يتحدث المؤلف والباحث المصري يوسف زيدان في روايته ظل الأفعى الصادرة عن دار الشروق 2006 عن عبده الذي يسكن بمنزل محاط بحديقة جرداء ورثه عن جده، منزل مفتقر للشخصية كصاحبه لم تعد الشمس تدخله. وهو متزوج من امرأة جميلة سليلة عائلة عريقة، تعمل مترجمة يناديها بنواعم، اسم اخترعه ليدللها به ظاهرياً، لكنه يستشعر بروحه كل حرف فيه. مات والدها وهي صغيرة بحادث سير وربتها والدتها العالمة بالتاريخ القديم وأصل الديانات حتى سن السادسة حيث انتزعها جدها الباشا ربيب المؤسسة العسكرية من أمها بعد محاضرة عامة ألقتها عن رؤيتها للحركة النسائية فهاجت عليها أقلام الحركات الدينية فاضطرت أن تترك ابنتها لجدها وقلبها فيه ما فيه.. بعد أن وعدت الجد بألا تتصل بابنتها حتى تبلغ الأخيرة الثلاثين. كان زواجهما عادياً.. فرح بزوجته يوم التقاها وفرح يوم وافقت على الزواج به وفرح بسنوات الزواج الأولى، لكن انقضى زمن الفرح منذ بضعة شهور أو سنين، هو لا يستطيع أن يحدد بالضبط متى انفصلت بروحها عنه، أصبحت شاردة نائية وكأنه غير موجود. الأمر يتعلق بالرسائل التي تتلقاها مؤخراً بكثرة من أمها ولا يدري ما بها وقد سمعها مرة تردد: محيطاً بلا نهاية.. ... وحدي أنا سأبقى وأصير أفعى عصية وعندها أدرك أنها تفكر بهجرانه، وعندما رحلت بعد أن بصقت عليه حين حاول أن يسلبها رسائل أمها عرف عند قراءته هذه الرسائل أنه لن يرى امرأته مرة أخرى. العاطفة المتدفقة التي صبتها الأم في رسائلها لابنتها تتضمن الكثير من الحب؛ حبها لها وحبها لأبيها، فالحب بمنظورها هو الأصل في إيجاد الأشياء. بالحب أغنت المرأة العالم. فالإنسانية في فجر تحضرها تدين بعقيدة الإلهة الأم وتقدس الأنوثة. ولا خلاف في أن هذه المجتمعات تحولت تدريجياً من الإيمان بالربة إلى الاعتقاد بسيادة الذكورة والذكورة تعني في وعيهم المتأخر. الملك الذي يحكم الأرض والإله الذي يحكم السماء. حيث كان الرجل في الزمان القديم يبتهل في محراب الأنوثة إذ أعطت المرأة للإنسانية في الزمن الأنثوي الأول كل بذور الحضارة.. الزراعة الثقافة.. الاستقرار.. الحنين إلى الوطن الضمير الديانة السلام. وكان البشر قديماً يبجلون الأفعى باعتبارها رمزاً وصورة للربة الخالقة، لأنها بديعة وغامضة، ولا تهاجم إلا إنساناً اعتدى عليها. وكانت شعار الملكات العظيمات وغيرهن من ملكات الأزمنة الأولى التي كانت الإنسانية خلالها لا ترى بأساً في أن تحكم النساء. حكمت النساء كثيراً في فجر الحضارات الإنسانية ثم تغير الحال فجاءت اليهودية لتحرم على المرأة أن تكون حاكمة أو قاضية، وتفرغ المرأة الأفعى من مضمونها القديم والمتوارث. وهكذا يطوف بنا الكاتب عبر عوالم قصية وحضارات بعيدة كانت المرأة الأم هي الحاكمة والآلهة والمعبودة وذلك من خلال رواية تجري أحداثها في أيامنا هذه. لنقف ونتساءل ماذا جرى ومن أين بدأ التراجع بمكانة المرأة وهنا تكمن وظيفة الأدب وذلك بإلقاء حجارة التساؤلات في مياه المفاهيم الآسنة..؟

الرواية نت

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم