأعمال المشروعة و الغير المشروعة (خاصة الاتجار في الأسلحة والتي اشتراها من البرتغاليين نفسهم لتزويد حركة تحرير أنغولا، حتى يطيل عمر أزمة الحرب الاهلية) وبسبب تلك المعاملات المشبوهة والتي لم يستطع احد من رفاقه في الحركة اثباتها ضده، خسر العديد من الحلفاء الذين بدؤوا يبتعدون عن التعامل معه والتي بسببها ستسبب له أزمة في شركته التي يسيرها (نسيب) المنحدر من الأحياء الفقيرة والذي وقع في حب الابنة الصغرى ل(فلاديميرو كابوسو) الذي رفض تزويجه منها بدعوى انه ليس من مستواه ولا من قبيلته ولا ومن ديانته، ابنته كانت تدعى (ميريل) التي تشاطر (نسيب) عشقها والمتمسكة بحبيبها التي تدعوه للهرب معه، لكن (نسيب) كان خائفا من بطش ونفود والدها الذي كان ينسج علاقات وتحالفات حتى مع اعداء حركة تحرير أنغولا.

(سيباستيو ) شخصية أخرى محورية في الرواية وهو شاب محامي محتال سيتقاضى اموالا مقابل أعمال احتيالية لإيذاء قرية بكاملها، حيث سيقوم بشراء مزرعة باسم (فلاديمرو كابوسو) لتكون غطاءً لتجارة تهريب الأسلحة ويمنع الرعي و تغذية الماشية المحلية وحصول السكان على المياه.

كما أن (سيباسيتو) لاعب سياسي وعضو اللجنة المركزية واحد من الرفاق المثقفين العاملين في مناطق النزاعات حول الأراضي و مناضل من أجل الشعب ويرعى انطلاقا من منصبه مسؤولية استخدام المال العام لمصلحة حرحة تحرير أنغولا من أجل توفير حياة كريمة للشعب الأنغولي. كما أن له تأثير على الحزب وعلى كل الحكومات المتعاقبة.

الشخصيات الثانوية هي أيضا مثيرة للاهتمام للغاية مثل أطفال كابوسو الأربعة، رفاق من حملة السلاح الشباب لكابوسو، الخادمة، البواب، السكرتيرة...إلخ.

رواية المفترسون ممتعة، العناصر متسلسلة بشكل جيد، لهذا نالت نصيبا واسعا من الترجمات إلى الفرنسية والإنجليزية والاسبانية، وتعتبر من روائع الأدب السياسي الأفريقي كشهادة كاتب "أبيض" متميز .

للمؤلف (بيبيتيلا) العديد من المؤلفات الروائية ذات الطابع الساخر والسياسي.


  • كاتبة وأكاديمية سورية مقيمة في البرتغال.

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم