رواية "قصيل" للكاتبة عائشة إبراهيم الصادرة عن دار ميم للنشر بالجزائر 2016، تقع في 80 صفحة موزّعة على 20 جزءا معنونا، وكل عنوان يوضّح معناه.

السّيل، بلغ مداهُ في " بني وليد" الليبية، فانطلق "قصيل" الذي كان يقضم أوراق الشعير الطّرية فتبللت شفاهه بعصير أخضر (ولنقل عصير الحبر)، يحكي لنا سيرة الأرض والإنسان، وقصة البيئة المادية والمعنوية، ويسرد تفاصيل اجتماعية دقيقة، وعادات وطقوس وأساطير، تركت لنا الكاتبة عائشة إبراهيم فرصة معرفتها بأسلوب سردي راقٍ جدًّا حتّى أنّنا لا نجد مجالا للتيه في النّص ودخول دهاليز الأسئلة.

من السّيل إلى الجرّافات، السّيل الذي كان يقف في وجهه أهل بلدة "بني وليد" كي لا يغرقهم ويهدّ ديارهم، والجرافات التي لم يستطيعوا الوقوف في وجهها فهدّت ذلك الجزء الهام من ذاكرتهم الجماعية. بين هذين العنوانين كانت حكاية "قصيل" وأرضه، حيث يعود بنا إلى سبعينيات القرن الماضي، فللتاريخ والتراث المحليّ الحضور الطّاغي وحتى التحولات السياسية والاقتصادية، ومن يعرف ليبيا سيجدُ الأمر واضحا في رواية "قصيل".

  • أول شيء شدّ انتباهي هو العنوان، أثار فضولي بشكل مختلف حتّى قبل الحصول على النّسخة الورقية، وسعدت جدّا أنّي وجدت مبتغاي في الصفحة الثامنة، "قصيل"، أترك لكم اكتشاف معناه، لكنّي أشير إلى اسمه الحقيقي "حامد".

  • عمل أدبي ليبي يستحق القراءة والتمعّن، بل يستحق الاحتفاء لأنّه بالنسبة لي (كقارئة) عمل جيّد وفقط، وبدون الخوض في تلك التفاصيل النقدية المملّة التي تحصل أمام كل عمل أدبي يلتقطه قارئ متخصّص يكاد يفرغه من معناه، أقول أن الرواية وبرغم بساطة ما فيها إلاّ أن تلك العناوين المتراصة كانت تشوّقني لاكتشاف شيء ما، تترك لنا الكاتبة خيط الشمعة لنصل إليه.

  • مفردات معظمها من البيئة الليبية والتراث ( الرصافة، المأمورة، النخاخة، الكواغط، القفة، الوزرة، الحجاب، الزاوية، السابق ..... )، إنها أيضا عناوين الأجزاء التي تضمنتها الرواية، كما أجد الكثير من الملامح من البيئة الجزائرية، أحيانا تتغير فقط التسمية وفي أخرى هي ثابتة (الزاوية، الكرناف، العرقوب، المريقب، الكواغط، القيطون، الحجاب....).

  • بعد قصيل بطل القصّة وهو الرّاوي أيضا، أعجبت بشخصية "سعدة بنت المرجان" التي أجدها امرأة قوية في بني وليد، تحرسها كلابُها التي لا ينقطع نباحها، ثمّ إنّي فقدتها فجأة في الصفحات الأخيرة حين ماتت ورحلت كلابها وهامت في الوادي، شعرت بحزنٍ ما، ولست أخفيكم هذا.

  • تجري أحداث الرواية في ديار "بني وليد"، حيث استطاعت الكاتبة أن تنقل صورة المكان بمعظم تفاصيله، فيبدو واضحا الاشتغال على البيئة "الزمكانية" وبما تضمنّته، وكنت أتفاعل مع تلك الخصوصيات العميقة المادية والمعنوية، وثمّة شيء يشبه "نافذة على الذّاكرة" تجسّد في الإرث أو التراث وبمعنى دقيق " الأرض" الأصلية، والحداثة فيما بعد التي هدّت جزءا من ذلك الأصل ليفتح الناس عيونهم على بناء جديد "مدينة"، توازي المكان العتيق الذي له تصميمه الخاص ولواحقه.

  • في الصفحة 56 ورد "...كما أعلن الراديو في خبر عاجل أن الرئيس انور السادات قد هدّد بتدخل عسكري في ليبيا إذا دخل جندي ليبي واحد إلى السودان......../ لم أكن شغوفا بالأخبار السياسية بقدر شغفي بتلك العبارة التي يطلقها المذيع برشاقة ( هنا لندن).........ولكن وبعد مضي الأسبوع الأول من يناير 1981..كان الراديو يعلن وقتها عن سيطرة قوات واداي والقوات الليبية على أنجامينا، وعن إعلان ليبيا ضمها لتشاد فيما يعرف بالوحدة بين البلدين، وتناقل غضب فرنسا والدول الإفريقية وتهديدات بعمليات عسكرية ضد ليبيا........"، مؤشرات زمنية وردت في الرواية، لتعطي ملامح الوضع السياسي حينها، والصراع الحاصل في إفريقيا، وتذكر تحول ليبيا إلى الاشتراكية والوضع الاقتصادي والاجتماعي، ويصل قصيل إلى آخر الرواية في الجزء المعنون " الجرافات" التي هدّمت المدينة القديمة. كانت النظرات الصامتة مؤثرة.


الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم