مقتل السعادة على يد الدكتاتور العربي.. "لعبة السعادة" للجزائري بشير مفتي
من خلال تجربة طويلة للكاتب الجزائري بشير مفتي (1969 - ) يتجاوز عمرها العقدين نجد أنه قد فتح سجلا روائيا طويلا ترسّخت فيه آثار مرحلة كاملة مرّت بها الجزائر تمثّلت في العشرية السوداء (1990 -2000) بما تركته من ندوب على الصعيد الإنساني والاجتماعي للجزائريين عموما وللمثقفين خاصة ثم ما جاء بعدها حيث تصالحت الجزائر مع خراب مفتوح وإنسان لم يتعافى بعد من ويلات حرب لم تعرف بعد أسبابها الحقيقية. فمن خلال روايات مفتي التي خرجت من مواجع عميقة وجاءت مثقلة بصوت الاحتضار والخوف ولغة المخابرات وأجهزة الأمن ككل نجد روايته خرائط لشهوة الليل (2008) التي تسللت إلى عالم مظلم وخفيّ وفضحت أسراره خلال سنوات عجاف حيث كان الصوت واحدا والموت يبتلع الفرح الممكن ثم روايته دمية النار (القائمة القصيرة للبوكر 2012) التي جاءت بنفَس بوليسي في سياق اختاره الكاتب بدقة فقد جعل من انتقاد الواقع والسلطة وعوامل التخلف مشروعه المستمر مع بعض الاستراحات التي جسّدها كتابه "سيرة طائر الليل" و الشذرات التي جمعت في كتاب " والأرض تحترق بالنجوم" والتي حملت سيرة متأمل ينشد الحب والسلام في قالب أدبي يخفي جزء مهما من حياة اختار الكاتب أن يبوح بها بعيدا عن صرامة النموذج الروائي فجاءت صريحة تبيّن مواطن الجمال داخل بشاعة الموت بوجوهه الممتدة نحو الثقافة والذوق والحياة وتجلى حضور المغامرة وحب الحياة لمواجهة صوت الرصاص وألوان الدم. يعُود بشير مفتي من خلال روايته لعبة السعادة (2016) إلى فترات سابقة من تاريخ الجزائر وبالتحديد فترة الرئيس الراحل هواري بومدين ليطرح العديد من الأسئلة والهواجس التي شغلته كمبدع فالجزائر المستقلة تحمّلت العديد من السياسات والبرامج التي أثبت التاريخ فشلها فيبين الكاتب من خلال شخصية مراد زاهر الوضع الإنساني في تلك الفترة ونوعية العنصر البشري الذي كان يتحكّم في مركز صناعة القرار فشخصية مراد المحكومة بأبوة مريضة وسلطة لا حدود لها من طرف الخال بن يونس لا تجسد وضعا عائليا محددا جاء إثر تنقله للعيش مع عائلة صغيرة لظروف ترتبط بالحرمان بل تجسد وضع شعب واجه دكتاتورية لا تعترف بالآخر وتمتد من السياسة إلى المجتمع والحريات ومن خلال هذا النص يحاكم الكاتب تلك الفترة من تاريخ الشعوب العربية بقوله على لسان ناصر الدمشقي " إنّ الجزائريين يعانون شأنهم شأن كل سكان الدول العربية من مسألة الحكم لأن الحكم الذي يقوم على شرعيات الماضي,ثورية أو دينية أو عسكرية سيحكم لا محالة على أحلام تقدمنا بالفشل" لقد ظهرت المحسوبية بأبشع الوجوه في العالم العربي بسبب فكرة الولاء ومشتقاتها فتسهيل مهام الأشخاص الذين لا يتورطون في كلمة (لا) والتي تعني المعارضة وقد كانت هذه الفكرة على مستوى عالي وتدرجت لتصل لأبسط الأشياء.تصعب حاليا حياة العربي الذي لا وساطة له وتتعطل مشاريعه وحتى أحلامه هذا ماوجب أن نعترف به بمرارة ونسلط عليه الذوق من خلال الأعمال الأدبية لعلّها تفلح في صناعة وعي مضاد. الشمولية قد تبتلع كل صوت مختلف وقد تقتل صاحب الفكرة قبل أن تتجسد بتهمة المحاولة وهذا ماطُرح في رواية لعبة السعادة من خلال اغتيال ناصر الدمشقي واعتقال نصيرة حداد وفطيمة مناصر وهذا ضمن تاريخ طويل للدكتاتوريات العربية التي لا تنهزم أبدا أمام كل صوت (مارق) يتطرق بشير مفتي إلى إخفاقات كان من الممكن التنبه اليها قبل حدوثها حيث يطرح سؤال طرد المعمرين الفرنسيين البسطاء الذين لم يكونوا محاربين وكانوا مثقفين وقادرين على لعب دور مهم في النهوض بالتعليم والصناعة ومختلف الأنشطة الإقتصادية والعلمية في جزائر مابعد الاستقلال وقد اعتبر أنّ فرنسا ليست عدوا ثقافيا بل عدوا عسكريا وسياسيا. تجدر الإشارة الى أنّ رواية لعبة السعادة هي التاسعة في مشوار الروائي بشير مفتي المقيم بالعاصمة الجزائرية بداية من مجموعته القصصية أمطار الليل الصادرة سنة 1992 عن رابطة إبداع وصولا إلى روايته الأخيرة والتي صدرت في طبعة عربية عن الاختلاف الجزائرية وضفاف اللبنانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب جزائري الرواية نت
0 تعليقات