لماذا لا يتمرّد الكون على ظلم أهل الأرض؟! "إيقاع" . كيف يمكن أن يكونَ المقال علمياّ رزيناً، في حين أنّ المرء انتهى توا من قراءة مذبحة؟! إنّ رواية إيقاع للكاتب المصري وجدي الكومي الصادرة عن دار الشروق لعام 2015 ليست أقلَّ من مذبحةٍ يمارس فيها الروائيّ البارع ساديةَ الانتقام من كل ما يراه خطأ أو جريمة. استخدمَ الروائيّ المصريّ أسلوباً سرديّاً تقليديّاً نوعا ما، حيث قسّمَ الرواية إلى عدة أقسام يعالج كل قسمٍ ثيمة روائيّة مختلفة، ثمّ قام بالتشبيك فيما بينها، من خلال ربط الحدث بالزمان و المكان. الأسلوب الروائي اعتمد على مبدأ أن تتحدث كل شخصية عن نفسها على طريقة كتابة المذكرات أو البوح لشخص مقابل أو كتابة مقال عن الذات.
قدّم َلنا الكومي تاريخَ مصر على طبقٍ من أدب، حدّثَنا عن القضية "القبطية في مصر إذا صح التعبير على لسان عدّة شخصياتٍ، ( "شفق" البطلة المتوجة في الرواية، عزيز زوج شفق وهو قبطي مسيحي أيضا، الأنبا، رجل دين ٍمسيحي متذمر رافض لسياسة البابا "السابق" موحيا لشنودة والبابا "الحالي"، جوجو مطرب المهرجانات".. المهرجان نوع من الأغاني المصرية الشعبية يغنى في الاعراس والمناسبات ودميانة القاصر القبطية التي خطفت في مصر من قبل جماعة إسلامية).
حاولَ الكومي أن ينقلَ لنا من خلال هذه الشخصيات معاناةَ الأقباط من جهتين، الأولى: تعنّت الكنيسة في مَنْح الأقباط في مصر رخَصَ الطّلاق، مما يدفع بكثيرٍ منهم ومنهن لادّعاء الزّنا، أو اعتناق الإسلام للتخلص من الزواج.
و لكن يتّجه بنا الكومي في شخصية (عزيز) إلى أبعد من ذلك، لقد قتلَ عزيز الأنبا الذي تعنّتَ، ورفضَ إعطاءَه رخصة الطلاق رَغم معرفته بأن "ّشَفَق" زوجة عزيز قد اعتنقت الإسلام وتزوّجتْ رجلا آخر هو شخصية "حمزة أبو النور" .
أرادَ الكومي أن يجعلَ من رصاصة عزيزي للإنبا تحذيرا أدبيا شديدَ اللهجة، بأنّ أقباطَ مصر سيطلقون الرصاصَ "ترميزا لردّة فعلٍ عنيفة" ضد الكنيسة القبطيّة في نهاية الأمر. تلك الكنيسة التي تساير السلطات على حساب "جيش الرب" بحسب ما يعتقد شخوص الرواية الأقباط في النص. بعد ذلك عرج الكومي على علاقة الأقباط بالسلطة السياسية في مصر، من عصر الخديوي إسماعيل حتّى انقلاب الجيش المصريّ على حكم الإخوان في مصر، يفتح الكومي النارَ على الجميع، لكن ولوهلة يفلت السلاح من يده ويقترب حرفه من أن يكونَ "قصفا أدبيّا عشوائيا".
بلا أدنى شكٍّ الأدب خالدٌ وهنا تكمن خطورته، خاصّة إن كان نصّا بديعا كنص "إيقاع". كيف يمكن أن تتهم شخصية " حمزة أبو النور " - الموحية بلا أي شك لرجل الدين الإسلامي " حمزة أبو إسماعيل "- ، كيف يمكن أن يتّهمه بهذه البساطة، بتدبير عصاباتٍ لخطف القاصرات القبطيات، وإجبارهن على الإسلام؟!.
لقد اختارَ الكومي الاسم شبيها جدا باسم حمزة أبو إسماعيل، واصفا إياه بالمحامي وبالمرشّح الرئاسي، ومن منطقة الدقّي، وبأنه ورث المشيخة عن والده. لم تعد القضية قضية "شخصية أدبية يختارها الكاتب ليسكبَ فيها رؤية ما، أو معلوماتٍ ما عن ثيمةٍ روائيةٍ معينة، إذ أصبحَ الأمر أبعدَ من ذلك، إنّه اتّهامٌ صريحٌ بتنظيم عصاباتٍ لخطف القاصرات القبطيّات بهدف أدلجتهن وإدخالهن في الإسلام.
لا يمكن الجزم إن كان الوارد في النص صحيحا أم لا، و لكن هل مهمة الأدب أن يؤرّخ "أدبيا" أن شخصية دينية بارزة كانت تفعل هذه الأفاعيل دون صدور حكم قضائيٍّ حقيقيٍّ، و نزيه يؤيد فعله خاصة أنّ حمزة أبو إسماعيل قيد الاعتقال منذ أربع سنوات؟!.
يستمرّ القصف العشوائيّ ويتّهم السلطات المصرية بالتواطؤ، والسكوت عن عصابات الخطف لأسباب سياسية؛ يبتدع مشاهدَ يفترض أنها حدثت بشكل " سرّيّ" فكيف عرف الكومي حديث (أبو نور) وضابط المخابرات؟ وكيف عرف بحديث شفق مع ضابط المخابرات ذاته ؟ أليس من المفترض أنّ صفقات وأحاديث مثل هذه يجب أن تتم بسرية؟!. لا ينتهي القصف العشوائي عند الحاضر بل يمتدّ للماضي ، حيث يتّهم النصّ الخديوي إسماعيل بأنه اعتدى على شرف خادمه القبطي، بأن قام بحملها معه في رحلته إلى أوربا، وأرّخ الرحلة، ووضع تماما أنها حملت هناك، وعادت، ليعطيها عوضا "عن شرفها" عزبة في منطقة اسمها بين السرايات؟ ماذا يريد أن يقول الكومي؟ يدّعي أن مذكراتٍ و"وثائق تاريخية تعود لشخصية قبطية أوصلته أو "أوصلت" شخصية (شفق) بالرواية لحقيقة أنها حفيدة الخديوي، ولكنها مسجلة من سلالة جدها القبطي تزويرا للحقيقة، وتغطية على الجرم الفادح، بل يذكر صراحة أنه كان من غير "المعقول" أن تكونَ زوجة الخديوي "قبطية"، وأن في هذا ما كان يعتبر "مهانة". و أنا أعتقد أن هذا الكلام تزويرٌ شنيعٌ وقعَ فيه الكومي إذ أن مئات من الخلفاء والسلاطين اتخذوا زوجاتٍ مسيحياتٍ فلماذا لا يفعل الخديوي؟ . هل إبداع النص يبرّر قسوة المحتوى؟!

إن معالجة نصٍّ جميلٍ كرواية إيقاع يطرح علينا في عالم الأدب تساؤلامشروعا عن مدى أحقّية الأديب في اختلاق عالم خاص به الى حدّ أن يرمي الاتهامات لأشخاصٍ بعينهم، وجهاتٍ بعينها لمجرد السرد الأدبي؟ يمكن ببساطة فهم شخصية شفق وعملية "حمل السفاح" على أنها مصر فشفق هي مصر التي كانت قبطية وصارت مسلمة مدللا على ذلك بالحوار الذي تم بين شاندور عالم الآثارالألماني وشفق بعد هروبها من زوجها (المسلم) بعد أن انفصلت عن زوجها عزيز بحجة تغيير دينها فعند سؤالها: "هل حقا أنت مؤمنة يا شفق؟" تجيب: "لا أدري و لكني أصوم، وأنا استسلمت لهذا "دون وعي" وأنها حافظت على "صيامها" وهي ليست مؤمنة كل هذا واردٌ في عقل الأديب وهو حقٌّ و لكن زجّ اسم "حمزة أبو النور" هل كانت الغاية منه "تمويه" الترميز أم ترميز التمويه؟ . حقيقة لا إمكانية للولوج إلى مراد الكاتب تماماً، ولكنه اتهم الدولة المصرية ذاتها بأنها شريكةٌ بشكلٍ ممنهج في دفع الأقباط إلى مغادرة البلد، بل وصفَ الشعبَ المصريّ على لسان شخصية "الأنبا" وهو رجل دين قبطي بأنه شعبان، أي أن المصري متكون من "الشعب المسلم" و "الشعب القبطي" .

ما الذي يريد الكومي أن يقوله لنا؟ يشرح لنا عن مصر كأنها أمامنا، الفقر كأننا نعيشه، مأساة الآثار كأنها أمامنا، البلطجة والفساد والإهمال كأننا نقف مواجهه تماما، قدم لنا عن طريق شاندور عالم الأثار الألماني رؤية الغرب لنا ، كيف يندهش من وجود عالم ٍكالعالم العربي، وبلاد ترصف فيها الجثث في الشوارع دون أن يحاكم حتى شخصٌ واحد، شخصٌ واحدٌ على الأقل. قدم لنا ما حدث في الثورة المصرية، المجازر في ماسبيرو، الصفقات التي قد تحدث بين الإخوان والعسكر في لحظة، كلّ شيء، كل ّشيء وكأنه يقول لك هذه الوجبة دسمة جدا ولكن عليك الحذر فقد تصاب بكولسترول المعلومات "المفخخة".

كاتب سوري مقيم في السويد الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم